ـ الجرأة على القرآن والحديث والتراث تتم في حملةٍ موزَّعةِ الأدوار
- أهل العلم الصحيح وأهلُ الفتوى في أيامنا هذه قد ابتُلوا بنوعٍ من الضغوط والمضايقات لم يعهدوه
- الهجوم المُبيَّت على تراث المسلمين تَضَمَّنَ دعاوى زائفة للتدليس على الشباب
- أصبح من المعتاد اقتطاع عبارات الفقهاء من سياقاتها لتبدوَ شاذَّةً منكرة
- بات من المعتاد إدانة الأزهر ومناهجه بعد وقوع الحوادث الإرهابية، بل وكلما أحرز نجاحًا في رسالته
- الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر يتزامن مع المطالبات بإباحة الشذوذ ودعوات مساواة المرأة والرجل في الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم
- نقترح إنشاء أقسام علمية متخصصة في كليات الشـريعة أو كليات العلوم الإسلامية باسم «قسم الفتوى وعلومها»
قال فضيلة الإمام الأكبر: إن كلمته اليوم في مؤتمر دار الإفتاء المصرية عن "دور الفتوى في استقرار المجتمعات" هي أشبهُ بنَفْثَةِ مَصدورٍ أو زَفْرَةِ مَكْلومٍ؛ بل هي شكوى الغريب أحملها إلى أهل العلم، وسَـدَنة الشـريعة وحُرَّاس القِيَم السماوية، ممّا تَعِجُّ به الساحة الآن من اكتساح العملة الزائفة للعملة الحُرّة الأصيلة في مجال الفتاوى وتبليغ شريعة الله للناس، ومِنْ تَصَدُّر بعض أدعياء العلم حلقاتِ تشويه الإسلام والجرأة على القرآن والحديث وتراث المسلمين، وجلوسهم على مقاعد العلماء، في حملةٍ موزَّعةِ الأدوار، وفي جرأة ممقوتة، ما أظنها تخفى على أحدٍ، ممن يضيق بهذه الفوضى، وينشغل بهذا الهمِّ الذي لا همَّ يفوق خطره، حتى لو كان همَّ العَيش وضرورات الحياة.
وأضاف فضيلته: أن دُورَ الإفتاء هي الجهات الوحيدة التي يعرفها الناس، ويطرقون أبوابها كلما حَزَبهم أمرُ البحث عن حُكْم الله تعالى فيما يطرأ لهم من شئون الدنيا والدِّين، وفيما يرغبون أن تستقيم على هديه حياتُهم؛ إبراءً للذمَّة وطمعًا فيما عند الله.. وكان اختيار المفتي هو بمثابة اختيار لمَن يُبَلِّغ عن الله تعالى.. وقد تبين لي حين كنتُ في منصب المفتي أن أغلب أسئلة المستفتين مما تسهل الإجابة عليه، وأن بعضًا منها لا يمكن أن يستقل بالإفتاء فيه شخصٌ واحد، مهما بلغ حَظُّه من الإحاطة بعلم الفقه والأصول، مثل: مسائل البنوك، ونقل الأعضاء، وبنوك اللبن، والحقْن المجهري، وتحديد الجنين، وغير ذلك.
وأكّد فضيلة الإمام الأكبر؛ أن أهل العلم الصحيح وأهلَ الفتوى في أيامنا هذه قد ابتُلوا بنوعٍ من الضغوط والمضايقات لم يعهدوه بهذا التحدِّي، وأعني به: الهجومَ على تراث المسلمين، والتشويشَ عليه من غير مؤهَّلينَ لمعرفته ولا فهمه، لا علمًا ولا ثقافةً، ولا حُسْنَ أدبٍ أو احترام لأكثرَ من مليار ونصف المليار ممن يعتزون بهذا التراث، ويُقدّرونه حقَّ قَدْرِه، ولم يَعْدَم هذا الهجومُ المُبيَّت بليلٍ دعاوى زائفةً يُغلَّف بها للتدليس على الشباب؛ كدعاوى التنوير وحرية الإبداع وحقِّ التعبير، بل حق التغيير حتى لو كان تغييرًا في الدِّين وشريعته، وأصبح من المعتاد اقتطاع عبارات الفقهاء من سياقاتها ومجالاتها الدلالية لتبدوَ شاذَّةً منكرة يَنْبو عنها السمعُ والذَّوق، قبل أن تُبَثَّ في حلقاتٍ نقاشية، تُلصق من خلالها بشريعة الإسلام وأحكام فقه المسلمين عبر حوارٍ ملؤه السفسطةُ والأغاليط والتشويش والخطأ في المعرفة، والعجز عن إدراك الفروق بين توصيف الفعل في ذاته، والآثار الشـرعية المترتبة عليه.
