الإمام الأكبر في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية:
- نقف في مشكلات الأحوال الشخصية مع الشرع، ولسنا مع طرف على حساب طرفٍ آخَر
- المشكلة ليست في قوانين الأحوال الشخصية ولا في أحكام الشريعة، بل المشكلة في الأزواج
- لو انهارت المسئولية الأخلاقية سينهار احترام الأحكام الشرعية
قال فضيلة الإمام الأكبر: إن نصوص الشرع ليست تفصيلًا، فليس كلُّ إنسانٍ يرغب في شيءٍ مُعَيَّن ولو كان على حساب الآخرين يقول له الشرع: نعم، يقول الله تبارك وتعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ"، بل إن القانون نفسَه أيضًا لا يمكن تفصيلُه لكل حالة بشكل منفصل وإلا لحدث تضارُب، أنا لستُ مع المرأة ضد الرجل، ولا مع الرجل ضد المرأة، بل أنا مُقَيَّد بأحكام الشرع الشريف، ثم كلنا مقيدون بالقوانين التي بُنيت على أحكام الشريعة، نحن نتحدث إلى مَن عندهم إحساس بالمسئولية وإحساس بالآخَر الذي كان يومًا ما زوجًا له، له حقوق وعليه واجبات تُجاهَه، وعنده إحساس بأن ظروفًا قاسية فرّقت بينهما وأن بينهما أطفالًا لهم حقوق، وعليه أن يتناسى الرغباتِ الشخصيّةَ والنَّزَواتِ الخاصّة.
وأضاف فضيلته في حديثه الأسبوعي الذي يذاع على الفضائية المصرية: أن المشكلة ليست في قوانين الأحوال الشخصية ولا في أحكام الشريعة، بل المشكلة في الأزواج غير المؤهلين الذين تقودهم نَزَواتٌ شخصية وأغراض خاصة، وحروبٌ ما كان لها أن تقوم بين عائلتين وبين الأب والأم أو الزوج والزوجة، فما الذي يمنع قائدَ السفينة وهو الزوج حتى لو سلّمنا أنه مظلوم، من أن يتفق مع الزوجة اتفاقًا هادئًا؟ فحتى الغرب الذي يصرخ البعض مطالبين بالاقتداء به تتمّ عندهم عملية الانفصال أو الطلاق في جلسة بين الاثنين، وبعد الطلاق لا تتحول عَلاقتهم إلى حرب، وفي هذا المقام أَوَدّ أن أشير إلى أننا لسنا مع طرفٍ على حساب طرفٍ آخَر.
وأكّد فضيلة الإمام الأكبر: أن الواقع يقول: إن الرجل غالبًا ما يكون في المركز الأقوى، والمرأة في المركز الأضعف هي وابنها أو ابنتها، ومن هنا حَمى الشرع هذه المرأة باعتبارها مسئولةً عن هذا المحضون، ووضَع لها حقوقًا يجب على الرجل أن يُنفِّذَها؛ لأن هناك عَلاقةً إنسانية تستمر بينه وبين زوجته التي طلقت منه، والمشكلة أن هناك أناسًا لا يمكنهم الحفاظ على هذه العَلاقة الإنسانية، وهي مهمة جدًّا حتى لا ينشأَ الولد مهزوزًا ومُمَزَّقًا، وقِلّةٌ -مع الأسف الشديد- هي التي تَفطن إلى أن الدخول في حرب كهذه سيدفع ثمنَها النهائي الأطفالُ، قِلّةٌ هم الذين يُقَدِّرون حجم الكارثة؛ ولذا يجب على الجميع أن يتحمّل، حتى يعيش هذا الطفل في جَوٍّ إنساني مُتَّسق، يزور والدَه، ووالده يزوره، ولا يعيش في جَوِّ الخلاف والصراع بين أُمٍّ ينتمي إليها وأَبٍ ينتمي إليه، المسئول هنا ليست الزوجةَ وليس الطفلَ، المسئول هو الزوج المُطلِّق أيًّا كانت الدوافع التي دفعته للانفصال.
وتابَعَ فضيلته: هناك مسئولياتٌ أخلاقية إذا انهارت لا يمكن أن يُصلِحَها قانونٌ، ولا حُكْمٌ شرعي، فلو انهارت المسئولية الأخلاقية سينهار احترام الشرع، وبالضرورة سينهار احترام القواعد الأخلاقية، فعندما يشعر الزوج أن مسيرة الحياة مع زوجته أصبحت صعبة واقتنعت زوجته بذلك وانفصل الاثنان، يجب أن يكون التصرف بناءً على مصلحة الصغير، لأنه جزءٌ منهما، أمّا إشعال الحروب سواء من طرف الزوجة أو الزوج، فالضحية هو الطفل الذي سيدفع الثمن، وفي النهاية قد يتجه إلى المخدرات أو إلى الشارع أو إلى الجرائم، فهل كل ذلك لا يجعلنا نستيقظ وننتبه لِنُوازِنَ الأمورَ ونضغط على مشاعرنا ومشاكلنا الصغيرة؟ فنحن لا ننحاز للنساء، لكن نحن نقف مع الشرع وقوانينه، فيجب أن يكون الزوج المُطلّق مع الشرع ومع القانون والأخلاق العامة، ولو عولجت هذه المشكلة في إطار الشريعة والأخلاقيات العامة لن تحدث مشكلات، وأول شيءٍ أطالبُ به المُطلِّقَ هو أن يَتعالى على الحروب الصغيرة؛ لأن ابنه هو الذي سيدفع الثمن، فهذا الولد أو البنت يُنسب لك شئتَ أم أَبَيْتَ، وأنت المسئول عن أيِّ انحرافٍ سلوكي أو إجرامي يتجه إليه هذا الطفل، وأقل هذه الجرائم أن يَكرهَ الطفلُ والدَه، هذا الوالد الذي عليه مسئولية جديدة تختلف عن مسئوليته عندما كان يعيش مع زوجته ويعيش بينهم هذا الطفل، فمسئوليته الآنَ تتعدّى إلى كلِّ ما قد يؤثّر على نفسية الطفل، إذا نظرنا إلى القضية في هذا الإطار فسوف تكون المشكلة بسيطة.
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر: أنه لا يتمنى أن يَرى مَن يفشل في الحفاظ على كِيان أسرته، سواء هذا الشخص مصري أو غير مصري، عربي مسلم أو غير مسلم، فالأسرة لدينا نحن بالذات في الشرق لها قداسةٌ خاصة، غير القوانين والأخلاق العامة، لديها قداسةٌ في تقاليدنا وعاداتنا وأدياننا وشرائعنا، ولا يُفترض أن نتعامل بهذه الصورة، ومَن ينادي بأن العَقْدَ شريعة المُتعاقدين، وهو غيرُ فاهمٍ لمذهب أبي حنيفة، ولا يعرف المسألة، هل كتب في عقد الزواج أنه إذا تمّ الطلاقُ يُسلَّم الولد في سِنّ كذا؟ إذا كان هذا مكتوبًا في العَقْد عند المأذون فلا ضَيْرَ أن يُنَفّذ، لكن العَقْد الذي تعاقدت عليه، الحضانة فيه خاضعةٌ لقانونٍ آخَر، هذا أولًا، ثم إن البعض يفهم أن العقد عند أبي حنيفة تُسلّم فيه البنت على تسع والولد على سبع، من قال ذلك؟ هذا رأيٌ من آراء المذهب الحنفي؛ بدليلِ أنه لا يوجد نَصٌّ قطعي من القرآن أو السنة، يقول: سَلِّموا الولدَ في سِنّ كذا أو سَلّموا البنتَ في سِنّ كذا، ولكن الموجود هو أنه حين يستغني المحضون عن الحضانة ويصبح قادرًا على أن يَليَ أمورَ نفسِه، هذا هو الفَيْصَل الذي وضعه الشرع.
