قال الدكتور/ أحمد همام، مدير عام هيئة كبار العلماء: إن التوكل على الله والأخذ بالأسباب مساران وليس مسارًا واحدًا، ولا بد أن نأخذ بكليهما؛ أن نتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية، فالتوكل فقط دون أخذ بالأسباب يُعدُّ تواكلًا، وهو مرفوض في الإسلام، والأخذ بالأسباب دون الاعتماد على الله والتوكل عليه شرك بالله تعالى، مضيفًا أنه لا بُدَّ أن يكون هناك يقين قلبي بأن الله تعالى هو القادر على كل شيء، يعطي بالسبب، ويمنح بالسبب، ويمنع بالسبب، ومن ذلك ما جاء في القرآن الكريم: أن السيدة مريم -ورغم حالتها الصحية- قد أخذت بالأسباب، فرغم ما عانته من مخاض وغير ذلك من مصاعب، فإن الله أمرها بالأخذ بالأسباب، فتلك المرأة الضعيفة كيف تهز النخلة، لكن كان عليها أن تطيع الله فيما أمرها به، وأن تتوكل عليه وتأخذ بالأسباب؛ ليتحقق لها ما تريد.
وبيَّن فضيلته -خلال درس التراويح، اليوم الجمعة، بالجامع الأزهر، والذي جاء تحت عنوان: "التوكل على الله"- أن تاريخنا الإسلامي حافل بالنماذج؛ ففي معركة العاشر من رمضان على سبيل المثال: تحقق النصر لقواتنا المسلحة بعد التوكل على الله مع الخذ بالأسباب، فقد صاح جنودنا "الله أكبر الله أكبر"، فما كان إلا أن سخرت تلك الصيحة لهم الكون كله، سخرت لهم السماء والأرض والماء، وكل شيء ذلل بهذه الصيحة، ثم أخذ الجيش بالأسباب من تدريب شاقًّ، ومن تجنيد فئة من الشباب المتعلمين من أبناء مصر، يأخذون بالأسباب العملية وبأسباب الحرب الحديثة، وما كان نتاج ذلك من أخذ بالأسباب وتوكل على الله؛ إلا أن تحقق النصر لنا؛ فعلى الأمة الإٍسلامية التوكل على الله؛ لتحقق ما تنشده من نهضة وتقدم، مع الأخذ بأسباب هذه النهضة؛ حتى تتحقق لها.
واختتم مدير عام هيئة كبار العلماء، أن الله قد خلق الخلائق، وأودع النواميس الكونية والأسباب التي تسير بقاءها، وخلق آدم بيديه، وخلق من ضلعه حواء، وجعل للنسل أسبابه؛ فلا بُدَّ من الزواج لمن أراد ذرية، كما جعل تعالى الماء سببًا في الحياة ودفعًا للعطش، وسببًا في الإنبات، وجعل الغذاء والطعام دفعًا للجوع، وجعل الدواء سببًا في الشفاء، وجعل المذاكرة سببًا في النجاح والتفوق؛ فعلينا أن نتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، وقد قدَّم لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- الدليل العملي في قوله: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدوا خماصًا، وتروح بطانًا"، فهذه الطير تتوكل على الله، ولا تنتظر في عشها الرزق، بل تأخذ بالأسباب.