الإيمان بالكتب وأثره في سلوك الفرد والمجتمع
الإيمان بالكتب السماوية هي الركن الثالث من أركان الإيمان الستة الوارد ذكرها في حديث جبريل المشهور في قوله عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال: «أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».
والجدير بالبيان أن إنزال الكتب على الرسل عليهم الصلاة والسلام كان لحِكَمٍ يعلمها سبحانه وتعالى؛ فالكتب المنزلة على الأنبياء والرسل هي نور وهدى منه تعالى إلى من أُرسل إليهم، تحوي في طياتها الكثير من المهمات كبيان أن الله تعالى هو الإله الحق، وأنه خالق كل شيء، وأنه تعالى له من الصفات والأفعال ما لا يمكن أن يُنسب لغيره، وفي هذه الكتب بيان بأنه تعالى هو المستحق للعبادة.
وفي هذه الكتب تجد الحديث عن جملة العقائد التي يجب على كل مكلف أن يؤمن بها كالحديث عن الله وما له من صفات الكمال والجمال والجلال، وكالحديث عن الأنبياء السابقين مع أقوامهم وعاقبة أمرهم.
وفي هذه الكتب تجد الحديث عن يوم القيامة وما في هذا اليوم من أهوال، والحديث عن الجنة وما أعده الله فيها للمؤمنين، والحديث عن النار وما فيها من عذاب للعاصين، وفي هذه الكتب الكثير عن المنهاج الذي ينبغي أن يسير عليه أتباع كل رسول من طاعات للأمر واجتناب للنهي، وفيها جملة من الشرائع التي يجب على المكلفين اتباعها، وفيها كذلك الحديث عن العلاقات بين الإنسان وغيره وما ينبغي أن يكون عليه مع أهل دينه والمخالفين لهم من أصحاب الديانات الأخرى.
هذا ومن الكتب التي ورد ذكرها في القرآن؛ الصحف التي نزلت على إبراهيم عليه السلام، والتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، والزبور الذي نزل على داود عليه السلام، والإنجيل الذي نزل على عيسى بن مريم عليه السلام، والقرآن الذي نزل على سيدنا محمد -عليه وعلى جميع الرسل الصلاة والسلام-، وهذه الكتب يجب الإيمان بها، وأنها وحي من عند الله تعالى. والفرق بين هذه الكتب السماوية السابقة أنها قد نزلت لقوم كل نبي خاصة، بينما نزل القرآن للناس كافة، قال تعالى: ﴿وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم : 52]؛ فالقرآن الكريم جاء ناسخًا لكتب الأنبياء السابقين جميعًا، ومهيمنًا عليها. قال سبحانه وتعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ [المائدة : 48].
والإيمان بالكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء من أركان الإيمان التي لا يكتمل إيمان الإنسان إلا بها، قال تعالى آمرًا أمة الإسلام بالإيمان بالكتب السابقة، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾، سورة [النساء: 136]، وبيّن سبحانه أن الإيمان ببعض الكتب دون بعضها الآخر علامة على الخروج من الإسلام. قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة : 136].
وللإيمان بالكتب آثار مهمة في حياة الفرد والمجتمع، من بينها:
- أن الإنسان مدفوع بفطرته نحو التساؤل عن بدايته ومصيره والعبرة من وجوده في هذه الدنيا، ولا شك أن عقله المجرد لن يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، ولقد حاولت البشرية في تاريخها الطويل الإجابة عن هذه الأسئلة إلا إن الإجابة كانت أشبه بالأساطير والخيال، وهنا تأتي الإجابة الشافية من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى على رسله عبر كتبه السماوية.
- أن هذه الكتب السماوية قد حوت كل ما يحتاجه المرء لحصول السعادة في الدنيا والآخرة؛ فالمؤمن يشعر بأن الله تعالى قد بين لعباده إلى ما فيه صلاحهم، وهذه النقطة من الأهمية بمكان، فمن يطالع آيات القرآن الكريم يلحظ هذا الأمر، وهذا يدل على عناية الله تعالى بعباده فقد أنزل لكل قوم كتابًا يرشدهم ويأخذ بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة : ٤٤].
- ومن المهم أن نذكر أنه تعالى قد أنزل كل كتاب بما يناسب حال من أُرسل إليهم، والحق عز وجل القرآن الكريم خاتمة الكتب، فهو مهيمن على ما قبله، صالح لكل زمان ومكان قال عز وجل: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة : ٤٨].
- أن الإنسان يجب أن يشعر بالمسئولية تجاه هذه الكتب؛ فهي وحي السماء إلى الأرض، يجب حفظها والعمل بما فيها وتبليغها، وهي أيضًا أمانات تقتضي الحفظ والرعاية، وأن عدم القيام بحفظها ورعايتها أمر جد خطير حذر منه المولى عز وجل، خاصة بعد انتقال الأنبياء إلى الرفيق الأعلى؛ فالله سبحانه وتعالى ما ترك الناس حيارى بعد انتقال الرسل والأنبياء، بل رسم لهم الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يسلكونه، وبيَّن لهم أن الحُكم والفصل بين الناس في ذلكم الوقت إنما بالنظر إلى ما في هذه الكتب السماوية من تشريعات وأحكام.
- أن هذه الكتب فيها بيان لمكانة الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فقد اختصوا بإنزال هذه الكتب عليهم دون غيرهم من البشر، وفي إنزالها تسلية لقلوبهم وتثبيت لهم، ولمن معهم من المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان : 32].
وأخيرًا نقول: إن الإنسان بطبيعة خلقته له رغبات وشهوات، ولنفسه والشيطان حظ في التأثير عليه وجره إلى ما فيه فساده وهلاكه، فكان لا بد من كتاب سماوي يأخذ بيده ويرشده إلى ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة، وما ينبغي عليه أن يرجع إلى القرآن الكريم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» [أخرجه مسلم (2/ 890)].
وحدة الرصد باللغة العربية
498