من هي جماعة "سرايا أنصار السنة" التي نفّذت هجوم كنيسة "مار إلياس" في سوريا؟
في 22 يونيو الماضي، شهد العالم صدمة كبيرة عقب هجوم دموي استهدف كنيسة "مار إلياس" في حي الدويلعة بالعاصمة السورية دمشق. حيث أقدم انتحاري على إطلاق النار داخل الكنيسة، قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف، مما أسفر عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 57 آخرين. ويُعد هذا الهجوم أول استهداف مباشر لكنيسة في سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.
وفي صباح اليوم التالي، 23 يونيو، أعلنت جماعة تُدعى "سرايا أنصار السنة" مسؤوليتها عن الهجوم عبر بيان نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وذكرت الجماعة أن الهجوم جاء ردًا على ما وصفته بـ"الاستفزازات المسيحية للدعوة"، مشيرة إلى أن منفذه شخص يُدعى: "محمد زين العابدين أبو عثمان".
وفيما يلي استعراض لأبرز ما يُعرف عن هذه الجماعة، من حيث النشأة، والقيادة، وخطابها الإعلامي، وعلاقتها الفكرية بتنظيم داعش:
أولًا: التأسيس والقيادة
ظهرت "سرايا أنصار السنة" مع بداية العام الجاري، من خلال بيان على مواقع التواصل الاجتماعي أعربت فيه عن عدائها العلني للطائفة العلوية في سوريا. وقد نفذت أولى عملياتها في فبراير بقرية: "أرزة" في ريف محافظة حماة وسط سوريا، وأسفرت عن مقتل عشرة من أبناء الطائفة العلوية.
وتشير الجماعة إلى أن قائدها يُدعى "أبو عائشة الشامي"، دون تقديم أية معلومات إضافية أو صور له. كما تضم الجماعة عددًا من الشرعيين المحليين مثل: "أبو سفيان الدمشقي"، "أبو الفتح الشامي"، و"أبو محمد الشامي"، مما يوحي بأنها جماعة محلية المنشأ لا تضم مقاتلين أجانب.
ثانيًا: عدد المقاتلين
زعمت الجماعة في أحد منشوراتها الدعائية أن عدد مقاتليها يبلغ نحو 1000 عنصر. إلا أن الواقع يشير إلى أن العدد الحقيقي أقل بكثير، بدليل عدم بروزها في المشهد القتالي السوري، وعدم التفاعل معها من قِبل التنظيمات المسلحة الأخرى.
ويُعد الشرعي الأول في الجماعة: "أبو الفتح الشامي"، أحد أبرز المحرضين، إذ يستخدم خطابًا دينيًّا حماسيًّا، يمزج بين النصوص الشرعية المؤولة وفقًا لفهمهم المغلوط والشعر التحريضي الذي يدغدغ مشاعر الشباب، على نحو يشبه متحدثي تنظيم داعش، مثل: "أبو محمد العدناني" و"أبو الحسن المهاجر".
ثالثًا: الذراع الإعلامية
تمتلك الجماعة مؤسسة إعلامية تُسمى: "مؤسسة العاديات"، تُعنى بنشر بياناتها، وتسجيلات عملياتها، وخطب شرعييها. وقد تم الإعلان عن هذه المنصة في مارس الماضي. أسلوب الطرح الإعلامي الذي تنتهجه "العاديات" يُشابه إلى حد بعيد الأذرع الإعلامية التي استخدمها تنظيم داعش الإرهابي لترويج خطابه.
رابعًا: الخطاب الدعائي
يتسم الخطاب الإعلامي للجماعة بالتقارب الشديد مع أدبيات تنظيم داعش، سواء في اللغة أو المضمون. فهو خطاب طائفي بامتياز، يتضمن ازدراءً صريحًا للمسيحيين والعلويين، ويهاجم ما يطلقون عليه: "الطواغيت"، ويدين مفهوم "المواطنة"، ويصف الدساتير والقوانين بأنها "كفرية".
كما يتهم النظام السوري بالخيانة والتفريط في دماء الشهداء، ويتهمه بحماية "الملاهي الليلية" والارتماء في أحضان الأنظمة "الكفرية"، بحسب تعبير الجماعة. ولم تخلُ خطاباتها أيضًا من مهاجمة دول الخليج، مستخدمة الاتهامات ذاتها التي درج تنظيم داعش على إطلاقها.
خامسًا: الخلفية الفكرية
تعتمد "سرايا أنصار السنة" في منشوراتها الفكرية على استحضار أفكار سيد قطب، خاصة تلك التي تدعو إلى الثورة والحركية وعدم الاكتفاء بمشاهدة الأحداث. كما يظهر في خطابها إعجاب واضح بـ أسامة بن لادن، بل ويعبر الشرعيون فيها أحيانًا عن "الحنين إلى أيام بن لادن"، في دلالة على التقارب الأيديولوجي مع تنظيم القاعدة سابقًا، وداعش في الوقت الراهن.
ختامًا: رغم مرور ما يزيد على ستة أشهر على إعلان تأسيسها، لا تزال جماعة "سرايا أنصار السنة" في دائرة الغموض، دون أن تحظى باعتراف أو تفاعل يُذكر من باقي التنظيمات المتطرفة، بما فيها داعش نفسه، الذي لم يُشر لها حتى بعد هجوم كنيسة "مار إلياس".
يبقى أن الأيام القادمة قد تكشف مزيدًا عن هذه الجماعة وخططها، والتي لا توجد مؤشرات على تماسك داخلي يُمكّنها من البقاء طويلًا في ساحة الصراع، لكن ما هو مؤكد حتى الآن هو أن فكرها يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع السوري، وعلى المنطقة بأسرها، وهو ما يجب رصده والاستعداد لمواجهته وتفكيكه.
اللهم احفظ بلادنا والعالم العربي من كل شر.
وحدة رصد اللغة التركية
40