درس التراويح بالجامع الأزهر: التكافل في الإسلام يتجاوز الجانب المادي إلى أبعادٍ تشمل النفسي والاجتماعي
درس التراويح بالجامع الأزهر: الإسلام يسعى إلى القضاء على المعاصي وليس العاصي، مع التراحم والأخذ بيد الضعيف والمخطئ
أكد الأستاذ الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الإسلام جعل التكافل مبدأً راسخًا يحقق التوازن بين أفراد المجتمع، وليس مجرد تفضُّل أو إحسان، بل هو مسئولية شرعية واجتماعية؛ حيث أمر الله به في قوله: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. وأوضح أن أمَّة الإسلام وُصفت بأنها أمَّة التكافل والتراحم، وقد تجلَّى ذلك في سيرة النبي ﷺ قبل بعثته وبعدها؛ حيث وصفته السيدة/ خديجة -رضي الله عنها- بقولها: إنك لتصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق.
وأشار الدكتور/ عبد الغفار -خلال درس التراويح اليوم السبت بالجامع الأزهر- إلى أن التكافل في الإسلام يتجاوز الجانب المادي إلى أبعادٍ أعمق، تشمل التكافل النفسي والاجتماعي، فالإنسان قبل البنيان، والمجتمع المتراحم لا يمكن أن يَترُك فيه الغنيُّ الفقيرَ دون سند، ولا الطبيبُ المريضَ دون علاج، بل يسود فيه الشعور بالمسئولية الجماعية. واستشهد بما وقع لسلمان الفارسي -رضي الله عنه- حين كان مكاتبًا مديونًا، فجاء رجلٌ إلى النبي ﷺ ببيضةٍ من ذهب، فسأله النبي: ماذا صنع الفارسي؟ فلما علم أنه لا يزال في كربه، أرسل له المال ليساعده في سداد دينه، حتى استطاع سلمان أن يتحرر من الرِّق، ويَلزَم النبي ﷺ في كل غزواته بعد ذلك.
وبيَّن فضيلته أن التكافل لا يقتصر على سد الاحتياجات المالية، بل يشمل أيضًا التكافل في المشاعر؛ فالإنسان قد يُثقل كاهلَه الهمُّ، فيحتاج إلى مَنْ يواسيه، كما حدث مع قيس بن ثابت -رضي الله عنه- الذي نزل فيه قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾؛ إذ اعتزل في بيته باكيًا، يظن أن عمله قد حبط، حتى أرسل إليه النبي ﷺ من يطمئنه ويبشره بأنه من أهل الجنة.
وأكد الدكتور/ مجدي، أن هذا النموذج الإسلامي في التكافل يُظهر أن الإسلام لا يسعى إلى القضاء على العاصي، بل يسعى للقضاء على المعاصي، وأن واجب المجتمع المسلم أن يكون قائمًا على التراحم، والأخذ بيد الضعيف والمخطئ؛ حتى يكون الجميع في طريق الخير والاستقامة. فالتكافل في الإسلام ليس إحسانًا من فردٍ إلى آخر، بل هو ركيزة من ركائز بناء الأمَّة، تجعلها قادرةً على مواجهة التحديات، وتحقيق معاني العدل والاستقرار.