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر: ليس من الصُّدْفة البَحْتَة أن يَتزامنَ في بضعِ سنواتٍ فقط تدميرُ دولٍ عربية وإسلامية بأكملها مع دعواتٍ مريبة تَظهر على استحياءٍ بادئَ الأمر، تُنادي بضـرورة تحطيم هيبة الكبير واحترامه، وتنظر إلى هذا التقليد الذي نفخر بتنشئة أبنائنا عليه، نظرةَ احتقارٍ بحسبانه سلوكًا لم يَعُدْ له مكانٌ في ثقافة الفوضى الحديثة، مع خُطّةٍ مريبة لتحطيم تراث المسلمين والسخرية من أئمته وأعلامه، وفي سُعارٍ جامح يعكس حجم المؤامرة على حضارة الإسلام، والذي يتزامن مع هجومٍ مُبرمَج على الأزهر، حتى أصبح من المعتاد إدانة الأزهر وإدانة مناهجه عقب أيِّ حادثةٍ من حوادث الإرهاب، في سَعْيٍ بائسٍ فاشلٍ لمحاولة خلخلة رصيده في قلوب المسلمين، وحتى صرنا نعرف توقيت هذا الهجوم بعد أن رصدناه بدقة، ووجدنا أنه يحدث في إحدى حالتين؛ الأولى: بعد وقوع حوادث الإرهاب، والثانية: كلما أحرز الأزهر نجاحًا في تحقيق رسالته في الدَّاخل أو في الخارج، والخطة في هذه الحالة إمّا الصمت المُطبق وإخفاء الحسنات، وإما البحث والتفتيش عن الهَنات وإذاعتها بعد تكبيرها وتجسيمها.
وبَيّن فضيلتُه؛ أن الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر تزامَن أيضًا مع المطالبات الجماعية بإباحة الشذوذ باعتباره حقًّا من حقوق الإنسان، وفي جرأةٍ غريبة أشدَّ الغَرابة عن شباب الشـرق الذي عُرف برجولته، وباشمئزازه الفطري من هذه الانحرافات والأمراض الخُلُقية الفتّاكة، كما تزامَن ذلك مع إزاحة البُرْقُع عن وجه التغريب، ودعوات وجوب مساواة المرأة والرجل في الميراث، وزواج المسلمة بغير المسلم، وهو فصلٌ جديد من فصول اتفاقية «السيداو» وإزالة أيِّ تمييزٍ للرجل عن المرأة، يراد للعرب والمسلمين الآنَ أن يَلتزموا به ويُلغوا تحفُّظاتِهم عليه.. واقترح فضيلة الإمام الأكبر على هذا المؤتمر الجامع لأئمة الفتوى في عالمنا العربي والإسلامي، إنشاءَ أقسامٍ علمية متخصصة في كليات الشـريعة أو كليات العلوم الإسلامية باسم: «قسم الفتوى وعلومها»، يبدأ من السنة الأولى، وتُصمَّمُ له مناهجُ ذاتُ طبيعةٍ موسوعية لا تقتصر على علوم الفقه فقط، بل تمتد لتشملَ تأسيساتٍ علميّةً دقيقةً في علوم الآلة، والعلوم النقلية والعقلية، مع الاعتناء بعلم المنطق وعلم الجَدَل مُطَبَّقًا على مسائل الفقه، والعناية –عنايةً قُصْوى- بدراسة مَقاصد الشـريعة، وبخاصّةٍ في أبعادها المُعاصِرة.