بدأ التنظيم المعروف باسم تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2024م، برسالة واضحة وشديدة الخطورة، عبَّر عنها بآية قرآنية من سورة البقرة: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، والتي نشرها في الرابع من شهر يناير من نفس العام، هذه الرسالة لم تكن مجرد دعاية إرهابية تقليدية، بل كانت تحمل في طياتها تهديدًا شاملًا؛ حيث استهدف التنظيم من خلالها كل من لا يعتنق أفكاره ولا يخضع لأوامره، بمن فيهم المسلمون أنفسهم، وليس اليهود فقط كما قد يظن البعض، وسرعان ما تحولت هذه الرسالة من مجرد تهديد إلى واقع دموي مؤلم، تجسد من خلال سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة التي نفذها التنظيم في مناطق متعددة حول العالم.
أبرز الهجمات الإرهابية خلال العام
بدأت العمليات الإرهابية الكبيرة التي تبنَّاها التنظيم مبكرًا، ففي 3 يناير 2024م، أي قبل يوم واحد فقط من إعلان الرسالة المذكورة، شهدت مدينة كرمان الإيرانية تفجيرًا إرهابيًّا خلال مناسبة تأبينية، تسبب في مقتل أكثر من 90 شخصًا، وإصابة نحو 280 آخرين، مؤكدًا نوايا داعش الخطيرة في توسيع نطاق عملياته وتنوع أهدافه.
وفي مارس 2024م، استهدف التنظيم موقعين بارزين: الأول في مدينة قندهار الأفغانية، وهي المدينة التي تعتبر معقلًا دينيًّا لطالبان، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 27 شخصًا، وإصابة أكثر من 40 آخرين، في رسالة واضحة بأن التنظيم لا يستثني أحدًا من حربه العنيفة. أما الهجوم الثاني، فكان في روسيا، وتحديدًا في العاصمة موسكو في قاعة "كروكوس سيتي"، وهو مركز تجاري وترفيهي ضخم؛ وقد خلَّف هذا الهجوم الإرهابي كارثة بشرية كبيرة، حيث أسفر عن سقوط أكثر من 140 قتيلًا، وحوالي 550 مصابًا، مما أبرز قدرة التنظيم على التخطيط وتنفيذ عمليات معقدة في قلب مناطق آمنة نسبيًّا.
توجُّه التنظيم نحو الهجمات الفردية في أوروبا
لم تقتصر عمليات التنظيم على الهجمات الكبيرة والمنسقة، بل لجأ أيضًا إلى استخدام إستراتيجية أخرى أقل تكلفة وأكثر فاعلية من حيث التنفيذ؛ ألا وهي العمليات الفردية التي نفذها أشخاص متطرفون، يتم تجنيدهم في الغالب عبر الإنترنت. وفي ألمانيا تحديدًا، تم تنفيذ هجومين فرديين باستخدام أدوات بسيطة مثل السكاكين:
في 31 مايو 2024م، شهدت مدينة مانهايم بولاية بادن-فورتمبيرغ حادثة طعن أسفرت عن مقتل شخص واحد، وإصابة 5 آخرين.
وفي 23 أغسطس 2024م، وقع هجوم مشابه في مدينة زولينغن بولاية شمال الراين-وستفاليا، خلف 3 قتلى، و 8 مصابين.
هذه الحوادث تكشف أن التنظيم يفضل استخدام الهجمات الفردية؛ نظرًا لسهولة التنفيذ، وقلة التكلفة مع إمكانية حدوث أضرار جسيمة.
الوضع الأمني في ألمانيا
على مدار عام 2024م، واجهت الأجهزة الأمنية الألمانية تحديًا كبيرًا في التصدي لتهديدات داعش؛ حيث نجحت السلطات في إحباط العديد من العمليات الإرهابية المخطط لها، وفقًا لما أكدته التقارير الأمنية. ورغم نجاحات الأجهزة الأمنية، فإن داعش لا يزال يمثل التهديد الإرهابي الأكبر على المستوى الداخلي، الأمر الذي يستدعي اليقظة الأمنية المستمرة.
الأساليب الجديدة لتنظيم داعش
أصبح واضحًا أن تنظيم داعش يعتمد على نمطيْن رئيسييْن لتنفيذ هجماته:
النمط الأول: هجمات جماعية كبيرة، يقوم بها مسلحون مدربون بشكل جيد، وينفذون هجمات منسقة ومعقدة.
النمط الثاني: هجمات فردية، يقوم بها أفراد يتعرضون للتطرف عبر الإنترنت، ويستخدمون وسائل بسيطة مثل المركبات، أو السكاكين.
ولاحظت أجهزة الأمن أن داعش، خاصة في الدول الغربية، يميل بشكل واضح إلى الاعتماد على النمط الفردي؛ بسبب تكلفته المنخفضة، وصعوبة الكشف عنه مسبقًا، مما يجعل فرص نجاحه أكبر.