وأردف فضيلته: قد يسأل أحدٌ ما، لماذا لم يُحدّد الشرع سِنًّا مُعَيّنًا لنزْع الابن أو البنت؟ لو نظرنا إلى الأحناف في تحديد سِنّ البنت بتسع والولد بسبع، وهو رأيُ الفقيهِ الحنفي المعروف بالخَصّاف، وقد كان مهتمًّا بالأسرة في ذلك الوقت، وله كتابٌ اسمه "الرضاعة"، وهو مُتوفّى سنة 261هجرية، أي من حوالَي 1200 سنة، وقبل 1200سنة كان الولد من الممكن أن يعتمدَ على نفسه في سِنِّ سبع سنين، ويتحقق بذلك الغرض الفقهي والشرعي وهو استغناء المحضون عن الحضانة، فكان الولد وقتَها يمكن أن يُتاجِرَ ويخرج للعمل، لكن الآنَ الولد في سِنّ سبع سنين غير قادر على أن يَليَ أمور نفسه حتى أُسلّمه، وأقول: هذا مذهب الأحناف، ثم إن البعض يقول: إن هذا مخالفٌ لقانون الأمم المتحدة، بالعكس قانون الأمم المتحدة يقول: إن الطفولة لسِنِّ 18.
وأشار فضيلة الإمام الأكبر؛ إلى أنه إذا أَفضى الأمرُ إلى نزْع هذا الطفل من أمه وأعطيناه للأب، هل يستطيع أن يقوم على خدمة نفسه في النظافة والمَلْبَس والطعام؟ وخاصّةً إذا ضُمّ إلى أبٍ متزوج من امرأة أخرى، فالعادة أنه لا يطلب منها هذا، وإذا طلب فهو تكليف بما لا تطيقه، فإذا اطمأنّ القاضي أن ابن سبع سنين يَقدر على ذلك لا بأس، لكن مَن يستطيع ويجرؤ أن يقول: إن الطفل في هذا الزمن يستطيع أن يفعل كل هذه الأمور على سبع سنين، ثانيًا: أضرب مثلًا؛ قبل القانون 25 لسنة 29 وهو قانونٌ قائم على الأحوال الشخصية على مذهب الأحناف، كانت البنت تُسَلّم على 9 سنوات والولد على سبعة، ويؤخذ بقوة الشرطة، ولكن في عام 1929 الدولة فَطنت إلى أن هذا أصبح غيرَ ملائمٍ؛ فتمّ رفْعُ سِنّ الولد إلى 9 سنين والبنت إلى 11سنة، وكان من الممكن أن يستمر هذا القانون الجديد 10 أو 20 أو 30 سنة، ولكن عام 1932 أي بعد ثلاث سنوات فقط تَغَيّر القانونُ مَرّةً أخرى، وكان القاضي يحكم أن يبقى الولد مع أمه حتى سِنّ البلوغ، والبنت حتى الزواج، وهذا نَصّ القانون: "للقاضي أن يأذنَ لحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى البلوغ، وللصغيرة إلى الدخول، إذا تَبَيّن أن مصلحتهما تقتضي ذلك، وللأب وسائرِ الأولياء تَعَهُّدُ المحضون عند الحاضنة وتأديبُه وتأمينُه". فهذا قانونُ 1932 أبقى حضانةَ الولد إلى سِنِّ البلوغ والبنت إلى الزواج، إلّا أنه احتاط بألّا يُخليَ سبيلَ الغلام إلّا إذا كان ناضجًا، يعني لو بلَغ الولدُ ووضح أن مستوى فِكره ووضْعه يتطلب حاضنًا؛ يبقى بعد البلوغ مع الأم.