15 أكتوبر, 2019

في مؤتمر «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي» … الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية نيابة عن الإمام الأكبر: تجديد الفقه الإسلامي حتميّة مستمرة

الأزهر مستعد للتعاون مع هيئات الإفتاء حول العالم لترسيخ ثقافة التسامح الفقهي

ألقى الدكتور/ نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كلمةً، نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر أ. د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الثلاثاء، في مؤتمر «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي»، الذي تعقده الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، برعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية.
في بداية كلمته، نقل الدكتور/ عياد تحيات فضيلة الإمام الأكبر للسادة الحضور من علماء وفقهاء المسلمين حول العالم، متمنيًا أن يكلل هذا المؤتمر بالنجاح والتوفيق، ومؤكدًا على حاجة الإنسانية كلها لهذا المؤتمر، الذي يضم العديد من المحاور والقضايا، التي تجمع بين القديم والحديث، وتحتاج إلى جهود حثيثة لتنزيل الأحكام الشرعية على واقعنا بكلّ معطياته المعاصرة تنزيلًا يليق بقدسيّة هذه الأحكام، من غير إفراط يدفع إلى التشدّد البغيض الذي يقود إلى التطرف والإرهاب، أو تفريط يؤدّي إلى الاستهانة بأحكام هذا الدّين.
وأثنى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية على رؤية المؤتمر المتمثلة في "الخروج بمبادرات إفتائيّة تَدعَمُ التعايش والاستقرار والحوار الإنسانيّ"؛ حيث إن رسالة المؤتمر ورؤيته تسير وَفقَ منهج الأزهر الشريف، الذي صنع التسامح الفقهي والعقدي من خلال تلك التعددية التي قام عليها، وارتكزت عليها مناهج الدراسة فيه؛ فقها، وفكرًا، ولغةً، حتى أصبح الأزهر الشريف منارة الوسطية والتسامح والتعددية، فإذا ما أُطلق وصفٌ من هذه الأوصاف كان عَلَمًا بالغلبة عليه.
وتحدث فضيلته عن أهميّة ترسيخ ثقافة التسامح الفقهي، وتعزيز وجودها في المجتمعات، وهي ثقافة لم تكن غريبة أو شاذة في المجتمعات المسلمة في يوم من الأيام، بل كانت أصلًا أصيلًا قامت عليه العَلاقة بين الفقهاء المسلمين على مرّ التاريخ؛ حيث أخذ أبو حنيفة عن مالك، وأخذ مالك عنه، وأخذ الشافعيّ عن مالك، وقال فيه: «جعلته حجّة بيني وبين ربّي»، وأخذ ابن حنبل عن الشافعيّ، وقد أثنى بعضهم على بعض، انطلاقًا من الأخوّة والمحبّة والأُلفة والتسامح الذي كان بينهم، مشيرًا إلى أننا لم نر التعصب المقيت والخلاف المذموم إلا بعد ظهور الجماعات الإرهابية، تِلكُمُ الجماعات التي طَعِمَت من خيرات هذه الأوطان، وسُقِيَت من مائها، فلمّا شبّت استساغت علقم العدا، واستحبّت العمى على الهدى، وحملت معاول الهدم على الإنسانية كلّها، وسقتها قبيح أفعالها وسوء صنيعها، فقطّع الله أكُفًّا بغت واعتدت، ودمّرت وأفسدت، والله لا يحبّ المفسدين.
وأضاف: أنه لا شك أن هذه الجماعات قد أوقدت نار الفتن، والاحتراب بين المسلمين بعضهم لبعض، بفهومها الغريبة، وآرائها الشاذّة العجيبة، حتّى بات العالَم يعيش حالة من الصّراع اللامبرّر، انعكست آثاره المدمّرة على الأفراد والمجتمعات، بل وامتدّت آثاره لتطال الحضارة الإنسانية في كلّ مكان، ولم يفهموا أنّ الله سبحانه وتعالى أراد بهذه النصوص التي تحتمل أكثر من معنى التوسعة على عباده المؤمنين، والتيسير عليهم، والرحمة بهم، ما دامت هذه المفاهيم تستظلّ بظلّ مقاصد الشريعة، وتسير وفق أقنيتها المعتبرة.
وتابع فضيلته: أن هناك طائفة أخرى ظهرت، فأجهدت نفسها في البحث عن كل رأي ساقط أو فكرة شاذّة مُلقاة في قوارع الطّرق، فقدّمتها للناس على أنها من الدّين، والدين منها براء.
وأوصى الدكتور/ عياد في الكلمة التي ألقاها نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر بضرورة احتواء ثقافة الاختلاف والتعدّد، مؤكدًا أن التسامح الفقهي لن يتحقق إلا إذا وجد سلامًا نفسيًّا، وتسامحًا داخليًّا، يعزّز هذا التسامح الفقهيّ، ويعدّ ركيزة من أهمّ ركائزه.
كما أوصي فضيلته بضرورة نبذ التعصّب المقيت، والتقليد الأعمى المذموم، حال التعامل مع القضايا والمسائل الفقهية، القديمة منها والمستحدثة، وأكد علي حتميّة الاستمرار في تجديد الفقه الإسلاميّ، وضرورة النظر في قضاياه، في ضوء المعطيات المتسارعة لعالمنا المعاصر، والوصول إلى رؤية جديدة تتوافق مع مقاصد الشرع والواقع المعاصر، والتجديد الذي نسعى إليه.
وأوصى بضرورة تعاون المؤسّسات المعنيّة بالشأن الدينيّ والإفتائيّ على مستوى العالم، وتضافر جهودها في ترسيخ ثقافة التسامح الفقهيّ والإفتائيّ؛ حيث إنّ هذا التعاون يفتح آفاقًا جديدة للتسامح الفقهيّ والإفتائيّ، ويحقّق أهداف المؤتمر ورسالته.
وفي ختام الكلمة، أعلن فضيلته استعداد الأزهر الشريف بكلّ قطاعاته، للتعاون مع دُور الإفتاء والفتوى على مستوى العالم؛ لنشر هذه الثقافة وترسيخها وتعزيز وجودها في المجتمعات المسلمة، وذلك إيمانًا منّا بوحدة الغاية والقصد؛ لما للفتوى من أثر في بناء الأمم واستقرارها؛ لأن الفتوى هي تنزيل الفقه على الواقع بعد الفهم الدقيق لهذا الواقع، ومعرفة الواجب فيه، وما يصلحه، أو يكثر مصالحه إن كان صالحًا، أو يدفع فساده إن أمكن، أو يقلل من فساده إن لم يكن الدفع التام ممكنًا.