يتابع مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف، عن كثب مستجدات الجهود التي تبذلها حكومة صاحبة الجلالة سيما وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي ( MHCLG ) للقضاء على ظاهرة الكراهية والإسلاموفوبيا المنتشرة في المملكة المتحدة، والتي بدأت في الازدياد في الآونة الأخيرة بحسب ما يظهر ويُبلغ عنه من حين لآخر.
وكان المرصد قد أشاد بإعلان وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي ( MHCLG ) في الثامن والعشرين من شهر فبراير من العام 2025 عن تشكيل مجموعة عمل جديدة للوصول إلى تعريف عملي للكراهية ضد المسلمين "الإسلاموفوبيا" برئاسة السياسي البريطاني البارز، دومينيك جريف.
تأتي خطوة الحكومة البريطانية في إطار دعم توسيع نطاق العمل لمجابهة حوادث الكراهية التي تستهدف المسلمين، حيث إنه من المقرر أن تقدم مجموعة العمل النصائح والمشورة بشأن أفضل الطرق لفهم ظواهر التعصب والتمييز وجرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين، والوقوف على مدى حجمها وتقديم أفضل التعريفات لها.
وقد نشر المرصد تقريرًا تناول التفاصيل المتعلقة بمجموعة العمل وصلاحياتها واختصاصاتها، معلنًا دعمه لكل مبادرة تعزز السلام والعيش المشترك والاندماج في المجتمعات بما يعود على العالم أجمع بالأمن والسلامة والرفاه.
لكن المرصد، من خلال متابعته لمستجدات عمل مجموعة العمل البريطانية، اطلع على ما نشرته وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي على الموقع الرسمي للحكومة البريطانية بعد حالة الجدل بشأن الحريات. ووجد المرصد أن من بين الاختصاصات التي نصت عليها مجموعة العمل وأكدتها الحكومة ما نصه: "إن أي تعريف مقترح يجب أن يتوافق مع حق المواطنين البريطانيين الثابت في حرية التعبير والرأي – والذي يتضمن الحق في انتقاد الأديان أو التعبير عن بغضها أو الإساءة إليها أو لمعتقدات وممارسات أتباعها".
وأكد على هذا الاختصاص، المتحدث الرسمي باسم وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي ( MHCLG ) الذي صرح بالآتي: "إننا نتعهد بشكل قاطع بالدفاع عن حرية التعبير، وأي تعريف مقترح يجب أن يتوافق مع الحق في حرية الرأي والتعبير". وبالتالي، فإن هذا الاختصاص المنصوص عليه يعيدنا إلى استعراض الإشكالية المرتبط بصياغة تعريف جامع مانع لمصطلح الإسلاموفوبيا في سياق ما عرضه الكاتب "جوليان هارجريفز" المحاضر بقسم علم الاجتماع وعلم الجريمة، بمدينة سانت جورج، جامعة لندن والذي نشره موقع شبكة "The Conversation" الإعلامية في مطلع شهر يوليو الجاري.
التعريفات السابقة المقترحة للإسلاموفوبيا
كان مما ذكره "هارجريفز" أن التعريفات السابقة المقترحة للإسلاموفوبيا أثارت حالة من الجدل كما أنها لم تنجح في توحيد موقف السياسيين والأكاديميين والمسلمين البريطانيين مما أدى إلى احتدام النقاش حول حرية التعبير. ويرى بعض الأكاديميين أن كلمة "الإسلاموفوبيا" – وما تنطوي عليه من معنى الرهاب أو الخوف من الإسلام – لا تعبر بشكل دقيق عن ظاهرة التحيز التي غالبًا ما تستهدف لون البشرة والعرق والثقافة. وتتقبل العديد من المنظمات التي يتزعمها مسلمون فكرة قصور المصطلح عن الدلالة على الظاهرة وقابلية استبداله بمصطلحات أخرى مثل "الكراهية ضد المسلمين"؛ لكنهم يرون بأن مصطلح "إسلاموفوبيا" بحاجة إلى تركيز الاهتمام على مشكلة متفاقمة.
وبعد تناوله لتاريخ المحاولات القديمة لصياغة تعريف للإسلاموفوبيا مثل محاولة تقرير "Runnymede Trust" الصادر عام 1997 وتعريف الأكاديمي البريطاني كريس ألين الذي صاغه في 200 كلمة وتعريف عالم السياسة الأمريكي إريك بليش الوجيز وغيرهم، تناول هارجريفز الجدل الدائر ومشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الكثير من المتابعين بسبب إعاقة التعريف المقدم لمصطلح "الإسلاموفوبيا" للحق المشروع في انتقاد الإسلام، علاوة على احتجاج نشطاء حرية التعبير بأن هذا بمثابة "تجديف من الباب الخلفي".
رد مرصد الأزهر على اختصاصات عمل مجموعة العمل البريطانية
من هنا، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن أي تعريف جديد لـ"الإسلاموفوبيا" يجب أن يوزان بين حماية المجتمعات المسلمة وكرامتها والحفاظ على مشاعرها واحترام معتقداتها وممارساتها الدينية وبين الحريات التي تكفلها الدساتير والقوانين مثل حرية الاعتقاد وحرية الرأي والتعبير وحرية التجمع للجميع مسلمين وغير مسلمين.
ويؤكد المرصد أن تجاوز حرية الرأي والتعبير لتصل إلى حدود التطاول والإساءة للأديان وأتباعها ومعتقداتهم وممارساتهم، فإن هذا ليس حرية تعبير ورأي بل تجاوز وفساد وطغيان وبغي على حقوق الآخرين، والخط بينهما دقيق والحد بينهما رقيق. وإن أي تعريف يتم اقتراحه في ضوء هذا الاختصاص الذي لا يوازن بين الأمرين سيفتح الباب إلى مزيد من جرائم الكراهية والعنف في المجتمعات، فنكون بذلك قد نكأنا جرحًا بدلًا من تضميده.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية