Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - الإغراء كسلاح خفي.. تكتيكات الحرب النفسية للكيان الصهيوني تتجاوز الرصاص
الإثنين 05 05 2025 03 31 41 | 05 مايو 2025 م

الإغراء كسلاح خفي.. تكتيكات الحرب النفسية للكيان الصهيوني تتجاوز الرصاص
Sameh Eledwy

الإغراء كسلاح خفي.. تكتيكات الحرب النفسية للكيان الصهيوني تتجاوز الرصاص

 

في خضم جرائم الكيان الصهيوني، انتشرت ظاهرة ملفتة للنظر، واحتلت مساحة من المواد التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تظهر مجندات لدى الكيان الصهيوني في مقاطع فيديو راقصة، بالزي العسكري على أنغام أغانٍ عالمية خفيفة، وقد يبدو الأمر تافهًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة يحمل دلالات نفسية، سياسية، اجتماعية، بل وأمنية عميقة.

التحليل النفسي والاجتماعي والسياسي والإعلامي والأمني للظاهرة:

أولًا: التحليل النفسي – الرقص كآلية دفاع

لا يمكن فصل هذه الفيديوهات عن الواقع القاسي الذي تعيشه المجندات داخل كيان إرهابي منخرط في احتلال وعمليات قتل وإبادة يومية؛ حيث يمكن تفسير تلك المقاطع بأنها حيلة دفاعية نفسية، ومحاولة للهروب من الشعور بالذنب، أو الضغط النفسي الناتج عن أفعال يومية تترك أثرًا نفسيًّا بالغًا.

كما يمكن تفسير هذه الظاهرة ضمن نظرية "الانفصال النفسي؛ حيث يعيش الفرد في حالتين متناقضتين تمامًا (العنف والمرح) في وقت واحد، ما يشير إلى اضطراب داخلي ومحاولة لحماية النفس من التصدع والانهيار والاضطراب النفسي.

ثانيًا: التحليل الاجتماعي – التزييف الاجتماعي

تُحاول هذه الفيديوهات قلب الصورة النمطية لأفراد الكيان الصهيوني، من قتلة وإرهابيين ومحاصرين للمدنيين ومتورطين في جرائم إبادة وتهجير قسري لشعب أعزل بما فيهم من نساء وأطفال وعجزة، إلى شباب أو فتيات يعيشون في مرح وحياة طبيعية، وهذا التغيير مقصود وموجَّه لفئات معينة، خاصة في الغرب، لتحسين صورة الجيش الصهيوني وجعله أقرب إلى "الناس الطبيعيين" الذين يحبون الموسيقى والرقص مثل الآخرين.

ثالثًا: البُعد السياسي – أداة ناعمة لتجميل الكيان الصهيوني

الرقص هنا ليس عفويًّا بالكامل، بل يدخل ضمن ما يُعرف بالقوة الناعمة كونه أحد إستراتيجيات الحرب النفسية؛ إذ تُستخدم هذه الفيديوهات لتجميل صورة الكيان في الخارج، وتقديم جيشها على أنه جيش "متسامح" و"منفتح"، في مقابل الصورة التي تصدرها الأداة الإعلامية نفسها للكيان الصهيوني عن الفصائل الفلسطينية المقاومة كـتنظيمات "متطرفة" و"عدائية".

رابعًا: البُعد الإعلامي والأمني – التشويش والإلهاء

إن تعمُّد نشر هذه الفيديوهات بكثرة في توقيتات متزامنة مع مجازر أو انتهاكات جسيمة في غزة أو الضفة، يشير إلى أن الهدف هو صرف أنظار الجمهور الرقمي عن الجرائم الحقيقية، وإغراقه في محتوى ترفيهي قد يُحدث تعاطفًا ضمنيًّا مع الكيان الصهيوني، لاسيَّما في الداخل الصهيوني، أما واقع الصور والمقاطع من وجهة نظرنا أنها صورة احتلال يرقص بينما ينزف الآخرون، وكيان غاصب يتمايل على أشلاء الأبرياء من النساء والأطفال.

كما يأتي هذا التوجه إلى إنتاج ونشر مقاطع الرقص للمجندات في ظل أزمة حقيقية يواجهها الكيان الصهيوني في الداخل، تتعلق بازدياد عدد من يرفضون الخدمة العسكرية، أو يحاولون التهرب منها؛ لأسباب أخلاقية أو نفسية أو حتى سياسية، الأمر الذي أفضى بالبعض للانتحار، لذا فإن هذه المقاطع ليست عفوية كما قد تبدو، بل هي جزء من حملة ناعمة مدروسة تهدف إلى جذب الشباب الصهيوني عبر استمالة حسهم الترفيهي، واستثارة رغباتهم الجنسية، وتقديم الخدمة العسكرية كـ"تجربة اجتماعية ممتعة"، بدلًا من "واجب دموي"، في محاولة من الكيان لتطبيع فكرة التجنيد من خلال أدوات الحرب النفسية، مستفيدة من تأثير الصورة الخادعة في بيئة رقمية تتلاعب بالعقول أكثر مما تخاطب الوعي.

ولكن بسبب هذه الفيديوهات التي تظهر المجندات لدى الكيان وهن يرقصن، تم تسليط الضوء على جانب مقلق في جيش الكيان الصهيوني يتمثل في زيادة حالات التحرش الجنسي والاغتصاب داخل صفوفه، بسبب هذه الفيديوهات التي تهدف إلى تحسين صورة الجيش وتقديمه على أنه مكان مريح وغير تقليدي، ولكنها أسهمت بشكل غير مباشر في خلق بيئة تسمح بتزايد سلوكيات غير لائقة تتعامل مع المجندات على أنها وسيلة للاستمتاع الطوعي أو الإجباري.

فوفقًا لتقارير رسمية وإعلامية في الكيان الصهيوني، هناك زيادة ملحوظة في حالات الاعتداءات الجنسية داخل جيش الكيان الصهيوني، بما في ذلك حالات الاغتصاب([1]).

في الختام، نرى أن هذه الحيل الإعلامية التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني، مثل مقاطع رقص المجندات، ليست مجرد محاولات لتغيير صورة جيش الوحشية والإرهاب الأول أمام العالم، بل هي دلالة واضحة على الأزمة الجوهرية التي يعاني منها هذا الكيان، الذي لا يمتلك أي شرعية في الأرض التي يحتلها، ومن ثَمَّ يسعى إلى تلميع صورته وزيادة قبوله من خلال إستراتيجيات إعلامية تهدف إلى إلهاء الجمهور عن حقيقة كونه كيانًا غاصبًا ومحتلًّا، فهو لا يملك الأرض التي يعيش عليها، بل هو محتلٌّ لأرضٍ هي حقٌّ أصيل لشعب فلسطين، الأمر الذي يعكس انعدام القوة الحقيقية لدى الكيان؛ إذ يفتقد العقيدة والشعور بأنه صاحب الأرض، لأن صاحب الأرض لا يتخفى وراء رقص النساء، ولا يتاجر بعرضه وشرفه، بل نحن أمام كيان لا أرض له، ولا عرض، ولا شرف؛ كيان مشوه نفسيًّا، وفكريًّا، واجتماعيًّا، وأمنيًّا.

بل والحقيقة التي نعلمها جيدًا أن هذا الكيان يستحيل عليه أن يقاتل بشرف؛ فهم ليسوا أهل حرب، بل إن هزائمهم تملأ صفحات التاريخ، وقد صدق المولى - عز وجل- حين  قال في كتابه العزيز على لسانهم  لسيدنا موسى في سورة المائدة: {فـاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إنَّا هَهُنا قاعِدُونَ} هذا تمامًا ما يحدث الآن من الكيان  الصهيوني، الذي يهرب من المواجهة الحقيقية، ويلجأ إلى الحيل الإعلامية، والألاعيب النفسية لتمويه صورته، لأنه في عمق وجوده لا يمتلك الصلابة الأخلاقية، ولا القوة الحقيقية التي تُمكنه من المواجهة الصادقة.

وبناءً على التحليل السابق نقدم مجموعة من التوصيات منها:

ضرورة زيادة الوعي حول الحرب النفسية:  ينبغي على المجتمعات العربية والفلسطينية زيادة الوعي حول أساليب الحرب النفسية التي يستخدمها الكيان الصهيوني، بما في ذلك التلاعب الإعلامي والصور المزيفة التي تهدف إلى تحسين صورة الكيان أمام العالم، من خلال فهم هذه الأساليب، بما يساعد على تطوير إستراتيجيات مضادة فعَّالة.

تسليط الضوء على الجرائم الحقيقية للكيان: يجب العمل على نشر التقارير والوثائق التي تفضح انتهاكات الكيان الصهيوني على أرض الواقع، بما في ذلك جرائم الحرب، التحرش الجنسي، والاغتصاب داخل الجيش، هذه المعلومات يجب أن تصل إلى المجتمع الدولي بشكل موثوق، لتكون دافعًا للضغط على الكيان المحتل.

مواجهة التضليل الإعلامي بشكل منظم: من المهم أن تكون هناك حملات إعلامية منظمة من قبل المؤسسات العربية والفلسطينية للتصدي لهذا النوع من التلاعب الإعلامي، يجب أن تتم هذه الحملات بطرق مبتكرة وفعَّالة، مع استخدام المنصات الرقمية للوصول إلى أكبر قطاع من الجمهور.

تقوية التحالفات الدولية: ينبغي تعزيز التحالفات مع المنظمات الدولية والحركات الحقوقية التي تركز على فضح الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني، هذا يشمل دعم جهود المحاكمات الدولية، وتعزيز التعاون مع هيئات حقوق الإنسان.

إعادة بناء الخطاب الإعلامي المقاوم: العمل على تطوير خطاب إعلامي مقاوم يتوجه إلى الوعي الجماهيري العربي والدولي، يهدف إلى تجنب التأثيرات النفسية التي يحاول الكيان الصهيوني فرضها على الرأي العام؛ حيث يجب أن يكون هذا الخطاب مشبعًا بالقيم الإنسانية؛ ومن أهمها النضال المشروع ضد الاحتلال دفاعًا عن الأرض والعرض.

وحدة البحوث والدراسات

 

[1] تقرير منشور على شبكة أخبار الميادين رابط التقرير إعلام إسرائيلي: ارتفاع عدد حالات الاغتصاب والتحرّش داخل الجيش


 

الموضوع السابق الخطاب الدعائي لتنظيم "داعش" الإرهابي.. قراءة نقدية من خلال نماذج مختارة
طباعة
33

حقوق الملكية 2025 الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg