12 مايو, 2017

أول دبلوماسى فى أذربيجان يحكى ذكرياته فى "البعوث الإسلامية"

أول دبلوماسى فى أذربيجان يحكى ذكرياته فى "البعوث الإسلامية"

رحلة كفاح مرهقة بدأها الطالب الأذربيجانى إميل رحيموف فى طلب العلم،  فبعد أن أنهى دراسته الثانوية فى التسعينيات جاء إلى مصر أملاً منه فى الالتحاق بالأزهر الشريف، لكن أحلامه تحطمت بعد أن وطأت قدماه الأراضى المصرية مفارقاً لأهله ووطنه قاطعاً آلاف الكيلومترات ليكتشف أنه لا يوجد بروتوكول تعاون بين بلاده والأزهر، ما يحول بينه وبين دخول الجامعة، فعليه أن يبدأ فى الدراسة من المرحلة الإعدادية- إن نجح فى اختبارات القبول- فكَر كثيراً فى الالتحاق بجامعة القاهرة، أو العودة إلى بلاده كما عاد زملاؤه الذين جاءوا معه،  لكن عز عليه عدم تحقيق هدفه وترك الأزهر الذى حلم بالدراسة فى أروقته، وفى الوقت ذاته رأى أن ضياع سبع سنوات من عمره كثير جدًّا. وبعد تفكير عميق، أصر على تحقيق حلمه باختيار الأزهر، مقرراً كسر الحواجز وتخطى كافة الموانع، فواصل الليل بالنهار لإجادة اللغة العربية واستكمال حفظ القرآن حتى يجتاز اختبارات القبول للمرحلة الإعدادية ويلتحق بالمرحلة الثانوية مباشرة، وكم كانت رحلة شاقة كتب الله له فيها التوفيق، فلم ينجح من دول الكومنولوث سوى طالبين كان هو واحداً منهما، ثم سافر للدراسة بمعهد الإمام عبدالحليم محمود فى الإسكندرية، فاستهوته الطبيعة وجذبه الهواء النقى، فجدّ واجتهد حتى حصل فى الشهادة الثانوية على 493 درجة متفوقاً على أقرانه المصريين، وكانت لديه رغبة ملحة فى الدراسة بكلية اللغة العربية حتى يتمكن من خدمة بلاده بعد استقلالها برغبتها فى الانفتاح على العرب، لكن صلاة الاستخارة قدرت له الدراسة بكلية الشريعة والقانون،  وفيها انفتح ذهنه على دراسة المذاهب الفقهية المتنوعة، ورغم صعوبة الدراسة فيها- كونه وافداً- إلا أنه استطاع الحصول على تقدير جيد، وعاد إلى بلاده عازماً النية على استكمال الدراسة للحصول على الماجستير من كلية اللغة العربية وآدابها بجامعة القوقاز فى أذربيجان، الأمر الذى تم بالفعل فى العام 2006 بموضوع «أسرار حروف الجر فى ذكر الرحمن»، ولم يكتف بذلك، فالعلم بالنسبة له من المحبرة حتى المقبرة،  فدخل أكاديمية العلوم الوطنية ودرس فيها ثلاث سنوات- توازى مرحلة الدكتوراه فى مصر- ثم أعد أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان «قضايا التقريب بين المذاهب الإسلامية فى الإسلام الحاضر»، وذلك لما لمسه من حاجة ماسة لتوضيح ذلك فى الوقت المعاصر.

وبعد أن أنهى دراسته عُيّن مدرساً للغة العربية فى عدد من جامعات بلاده، ثم تقدم بأوراقه للعمل بالسلك الدبلوماسى، وبعد خضوعه لعدة اختبارات وسنتين من التدريب، اُختير أخيراً للعمل قنصلاً بجمهورية مصر العربية، ليكون أول أزهرى يعمل بالخارجية الأذربيجانية، وكأنه يطبق القول المصرى «من شرب من ماء النيل فلابد أن يعود إليه»، فبمجرد عودته لمصر تذكر الحميمية التى تربطه بمدينة البعوث الإسلامية التى قضى فيها ريعان شبابه- حينما جاء إليها وعمره 17 عاماً وغادرها وعمره 26 عاماً- وتعرف فيها على مختلف العادات والتقاليد، فذهب للغرفة التى كان يسكن بها فى العمارة 17 بالدور الثالث، وعادت به الذاكرة إلى عدة مواقف حينما كان يسهر مع زملائه الأفارقة حتى منتصف الليل ثم ينام البعض منهم قبيل الفجر، الأمر الذى كان يحزنه كثيراً، ما دفعه لكتابة ورقة وضعها على السلم والأبواب حتى يراها الجميع فيها الترهيب من ترك صلاة الفجر، وعندما قرأها الطلاب فى اليوم التالى وسألوا عن كاتبها أخبرهم بأنه لايليق بنا ونحن أبناء الأزهر ترك صلاة الفجر، ومن المفترض أننا سنعود دعاة فى بلادنا، فاستجاب له الأصدقاء، وعاهدوه على الالتزام. كما تذكر كيف كان يتشوق إلى الخطابات التى كان يرسلها له أهله من أذربيجان، واستقلاله للأوتوبيس رقم 815 فى طريقه لتسلم تلك الخطابات من مقر السفارة بمنطقة الزمالك، وتعجبه أثناء سيره على قدميه من طريقة استقلال المصريين للأوتوبيس، وعندما مرّ من شارع الأزهر ورأى كليته تذكر قفز الطلاب من فوق المدرجات،  وأستاذ أصول الفقه الذى كان شديداً فى طبعه عندما خرج ذات يوم من المحاضرة ووقف على الباب لمخاطبة أحد الأساتذة فهاجت القاعة بالضجيج، ولمّا انتهى من حديثه وعاد للداخل قال بصوت غليظ بأسلوب استنكارى: «يا أبنائى ما دامت مفاتيحى على المكتب فأنا لم أخرج من القاعة، وهذا يترتب عليه أن تحترموا مكانتى لا أن تعبثوا فى المحاضرة»، وصار يقلب فى ذاكرته بين الأزهر عندما كان يدرس فيه طالباً وعندما جاء إليه قنصلاً، فرأى أن الأزهر مستمر فى الحفاظ على وحدة المسلمين بمناهجه الوسطية وعلمائه الكرام، وأنه تطور كثيراً فى الاهتمام بالوافدين بعد أن أنشأ لهم برلماناً يعبر عن مشاكلهم وطموحاتهم، متمنياً زيارة شيخ الأزهر لأذربيجان حتى يتعرف الشعب على الخدمات الجليلة التى يقدمها الأزهر للدول الإسلامية.

حسام شاكر

قراءة (1294)/تعليقات (0)

كلمات دالة: