29 يناير, 2025

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: العملات المشفرة لا تخضع لرقابة البنوك المركزية؛ لأنها تصدر بمعرفة أي مطور في التشفير وهذا يعكس مخاطر التعامل بها

خلال ندوة "العملات الرقمية والمراهنات الإلكترونية .. رؤية شرعية وقراءة اقتصادية":


أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: التعامل والرهان بالعملات الرقمية المشفرة يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني ومقامرة محرمة شرعًا

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: التعامل بالعملات المشفرة في مصر محظور بالقانون رقم (194) لسنة ٢٠٢٠م للبنك المركزي
 
 
مدير عام شئون القرآن الكريم بالأزهر: العملات المشفرة تشتمل على غرر يؤدي لضرر ويُفقد المتعاملين بها الحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة


مدير عام شئون القرآن الكريم بالأزهر: العملات المشفرة بها افتيات على حق المؤسسات المختصة؛ مما يجعلها تمثل تهديدًا اقتصاديًّا وأخلاقيًّا يستدعي التدخل العاجل


      نظَّم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، اليوم الأربعاء، ندوة بعنوان: "العملات الرقمية والمراهنات الإلكترونية .. رؤية شرعية وقراءة اقتصادية"، حاضر فيها أ.د/ فياض عبد المنعم، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الأزهر ووزير المالية الأسبق، ود/ أبو اليزيد سلامة، مدير عام إدارة شئون القرآن الكريم بقطاع المعاهد الأزهرية، وأدار الندوة الإعلامي القدير الأستاذ/ حسن الشاذلي.  


في بداية الندوة، قدم أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الأزهر ووزير المالية الأسبق، الدكتور/ فياض عبد المنعم، عرضًا تاريخيًّا لتطور أشكال التعاملات بالنقود، وقد تناول العرض المراحل التالية: بداية من النقود السلعية، وهي أول شكل من أشكال النقود؛ حيث كانت تُستخدم سلع معينة ذات قيمة في المجتمع كوسيلة لتبادل بين الناس، ثم بعد ذلك النقود الذهبية والفضية، كنتيجة لتطور المجتمع، ثم استخدام المعادن الثمينة، مثل: الذهب والفضة كعملة للتبادل التجاري بين الأفراد داخل المجتمعات، أو بين المجتمعات بعضها البعض في الخارج، ثم ظهرت بعد ذلك الأوراق النقدية كبديل عن الذهب والفضة؛ حيث كانت تمثل هذه الأوراق قيمة معينة من الذهب والفضة، وكانت قابلة للتحويل إليها عند الطلب، ثم بعد ذلك النقود الورقية، التي لم تعد مدعومة بالذهب والفضة، وإنما أصبحت قيمتها مستمدة من قوة الاقتصاد وثقة الناس بها، وأصبحت النقود القانونية الملزمة والنهائية التي تجري بها المبادلات المالية في جميع التعاملات التجارية في كل البلدان.

وأضاف وزير المالية الأسبق، أن العالم الحديث شهد ثورة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات غيَّرت بشكل جذري شكل الحياة الاقتصادية في كل جوانبها، ومن ضمن نتائج هذه الثورة ظهور نوع جديد من العملات، وهي العملات الرقمية المشفرة، والتي تُعرَّف بأنها: "تمثيل رقمي لعملة نقدية رقمية تعمل ببرمجة التشفير، وليس لها وجود فيزيائي ملموس، مفتوحة المصدر، بمعنى: أنه يمكن لأي شخص أن يتعامل بها وفق تطبيقها الإلكتروني، وهي عملات لامركزية، أي: غير خاضعة لرقابة البنك المركزي للدولة، وكل عملة مشفرة لها نظامها الخاص (بروتوكول)، الذي يُحدِّد طريقة إنشائها، وتخزينها، وتداولها، والتعامل بها"، مُبينًا أن أشهر العملات الرقمية المشفرة هي (البتكوين)، والتي ظهرت في عام 2009م من قِبَل شخص مجهول، بقيمة مالية نحو سنت من الدولار الأمريكي، بينما تصل قيمتها السوقية الآن في بداية عام 2025م إلى نحو (60) ألف دولار أمريكي؛ مما يشير إلى التغير الكبير في قيمتها. وتعتمد عملة البتكوين -في أصل تنظيمها وتداولها- على نظام البلوكتشين، من خلال تسجيل مشفر منضبط ودقيق يوفر الثقة في الإثبات والتسجيل والتداول، وقد استفادت البنوك ووكالات التسجيل العقاري منه بتطبيقه في خدماتها؛ لمزاياه الجيدة.

وأوضح وزير المالية الأسبق، أنه منذ  عام 2017م راج سوق العملات والأصول المشفرة رواجًا كبيرًا؛ حتى وصل عدد العملات النقدية المشفرة إلى أكثر من ستة آلاف عملة، وصاحَبَ ذلك انتشار المنصات والبورصات والمحافظ المالية التي تتعامل بهذا النوع من العملات، واتجه إليها المضاربون الباحثون عن الربح السريع رغم خطورة التعامل بها؛ لأنها تَصدُر بمعرفة أي مطور في التشفير بدون رقابة البنوك المركزية؛ وهذا يعكس مخاطر التعامل بها، وبهذا الشكل من التعاملات النقدية ظهر شكل من أشكال الاقتصاد يُعرَف بـ: الاقتصاد الرمزي؛ لأن الأموال فيه صارت (رمزية)؛ بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات التي لا تتوقف نتائجها وآثارها العميقة.

وأكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن النظر الفقهي السديد للحُكم على العملات المشفرة هو الذي ينطلق من منهج فقهي صحيح، بتصور مطابق لواقع هذه العملات، وقواعدها، ونظم إنشائها، وتداولها، والمقاصد من حيازتها، ثم النظر في كونها أموالًا معتبرة شرعًا، وكونها نقودًا وفق مفهوم النقود في الفقه الإسلامي أم لا، ثم النظر في الآثار المترتبة على التعامل بها، من حيث المنافع والأضرار على الاقتصاد القومي، مع الموازنة بين المنافع الخاصة والمصالح العامة، ثم بعد ذلك يأتي الترجيح، محذرًا من التعامل والرهان بالعملات الرقمية المشفرة؛ لأنه يؤثر سلبًا على الادخار وعلى الاستثمار الوطني. كما أن القانون رقم (194) لسنة ٢٠٢٠م، للبنك المركزي المصري، يحظر التعامل بالعملات المشفرة؛ لأنها أنشطة فاسدة تضر بالاقتصاد الوطني، وبالاستثمار المنتج، وبقيمة العملة الوطنية، وتُعدُّ مقامرة محرمة شرعًا.

 


 
من جانبه، أوضح د/ أبو اليزيد سلامة، مدير عام إدارة شئون القرآن الكريم، أن العالم شهد في الآونة الأخيرة تطورًا واسعًا في استخدام العملات المشفرة والمنتجات المالية الرقمية، خصوصًا بعد عام ٢٠٠٩م؛ حيث طرأت ثورات تكنولوجية في مجال العملات الرقمية غيَّرت وَجْه التاريخ؛ مما يتطلب من الجميع مواكبة التطورات والتعامل معها، ويفرض العديد من التحديات الجديدة؛ نظرًا لأن هذه التعاملات الرقمية الجديدة، تأتي مع قواعد معقدة ومتعددة، وهناك خطر من تعارض المصالح الخاصة والعامة في استخدامها؛ حيث تُستثمر أموال ضخمة يصعب مراقبتها والتحكم فيها، بالإضافة إلى أن منصات التداول الخاصة بها غالبًا ما تكون خارج النظام الرسمي، ويترتب على ذلك أن التداول بهذه العملات يرتبط بأنشطة مضاربات ومراهنات، تهدد المدخرات الشخصية، وتُسهم في إهدارها، ويجعل تلك العملات أقرب لكونها سلعة من كونها عملة.

وأكد مدير عام إدارة شئون القرآن الكريم -في سياق حديثه عن العملات الرقمية  المشفرة والممارسات المرتبطة بها، مثل: البيتكوين- أن هذه العملات لا يُعلَم مصدرها، وقيمتها متغيرة بسرعة مذهلة؛ مما يجعل من الممكن في أي لحظة أن تذهب بمال الإنسان ومدخراته؛ ولذلك لا يجوز التعامل بهذه العملة حتى توضع لها الضوابط المحكمة التي تجعلها عملة موثوقًا فيها، موضحًا أن المؤسسات الدينية في مصر تُحرِّم التعامل مع هذه العملات؛ نظرًا للمخاطر والمضاربات التي تتضمنها، والتي لا تتوافق مع شروط التعامل النقدي الطبيعي، كما نبَّه إلى أن هذه العملات تَعددت الأدلةُ التي تؤكد حرمة التعامل بها ما دامت على صورتها الحالية، وهذه الأدلة وإن كانت ظنية؛ فإن تضافرها جعلها متعاضدة يقوي بعضها بعضًا؛ مما يُرجِّح الحُكم بالحرمة؛ فالعملات الرقمية بها غرر، وهو كما قال العلامة البجيرمي: (ما انطوت عنا عاقبته، أو تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما). كما أن بها ضررًا على الجماعات والأفراد، هذا الضرر ناشئ عن الجهالة والغرر، والإخلال بمفهوم العمل واتزان الأسواق، والقاعدة الفقهية (أن الضرر يُزال)؛ لأن الحديث الشريف يقول: "لا ضرر ولا ضرار". كما أن بها افتيات على حق ولاة الأمور، وسلب لبعض اختصاصاتهم؛ لأن إصدار العملات حق أصيل لهم. وأشار إلى أن العملات الرقمية تؤثر سلبًا على العملات المحلية، والاستثمار في هذه المعاملات الرقمية عالي المخاطر؛ لما في أسعارها من تذبذبات وتقلبات غير متوقعة؛ فهي من الاستثمار عالي المخاطر، محذرًا من خطورة التداول بالعملات المشفرة، وحرمة المراهنات الإلكترونية، ليس فقط لكونها مخالفة للشريعة الإسلامية، ولكن أيضًا لأنها تمثل تهديدًا اقتصاديًّا وأخلاقيًّا يستدعي التدخل العاجل. 
ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناح خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ(56)؛ وذلك انطلاقًا من مسئولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير، الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام. ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل: قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.
 


الأبواب: الرئيسية, أخبار