وكيل الأزهر يُثَمِّن جهود مجلس حكماء المسلمين وإدارة مسلمي القوقاز في عقد قمة قادة الأديان ومؤتمر «أديان العالم من أجل كوكب أخضر» بأذربيجان
وكيل الأزهر:
قضية التغيرات المناخية ليست أقل خطورة من فيروس كورونا الذي انتفض له العالم بدوله وحكوماته ومُنظَّماته وشعوبه
الأزهر يجدد الدعوة لقادة العالم للاتفاق على مبادئ عظمى تضمن التصدي للتحديات التي تفرضها الأزمات
وكيل الأزهر ينادي بضرورة سَنِّ القوانين والتشريعات التي تردع محتكري المعلومات التي يؤثر حجبها على فاعلية التعامل مع الكوارث والأزمات
وكيل الأزهر يطالب بملاحقة ملوثي البيئة من خلال سَنِّ قوانين وتشريعات مُلزِمة ورادعة
شارك الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، اليوم الثلاثاء، الموافق 5 نوفمبر 2024م، في أعمال «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ»، التي انطلقت في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان تحت عنوان: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر" برعاية كريمة من السيد/ إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، وبحضور السيد/ علي أسدوف، رئيس وزراء دولة أذربيجان، وبمشاركة أكثر من (300) شخصية بارزة من القيادات الدينية العالمية، وممثلي الأديان، وكبار المسئولين، والأكاديميين والخبراء في مجال البيئة.
وألقى الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، كلمة خلال أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة، توجه فيها بالشكر لمجلس حكماء المسلمين -برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وإدارة مسلمي القوقاز بدولة أذربيجان- على تنظيم هذا اللقاء المهم؛ الذي يجيء كخطوة عملية نحو التخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وأكد الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني -خلال كلمته- على أن التغيرات المناخية تُمثل تحديًا مشتركًا يستوجب توحيد جهود البشرية بكل أطيافها، مُشيرًا إلى أن الأديان تقدم رؤية متكاملة تحثُّ على حماية الأرض التي ورثها الإنسان، ورعايتها لصالح الأجيال القادمة. وشَبَّهَ فضيلته البشرية بمنظومة واحدة أو أسرة ممتدة، يتأثر كل فرد فيها بأفعال الآخر؛ فالمناخ ليس قضية تخص دولة أو شعبًا بعينه، بل هي مسألة تمس مصير العالم بأَسْره، ولا يمكن مواجهتها بفعالية إلا من خلال تعاون عالمي متكامل، يضع أسسًا مشتركة لتحقيق الأمان البيئي، ويضمن استدامة الموارد.
وأوضح وكيل الأزهر أن الواجب المتجدد يفرض على قادة الأديان أن يوجهوا أتباعهم إلى فهم أن البيئة نعمة تستوجب الشكر، وأن الشكر لا يكون بإفسادها، وأن من واجبات الخلافة والعمارة أن تكون البيئة صالحة للحياة، معززة لاستمرارها، وأن الإسلام وأحكامه جاء ليصون البيئة، ويعمل على حمايتها من أي أذى: بدءًا بتغيير نظرة الإنسان إلى الكون بوصفه خَلْقًا حيًّا مُسبحًا، لا بوصفه جمادات صماء، ومرورًا بأوامره باحترام مكونات الحياة، والمحافظة عليها طاهرة من كل تلويث أو إفساد، سواء في الإنسان نفسه، أو في المكان والمحيط الذي يعيش فيه، أو في الماء الذي يشربه، أو الطعام الذي يأكله، أو في الهواء الذي يَتنفَّسه، مع مراعاة أجيال المستقبل ونصيبهم من الموارد، ومرورًا بالواجب العلمي الذي يعانقه الدِّين، ويدعو إليه، ولا يعارضه أو يرفضه.
