تشهد المنطقة الحدودية بين بوركينا فاسو وساحل العاج تصاعدًا خطيرًا على الصعيد الأمني؛ إذ باتت هذه المنطقة الشاسعة التي تمتد لنحو 600 كيلومتر واحدة من أخطر بؤر انتشار التنظيمات المتطرفة في غرب إفريقيا. وفي ظل انهيار المنظومات الأمنية وضعف السيطرة الحكومية على الأطراف النائية، تحولت هذه الحدود إلى ممر مفتوح للجماعات المسلحة، التي تبحث عن ملاذات آمنة ومساحات جديدة للتمدد نحو خليج غينيا.
جغرافيا وعرة وهشاشة أمنية:
تتميز الحدود بين البلدين بوعورة التضاريس، وامتدادها عبر مناطق غابات سافانا واسعة، وقليلة الكثافة السكانية. هذه الطبيعة الجغرافية تسهل عمليات التسلل والتنقل بالنسبة للمجموعات المسلحة، في وقت تعجز فيه القوات الحكومية عن فرض رقابة دائمة. إضافة إلى ذلك، فإن ضعف البنية التحتية وغياب التنمية يجعل من هذه المناطق أرضًا خصبة لتغلغل الجماعات المتطرفة التي تستغل مظالم السكان المحليين.
تصاعد الهجمات:
يحمل الهجوم الأخير في أغسطس 2025م، الذي أسفر عن مقتل 4 مدنيين وفقدان آخر في قرية ديفيتا شمال شرقي ساحل العاج عدة دلالات أبرزها: أن الخطر يتنامى بشكل متسارع؛ حيث إنه أول هجوم دموي منذ عام 2021م داخل ساحل العاج، ما يعكس انتقال التهديد من بوركينا فاسو – التي تعيش حالة اضطراب أمني عميق – إلى جارتها الجنوبية. إحراق الأكواخ وسرقة المواشي، فضلًا عن استهداف مدنيين، يكشف أن العنف يتجاوز مجرد هجمات عسكرية، ليأخذ أبعادًا اجتماعية وانتقامية.
التنظيمات المتطرفة وخطط التمدد:
تتوزع التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل بين فصائل مرتبطة بـ"القاعدة" مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وأخرى تابعة لـ"داعش" مثل "تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى". وهذه التنظيمات تنتهج إستراتيجية التمدد جنوبًا نحو خليج غينيا، مُستغلة هشاشة الحدود والتداخلات الإثنية والقبلية، وغالبًا ما تنجح في تجنيد الشباب المحليين، عبر استغلال الفقر وغياب فرص العمل، أو من خلال إثارة النعرات العرقية، خصوصًا ضد جماعات مثل الفولاني.
التداعيات الإقليمية:
إن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في هذه الحدود لا يهدد بوركينا فاسو وساحل العاج فحسب، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار مثل: غانا، وتوجو، وبنين، فقد شهدت هذه الدول في السنوات الأخيرة محاولات اختراق مماثلة من قبل الجماعات المتطرفة، الأمر الذي يشير إلى أن التحدي أصبح إقليميًّا، وأن أي ضعف في جبهة واحدة قد ينعكس على بقية المنطقة.
مواجهة الخطر:
تبذل ساحل العاج جهودًا مكثفة لتعزيز دفاعاتها الحدودية، حيث وضعت خططًا لبناء قواعد عسكرية متقدمة وتطوير وحدات أمنية خاصة، إلى جانب التعاون الاستخباراتي مع شركائها الإقليميين والدوليين. غير أن هذه الجهود تواجه تحديات كبرى، أبرزها نقص الموارد، واستمرار الصراع في بوركينا فاسو الذي يوفر بيئة حاضنة وداعمة للتطرف.
خاتمة:
تمثّل الحدود بين بوركينا فاسو وساحل العاج جبهة متقدمة في معركة غرب إفريقيا ضد الإرهاب؛ فهي ليست مجرد خط جغرافي يفصل بين دولتين، بل ممر إستراتيجي تسعى التنظيمات المتطرفة لاستخدامه جسرًا للوصول إلى خليج غينيا، المنطقة التي كانت حتى وقت قريب بعيدة نسبيًّا عن فوضى العنف وخطر الإرهاب في الساحل. ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن مواجهة هذا الخطر تستلزم تعاونًا إقليميًّا عميقًا، وخططًا تنموية موازية تعالج جذور الأزمة، وإلا فإن "الحدود المشتعلة" قد تتحول إلى بركان يهدد استقرار المنطقة بأسرها.
المصادر:
- وكالة الأنباء الفرنسية (AFP):
تقرير معهد الدراسات الأمنية (ISS Africa) عن تمدد الجماعات المتطرفة إلى خليج غينيا:
https://issafrica.org
- مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية (ACSS) حول تهديد الجماعات المسلحة في غرب إفريقيا:
https://africacenter.org
- تقرير الأمم المتحدة حول الأمن في منطقة الساحل
وحدة الرصد باللغات الإفريقية