لقاء شيخ الأزهر من "أفريقيا".. وبابا الفاتيكان من "أوروبا".. في الإمارات من "آسيا".. هي بمثابة رسالة للجميع تقول: إن العالم أصبح قرية واحدة ويريد السلام
*وثيقة «الأخوة الإنسانية» جاءت تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما عمل وثيقة المدينة
*لب المواطنة أن الجميع في الوطن سواء
*الإسلام أقر احترام عقائد الآخرين
قال فضيلة أ.د. محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر السابق: إن اللقاء اليوم عن «الأخوة الإنسانية»، ولا يمكن أن نتكلم عن الأخوة الإنسانية حتى نتكلم عن المواطنة، ولا يمكن أن نتكلم عن المواطنة إلا إذا تكلمنا عن السلام، والإسلام هو دين السلام، وهو يدعو إليه، والمسلمون مأمورون بإفشاء السلام إذ نقول: ”السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، مندهشًا ممن يقولون بعد ذلك: إن الإسلام دين الإرهاب، والإرهاب لا دين له، ولا وطن، ولا يمكن أن نعيش في سلام إلا إذا كان هناك "تطبيق للمواطنة".
وأضاف «المحرصاوي»، في كلمته التي جاءت في ختام أسبوع الدعوة الإسلامية، والذي جاء في إطار مبادرة السيد الرئيس: «بناء الإنسان»، أن الأزهر الشريف في عام ٢٠١٧م أقام مؤتمرًا عالميًّا عن المواطنة، وكان من أهم توصيات هذا المؤتمر رفض مصطلح "الأقلية" أيًّا كانت هذه الأقلية؛ لأن مصطلح الأقلية يدل على الانعزال والتهميش والإقصاء، مما يثير في النفس أشياء، وطالب أن يكون المصطلح البديل مصطلح "المواطنة" بمعنى أن الجميع في الوطن سواء، لافتًا أن المواطنة من أسس الإسلام والتعايش مع الآخر.
وبين فضيلته، أن الإسلام أقر حرية العقيدة للتعايش، كما أقر احترام عقائد الآخرين، مصداقًا لقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}، وأقر الإسلام أيضًا التعارف، فقال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، وهذ الأمر قائم على التمييز بين البشر بالتقوى؛ ليس بالعقيدة ولا بالجنس، ولا باللغة ولا بالمربع الجغرافي، لافتًا أن هذا هو لب المواطنة، أننا جميعًا في الوطن سواء.
وأكد رئيس جامعة الأزهر السابق، أنه في إطار إيمان الأزهر الشريف بأهمية المواطنة؛ شرفت بأن أكون في صحبة فضيلة الإمام الأكبر عام 2018، والأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والقاضي محمد عبد السلام، مستشار فضيلة الإمام الأكبر في ذلك الوقت، كنا في زيارة البابا فرنسيس في الفاتيكان، وعندما حان وقت الغداء اقتسم البابا رغيفًا من الخبز "العيش" مع فضيلة الإمام الأكبر، والرمزية التي تؤخذ من هذا الفعل، أن العالم يتسع للعيش المشترك، ثم بدأ الإمام الحديث عن عمل وثيقة "الأخوة الإنسانية" تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما عمل وثيقة المدينة، حيث قام بالمواطنة أولًا، وآخَى بين الأوس والخزرج، حتى أصبحوا الأنصار، ثم قام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم قام بتأسيس قواعد المدينة.
ولفت أن الحديث ظل بين البابا حتى استقروا على نص "الوثيقة الإنسانية"، والتي تم توثيقها في 2019 م، وهناك رمزية عجيبة عندما نحلل هذا الأمر، أن فضيلة الإمام الأكبر -حفظه الله- شيخ الأزهر في مصر وأفريقيا، وبابا الفاتيكان في أوروبا، ويجتمع القائدان في الإمارات، والإمارات في آسيا، وكأنهم يقولون من طرف خفي: إن العالم أصبح قرية واحدة ويريد السلام.
وتم الاعتراف بهذه الوثيقة على مستوى العالم، وأصبح اليوم الرابع من فبراير كل عام “يومًا دوليًّا للأخوة الإنسانية”، ويعد ذلك دليلًا على أهميتها، المهم أنه بعد التوقيع بعدة أشهر، صدر قرار بتشكيل لجنة عليا لتنفيذ أهداف الوثيقة ومتابعتها؛ حتى يُضمن تنفيذ بنودها، فكم من الوثائق تم إصدارها ولكنها ماتت بمجرد جفاف حبرها، وكان أول اجتماع لهذه اللجنة يوم الحادي عشر من سبتمبر، وفي هذا اليوم أرادت اللجنة أن ترسل رسالة إلى العالم أن هذا الوقت الذي اتخذه الإرهابي زمنًا لإزهاق الأرواح، جعلت منه اللجنة العليا زمنًا لإقرار السلام.