14 يونيو, 2017

الإمام الأكبر في حديثه اليومي على الفضائية المصرية: الخاطب المتراجع عن خِطبته لغير مبرر شرعي آثم

قال فضيلة الإمام الأكبر: إن قراءة الفاتحة في  الخِطبة لا تعد عقدًا بين طرفين، ولا يترتب عليها أي التزام شرعي من أي طرف تجاه الآخر، وإنما هي فقط تأكيد للوعد من الخاطب والمخطوبة وأسرتيهما، وإذا رجع أحد الطرفين بعد الفاتحة لا يُسمى ذلك رجوعًا عن عقد، بل يُعَدُّ إخلافًا للوعد.
وأضاف فضيلته في حديثه اليومي الذي يذاع قبل المغرب على الفضائية المصرية طوال شهر رمضان المعظم: يجب أن نفرق بين أمرين: الوعود والعقود، فالعقود فيها التزامات العقود التي يأتي على رأسها وفى قمتها عقد الزواج الذي تنبني عليه أحكامٌ شرعية لا يجوز أن يُخِلَّ بها أحدُ الطرفين (الزوج والزوجة) وإلا انطبق على أحدهما عقوباتٌ شرعية أو تعويضات، لكن الوعود لا يترتب على الرجوع فيها عقوبةٌ شرعية محددة، ولا غرامةٌ مالية، وإنما يترتب عليها الحرمة والإثم؛ لأن الإسلام ينهى عن خُلْف الوعد، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا) وأحاديث كثيرة تحث المسلم على أن يلتزم بما وعد.
 وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أنه لا بد أن يُفرَّق بين صحة الشيء شرعًا وبين أن يكون هذا الشيء إثمًا أو حرامًا،  فالوضوء مثلًا بالماء المغصوب والصلاة في الأرض المغصوبة، كل منهما صحيحٌ، مع ترتّب الإثم والحرمة في حق المتوضئ والمصلي، ومعنى الصحة هنا: أن أداءهما يُسقط الفرض عن المتوضئ والمصلي، فلا يبقيان فرضَيْن في ذمته، ولا يجب عليه إعادتهما مرة ثانية حين يجد الماء المباح والأرض المباحة، ومعنى الإثم هنا: مَحْق الثواب وترتب العقوبة الأخروية على من يفعل ذلك، وفي مسألة الخطوبة يصح التراجع من أحد الطرفين لكن لا بد أن يكون هذا التراجع له مبرر شرعي مُتأكَّد منه؛ كأن يتبين للخاطب أن المخطوبة سيئة الخلق، أو مستهترة بأحكام الله ..
وتابع فضيلته: فالتراجع في هذه الحالة لا شيء فيه شرعًا، لكن المشكلة تكون حين يتراجع أحدهما لا لسبب شرعي محدد، وإنما لأشياء تافهة، فهذا ينطبق عليه ما ينطبق على حالة خلف الوعد من إثم، بعد ما تراضيا وركن كلٌّ إلى صاحبه، وكان الخاطب سببًا في انقطاع الخُطَّابِ عن هذه الفتاة، وهذه أضرار تلحق المخطوبة وأسرتها، أو تلحق الخاطب وأسرته، ولا بد من إجراءٍ تعزيري، كأن يكون هناك تعويض أو قانون أو عقوبة تجبر خاطر  المخطوبة وأسرتها، فقد كان أستاذنا الدكتور الحسيني الشرباصي -رحمه الله- يرى أن حق الرجوع مشروط بالمصلحة الشرعية فإذا لم يكن الأمر كذلك كان الرجوع إضرارًا بالطرف الآخر، فمثلًا رجوع الخاطب لأي سببٍ غير شرعي فيه إساءة لسمعة البيوت، بل فيه مساس بالأعراض، وقال: وإني أرى إعطاء الحرية للرجل والمرأة في فك الخطبة والإعراض عن الوعد الذي أُبرم فيها بدون مسوغ شرعي طالما أساء لسمعة البيوت وقضى على الكثير من شرفها فكان الأحرى برجال القانون أن يستنبطوا من قواعد الشرع العامة والأساسية والعُرف عقوبة على سبيل التعزير لمن يُقدِم على هذا الأمر بدون مسوّغٍ  صحيح ويطالب بردّ ما وصل إليه من الآخَر، فهو يرى أن الفقهاء وإن كان قد نظروا في هذه المسألة فحكموا بعدم استرداد الهبات والهدايا إذا كان الرجوع  من جهة الخاطب؛ إلا أن هذا لا يكفى  في علاج هذا المرض الوبيل الذي يسيء إلى شرف المخطوبة ويهدم عليها صرح أمانها، كما يقول: لا أرى فرقًا بين  شقاءِ مَن دخل بها زوجها فطلقها صبيحة بنائها وبين من أعرض خاطبها عنها بعد تقديم الهبات والهدايا والذيوع بين الناس، وهنا أضم صوتي إلى صوت شيخي رحمه الله.
وأوضح فضيلته أن الأزهر على استعداد لأن يكون هناك تنسيق بينه وبين الجهات المسؤولة, لحماية الأسر من هؤلاء الساخرين والعابثين والمستهزئين، مبينًا أن المالكية يرون أن الخِطبة تكون سرًّا بحيث لا تُعلَن إلا بعد الاتفاق حتى يحافَظ على البيوت؛ لأن الشاب قد ينسحب قبل الاتفاق فيتساءل الناس عن السبب في انسحابه وعدم إتمام الاتفاق، فيُلحِق بالبنت وأسرتها أضرارًا، والعكس صحيح، لكن في أسرة البنت أشد، ولذلك أنصح الأُسُر ألّا يَدَعوا بناتهم يخرجن مع أي خاطب مهما كان صالحًا وتقيًّا إلا بعد عقد الزواج؛ لأن البنت دائمًا هي التى تدفع ثمن هذا الاستهتار.