13 يوليه, 2025

سلسلة قراءة في كتاب (9)

سلسلة قراءة في كتاب (9)

اسم الكتاب: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم

المؤلف: د/ موريس بوكاي

الترجمة: الشيخ حسن خالد

 

 

نبذة عن المؤلف:

موريس بوكاي Maurice Bucaille  طبيب فرنسي نشأ مسيحيًّا كاثوليكيًّا، وكان الطبيب الشخصي للملك فيصل آل سعود، ومع عمله في المملكة العربية السعودية، وبعد دراسة للكتب المقدسة عند اليهود والمسلمين، ومقارنة قصة فرعون، أسلم وألَّف كتاب: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، وقد ترجم الكتاب من الفرنسية إلى العربية، والإنجليزية، والإندونيسية، والفارسية، والتركية، والألمانية، وامتد ليشمل جميع مكتبات الشرق والغرب تقريبًا، يقول الدكتور موريس بوكاي في مقدمة كتابه: "لقد أثارت هذه المجالات العلمية التي أقامها القرآن الكريم دون غيره من الكتب المقدسة دهشتي العميقة منذ البداية، إذ لم يخطر ببالي قط أن أرى هذا الكم الهائل من القضايا العلمية بهذه الدقة والتنوع بحيث تكون صورة طبق الأصل لما اكتشف حديثًا في كتاب موجود منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا!!".

يُذكر أن الطبيب موريس بوكاي تُوفي في فرنسا في 18 من شهر فبراير لعام 1998م، وكان من أشهر وأذكى الأطباء في فرنسا الحديثة. ([1])

بين يدي الكتاب:

قدَّم الدكتور موريس بوكاي منظورًا علميًّا فريدًا للقرآن الكريم من خلال كتابه: (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) ، ذكر فيه أن القرآن الكريم لا يُعد مجرد كتاب ديني مقدس فحسب؛ بل يُعد رسالة كونية متكاملة، تفتح الباب أمام أجيال من الباحثين لإعادة النظر في العلاقة بين الوحي والعقل، وبين الدين والعلم.

جدير بالذكر أيضًا أن الدكتور موريس بوكاي لم يكن مسلمًا عندما بدأ بحثه، ولكنه خرج بإعجاب واضح بالقرآن الكريم، واعتبره الكتاب الوحيد الذي ينسجم تمامًا مع حقائق هذا العصر، وأنه كتاب يشجع على التأمل، والتقدم.

يقول الدكتور بوكاي: "لقد قمت أولًا بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق، وبموضوعية تامة، باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، وكنت أعرف قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات أن القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظواهر الطبيعية، ولكن معرفتي كانت وجيزة، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث".

اعتبر الإسلام أن الدين والعلم توأمان متلازمان، فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءًا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام، وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا، وأن التقدم الذي تم اليوم بفضل المعارف العلمية في شرح بعض ما لم يكن مفهومًا، أو في شرح بعض ما قد أُسيء تفسيره حتى الآن من آيات القرآن، ليشكل قمة المواجهة بين العلم، والكتب المقدسة.

أبدى الدكتور موريس بوكاي أيضًا دهشته من التناغم التام بين النص القرآني، والاكتشافات العلمية الحديثة؛ بل ذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكدًا أن القرآن الكريم يتفوق على غيره من الكتب السماوية الأخرى في دقته العلمية، وخلوه من التناقضات.

وقد أثبت الدكتور موريس بوكاي الدقة القرآنية التي تؤيدها الحقائق العلمية من خلال نماذج وأمثلة واضحة، يمكننا في هذا المقال بيان المثال الأول منها، ويمكننا تتبع هذه الأمثلة في المقالات التالية:

المثال الأول: عملية تشكيل الكون الأساسية وانتهاؤها إلى تكوين العالم:

يقول دكتور بوكاي : "يقدم القرآن الكريم في آيتين خلاصة مركبة ومختصرة للظاهرات التي كونت العملية الأساسية لتشكيل الكوني"، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ ([2])، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ ([3])

أثبت الدكتور بوكاي دقة النص القرآني في هذا السياق من خلال  وصف الأصل المائي للحياة، والتفسيرات العلمية للكتلة الغازية ذات الجزيئات، أو بحسب التعبير القرآني (وهي دخان) إذ يتكون الدخان عمومًا من قوام غازي، حيث تعلق به بشكل أكثر أو أقل ثبوتًا - جزيئات دقيقة قد تنتمي إلى حالات المواد الصلبة، أو حتى السائلة مع درجة في الحرارة قد تقل أو تكثر،  ثم الفتق الكوني أو (الرتق) ليذكر بأن القرآن الكريم كان في غاية الدقة في هذين الوصفين للتكوين الكوني، وأنه لا يوجد نص يبين هذه الحقائق كالقرآن الكريم، خاصة بعد مقابلة المعطيات القرآنية مع الحقائق العلمية التي تتحدث عن الخلق.