وأكد فضيلته أن دور القادة الدينيين في تصحيح تصورات أتباعهم نحو الكون، وتوجيه سلوكهم في تعاملهم معه لا يُنكر، ولكن ما تزال البشرية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود نحو زيادة الوعي بمفهوم تغير المناخ وآثاره، فبعض الناس ما يزالون ينظرون إلى قضية المناخ على أنها من الرفاهية؛ ولذا فإن التثقيف والتوعية بالمخاطر الحقيقية الواقعية والمحتملة هي التي يمكن أن تقف بقوة في وجه هذه التغيرات، وهي التي تدفع البشرية إلى التعامل مع البيئة ومكوناتها بإحسان، وتَبَنِّي نمط استهلاكي معتدل؛ حتى يكون الناس أصدقاء حقيقيين للبيئة، وكذلك يجب أن تعزز القيادات الدينية تعاونها مع صناع القرار، وأن تتخذ من رمزيتها قوة مؤثرة موجهة لهم نحو ما فيه خير البشرية.
وشدَّد وكيل الأزهر على أن قضية التغيرات المناخية ليست أقل خطورة من فيروس كورونا الذي انتفض له العالم بدوله وحكوماته ومُنظَّماته وشعوبه، وليست أقل من الحروب التي نالت آثارها من الجميع رغم البُعد الجغرافي عن محيطها؛ ولذا يجب تصعيد العمل حيال التهديد الصادر عن التغير المناخي، بدءًا بالأفراد، ومرورًا بالمؤسسات، وانتهاء بالحكومات. وغني عن الذكر، أن دولًا متعددة قامت بجهود كبيرة في هذا الشأن، والتي كان من آخرها مؤتمر (Cop27) الذي عقد بجمهورية مصر العربية، والذي سعى إلى تحويل تعهد الدول المتقدمة بتمويل أضرار التغيرات المناخية إلى حقيقة واقعية، وحَثَّ الدول المُسبِّبة للتغيرات على الوفاء بالتزاماتها المادية، ومؤتمر (Cop28) الذي عُقد بالإمارات العربية المتحدة، والذي تمخض عن «بيان أبو ظبي المشترك من أجل المناخ ..نداء الضمير»، وإعلان جمهورية أذربيجان عام 2024م عام التضامن من أجل السلام الأخضر، إضافة إلى ما قبل هذا وما بعده من مؤتمرات وتوصيات، وبيانات، ووثائق، وأبحاث، ودراسات، وحملات، وغير ذلك.
وتساءل فضيلته: متى التزمت الدول الأكثر إضرارًا بالمناخ بتوصيات المؤتمرات؟ وهل هناك صفقة عادلة بين الدول المُسبِّبة للأضرار المناخية والدول المتضررة منها؟ وما هو العمل الحقيقي الذي يعقب المؤتمرات والاجتماعات؟! لذا؛ فإن حاجة العالم الآن إلى مد جسور التعاون والتلاقي بين الشعوب أكثر من أي وقت مضى، وإن الأزهر الشريف ليجدد الدعوة لقادة العالم وللحكماء إلى أن تتفق على مبادئ عظمى تضمن العمل المشترك؛ للتصدي للتداعيات والتحديات التي تفرضها الأزمات.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأربع توصيات، وهي:
أولًا- ضرورة تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات التربوية والدينية، والمنابر التوعوية والإعلامية، والمناهج والكتب الدراسية.
ثانيًا- ضرورة التشارك الكوني، وتبادل المعلومات والخبرات بين الشعوب والحكومات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، من خلال برامج علمية تتكاتف فيها الجهود بصورة سريعة ومؤثرة، بعيدًا عن الجوانب الإجرائية والشكلية؛ لاستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد الكرة الأرضية.
ثالثًا- ضرورة سَنِّ القوانين والتشريعات التي تردع محتكري المعلومات والتجارب، التي يؤثر حجبها على فاعلية التعامل مع الكوارث والأزمات، وملاحقة ملوثي البيئة.
رابعًا- الضغط على الدول الغنية وصناع القرار العالمي لتحمل المسئولية، والقيام بتغييرات جدية لحماية البيئة، كالطاقة النظيفة، والاستخدام المستدام للأراضي، وغير ذلك، واعتماد التمويل اللازم لدعم الدول الفقيرة؛ للتأقلم مع تغير المناخ.