يؤكد عام 2024م أن التهديدات التي يشكلها تنظيم داعش الإرهابي لا تزال حاضرة بقوة، وأن التنظيم رغم خسائره الكبيرة على مدار السنوات الماضية، فإنه لا يزال قادرًا على التكيف، وتغيير أساليبه باستمرار، الأمر الذي يفرض على دول العالم وخاصة الغربية أن تواصل تطوير إستراتيجياتها الأمنية للتعامل مع هذه التحديات.
ويتابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عن كثب تطورات ظاهرة الإرهاب، وفي مقدمتها أنشطة تنظيم «داعش» الإرهابي الذي لا يزال يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار العالميَّيْن، رغم انحسار نفوذه الجغرافي وخسائره المتكررة في السنوات الماضية. ويؤكد هذا التحليل المستند إلى معطيات عام 2024م استمرار خطر التنظيم، وقدرته على التكيف مع الظروف والمتغيرات الدولية، ويبين المرصد استمرار خطورة هذا التنظيم فيما يلي:
أولًا: استغلال النصوص الدينية وتوظيفها المضلل
يشير المرصد إلى الخطورة الكبيرة التي يمثلها استمرار التنظيمات الإرهابية في استغلال النصوص الدينية وتفسيرها بشكلٍ مُجتزأ ومحرَّف لإضفاء الشرعية على أعمالها الإجرامية، وتعتبر الرسالة التي نشرها داعش في يناير 2024م تحت شعار: «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» نموذجًا صارخًا لاستغلال النص القرآني في غير سياقه الحقيقي، ما يشكِّل إساءة بالغة للإسلام وتشويهًا لتعاليمه السمحة التي تحرِّم قتل النفس بغير حق، وتدعو إلى الرحمة، والسلام، والتعايش بين البشر.
ثانيًا: التصعيد في استهداف المدنيين وتوسيع دائرة الضحايا
رصد المرصد بقلقٍ بالغ ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم «داعش»، وخصوصًا استهدافه المكثف للمدنيين والأماكن العامة، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا الأبرياء في بلدان مختلفة. فالهجمات الدموية في إيران وأفغانستان وروسيا، إلى جانب الهجمات الفردية في ألمانيا وغيرها، تؤكد أن التنظيم لا يفرِّق في جرائمه بين عرق، أو دين، أو جنسية، بل يستهدف الإنسانية بأكملها.
ثالثًا: تغير التكتيكات الإرهابية والتحول نحو الهجمات الفردية
لاحظ المرصد تغيُّرًا ملفتًا في تكتيكات داعش، فإلى جانب الهجمات الكبيرة التي تتطلب تخطيطًا معقدًا وأفرادًا مدربين، بدأ التنظيم يتبنى بشكل واضح نموذج «الذئاب المنفردة» التي تنفِّذ عملياتها بأدوات بسيطة ومتاحة، ويشير المرصد إلى خطورة هذا التوجه؛ إذ يصعب على أجهزة الأمن كشف مثل هذه العمليات وإحباطها مسبقًا، وهو ما يفسِّر نجاح بعض هذه العمليات في أوروبا، ومنها الهجمات في مدينتي: مانهايم، وزولينغن الألمانيتيْن.
رابعًا: دور الإنترنت في نشر التطرف وتجنيد الشباب
يشدد مرصد الأزهر على ضرورة الانتباه إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية في انتشار الفكر المتطرف؛ إذ يعتمد داعش على هذه الوسائل بشكل كبير في نشر دعايته المضللة وتجنيد الشباب، ومن هنا يدعو المرصد إلى تعزيز جهود التوعية الإلكترونية، والتحصين الفكري للشباب لمواجهة هذه الدعاية المسمومة.
خامسًا: مسؤولية المجتمع الدولي وأهمية التعاون الأمني والاستخباراتي
يؤكد المرصد أن مواجهة التهديدات الإرهابية، وخاصة من تنظيم داعش، تتطلب جهودًا دولية منسقة، وتعاونًا استخباراتيًّا فاعلًا بين دول العالم، وتبادلًا للخبرات في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، كما يدعو المرصد المجتمع الدولي إلى عدم الاكتفاء بالمواجهة الأمنية والعسكرية فحسب، بل بضرورة تبني إستراتيجيات شاملة فكريًّا، وتربويًّا، وثقافيًّا لتجفيف منابع الفكر الإرهابي.
وختامًا، يوصي مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بضرورة تكثيف جهود المؤسسات الدينية والفكرية للتصدي للتفسير الخاطئ للنصوص الدينية، وتوضيح المقاصد السامية للإسلام، وزيادة الوعي بمخاطر التطرف، وتحصين الشباب فكريًّا وثقافيًّا، إلى جوار تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات والخبرات في مكافحة الإرهاب، وتطوير آليات أمنية واستخباراتية حديثة لرصد وتتبع تحركات التنظيمات الإرهابية ومنع عملياتها، خصوصًا «الذئاب المنفردة».
ويدين المرصد بشدة العمليات الإرهابية كافة التي ينفذها تنظيم داعش وأمثاله، مؤكدًا أن الإسلام بريء تمامًا من هذه الأفعال الإجرامية، وأن الإرهاب لا دين له ولا وطن، بل هو خطر يهدد أمن الإنسانية واستقرارها.
وحدة الرصد باللغة الألمانية