ويلخص الدكتور بوكاي تأملاته العلمية للآيات القرآنية التي تناولت عملية تشكيل الكون الأساسية في النقاط التالية:

  1. وجود ست مراحل للخلق عمومًا.
  2. تداخل مراحل خلق السماوات مع مراحل خلق الأرض.
  3. خلق الكون ابتداء من كومة أولية فريدة كانت تشكل كتلة متماسكة انفصلت بعد ذلك.
  4. تعدد السماوات وتعدد الكواكب التي تشبه الأرض. (مفهوم تعدد العوالم)
  5. وجود خلق وسيط بين السماوات والأرض، والذي قد يبدو قليل التصور، ولكي نفهم معاني الآيات التي تتحدث عن هذا الخلق الوسيط بين السماء والأرض يجب الاستعانة بأحدث الملحوظات البشرية حول وجود مادة كونية "خارج المجرات، "كما يجب لنفس هذا السبب أن نتناول من جديد المعارف التي أثبتها العلم المعاصر حول تشكل الكون منتقلين في ذلك من الأبسط إلى الأعقد .

يقول الدكتور بوكاي: "يحتوي القرآن الكريم على كثير من التأملات في السماوات، والإشارة إلى تعدد السماوات والكواكب التي قد تشبه الأرض، وكذلك وجود ما يعرفه القرآن بأنه خلق وسط (رب السماوات والأرض وما بينهما) ([4]) وذلك ما دل العلم الحديث على وجوده ، وإضافة إلى الآيات التي تصف الخلق بشكل خاص، فهناك حوالي أربعين آية أخرى تأتي بإيضاحات تكميلية من هذه المعطيات عن علم الفلك، وليس بعض هذه الآيات إلا دلالات على عظمة الخالق، الذي رتب كل نظم النجوم والكواكب، تلك التي نعرف أنها موضوعة في مراكز توازن، وقد شرح نيوتن الثبوت الدائم لهذا التوازن بقانونه عن جاذبية الأجرام".

ثم بين الدكتور بوكاي أن القرآن الكريم في الوقت الذي نزل فيه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لم يشتمل على ذكر النظريات السائدة في عصره عن تنظيم العالم السماوي، تلك النظريات التي أثبت العلم فيما بعد عدم صحتها، ولكنه ذكر نصوصًا واضحة وصريحة في طبيعة النظام الكوني بشكل دقيق وغير مسبوق، ولم يستطع العلم الحديث أن يخالف شيئًا منها.

وبذلك قرر دكتور بوكاي أن القرآن الكريم نصٌّ محفوظ من التحريف، وأنه الكتاب الإلهي الوحيد الذي بقي على حاله لأكثر من 14 قرنًا من الزمان، وأنه لم يتعرض للتحريف، أو التغيير، أو إعادة الصياغة، وأنه لم يجد آية واحدة في القرآن الكريم تناقض الحقائق العلمية المثبتة، وأن لغة القرآن الكريم لغة دقيقة، وتفتح بابًا للتأمل العلمي.

ونحن في مرصد الأزهر إذ نسوق هذه الشهادة الغربية في بيان صدق القرآن الكريم، للكاتب الغربي الدكتور موريس بوكاي، والذي اهتدى إلى الإسلام بعد بحث طويل وجهد كبير، وأدرك أن الإسلام هو دين الله الحق، وأن القرآن الكريم كتاب الله الخالد الذي لم تمسه يد التحريف بشيء كبير ولا صغير، ولا قليل ولا كثير، وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فإننا نؤكد على ضرورة الاهتمام  بمثل هذه الدراسات الجادة والبحوث المتنوعة، وننبه شباب الأمة الإسلامية رجالًا ونساء إلى الوعي بعظمة دينهم، فلا يغتروا بمن جهل فضل الإسلام، أو عاداه بسبب هوى، أو جهالة.  


وحدة البحوث والدراسات

 

المصادر

([1]) Dr. Maurice Bucaille", idealmuslimah, Retrieved 16/1/2022. Edited.

([2]) سورة الأنبياء الآية: 31

([3]) سورة فصلت الآية:11

([4]) سورة مريم الآية:  65

قراءة (10)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
1345الأخير