14 مارس, 2025

ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: المذهب الأشعري هو وحده القادر على إنقاذ الأمَّة من نكباتها وهو طَوْق نجاة أمَّة الإسلام متى تَسلَّحت به

ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: السِّرُّ وراء استمرارية المذهب الأشعري وانتشاره بين السواد الأعظم من المسلمين هو الجمعُ بين المعقول والمنقول

ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: الإسلام جامِعٌ للجميع فإياك أن تُخرِج الآخر من المِلَّة حتى وإن اختلف معك في مبادئ الإسلام 
 
ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: في منهج الأزهر أمن فكري لا يحمل إثارة فتن ولا خلافات

 

     عقد الجامع الأزهر، اليوم الجمعة، ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، وكان موضوع حلقة اليوم: "فلسفة المذهب الأشعري في الاستقرار الفكري والاجتماعي"، وذلك بحضور: أ.د/ عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأ.د/ حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإٍسلامية بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ/ مصطفى، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.

قال الدكتور/ عبد الفتاح العواري: إن الساحة الإسلامية تموج بالأفكار المتعددة، ولو كان هذا التعدد بنَّاء ويجلب الوحدة والخير للمجتمع، ويحقق الألفة والمحبة بين أفراده؛ لكان أمرًا محمودًا؛ لأن التعدد سُنَّة من سنن الله في الكون، والأزهر -بمنهجه الذي عُرف به- يؤمن بالتعددية الفكرية، والتعددية الفقهية، ولا يضيره ذلك في شيء؛ بدليل أن كلًّا مَنْ دَرَسَ في الأزهر، درس سائر المدارس الفكرية، ودرس سائر المذاهب الفقهية، والأزهر -متمثلًا في أبنائه وشيوخه- يقف من هذه التعددية موقف الشيخ المهيب، يوازن ويقارن ويقارع الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، والفكر بالفكر. فإن أمكنه الجمع بين الآراء، ما ابتغى غير الجمع سبيلًا؛ لأنه يؤمن بأن الجمع بين الأدلة إعمال لها جميعًا، مضيفًا أن هذه أسس وقواعد تفهم التعددية في إطارها وعلى ضوئها. أما غير ذلك من تعدد وتنوع، فيحمل التناقضات التي تجعل الشخص يرى الحق معه دونما نظر إلى الآخر؛ ومن ثم ينطلق مبدعًا ومفسقًا، بل ومكفرًا لمن يحمل رأيًا غير رأيه، فهذا شر مستطير، وبلاء عظيم ابتُليت به الأمة، وامتلأت به الساحة، خاصة بعد ظهور ما يُسمَّى بمواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من وسائل التواصل الحديثة التي ألقت بفكر وأفكار تزكم منها الأنوف، وتشمئز منها النفوس السوية.

وبيَّن عميد كلية أصول الدين الأسبق أن منهج الأزهر الذي مضى عليه خمسة وثمانون عامًا بعد الألف، ارتضى فكر إمام من الأئمة المعتبرين، ذاع صيته، واشتهرت علومه في القرن الرابع الهجري، هذا المنهج الذي تبناه الأزهر في العقائد، والذي ارتضته الأمة في المشرق والمغرب؛ لأن صاحبه رجل اجتهد؛ حيث عاش في زمن وجد فيه تناقضًا يفرق ولا يجمع، ويبدع ويفسق، وجد أهل الاعتزال يقدسون العقل ويقدمونه على النقل، ووجد أهل الجمود يقفون عند ظواهر النصوص، ولا يعطون للعقل حقه من التأمل والتدبر الذي أراده الله للعقل؛ لأن التكاليف الشرعية ونصوصها من الكتاب والسُّنَّة إنما خاطبت العقل؛ ليعمل، ويتدبر، ويتأمل؛ مصداقًا لقوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدَّبَّروا آياته}، وقوله: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، وغير ذلك من الآيات والنصوص التي جعلت العقل له حق التأمل والتدبر؛ ليقوم بواجبه المنوط به، فكان هذا الإمام -الذي شاءت إرادة الله أن يعيش في كنف الاعتزال مدة من الزمن- حمل معه أدوات ساعدته على الجمع بين المعقول والمنقول، وهذا هو سر استمرارية هذا المذهب، وكان على هديه السواد الأعظم من أمَّة الإسلام.

وأوضح الدكتور/ عبد الفتاح العواري، أن الإسلام جامِعٌ للجميع، حتى وإن اختلف الآخر معك في مبادئ الإسلام، فإياك أن تُخرجه من المِلَّة؛ لأن الخروج من المِلَّة كما قرر العلماء: "لا يُخرجك من الإسلام إلا جَحْدُ ما أدخلك به"، فما دمت تقول: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فحذاري مهما اختلفت معي أن أرميك بالكفر، وقال بعضهم: "لو أن الكلمة احتملت تسعة وتسعين وجهًا من الكفر، واحتملت وجهًا واحدًا من الإيمان، حملناها على الإيمان"، فكيف نستغرب أن هذا المنهج لا نقبله ولا يتبناه الأزهر ولا يرتضيه، بل الأزهر كتب الله له القَبول، والأزهر شرح الله صدور علمائه منذ القدم أن يتبنوا هذا الفكر الوسطي، الذي هو وحده القادر على إنقاذ الأمة من نكباتها، وهو طوق نجاة لأمة الإسلام؛ متى تَسلَّحت به، ومتى أخذت به. 

من جانبه، أوضح الدكتور/ حبيب الله حسن، أن الهدف من تناول هذا الموضوع ما هو إلا العمل على تخفيف العصبية التي كانت من وراء ويلات كثيرة في تاريخ الأمة، مزقتها، وأضعفتها، وأنهكتها، والله تعالى يؤكد في كتابه الحكيم عقب آية القتال أننا نحتاج إلى وحدة الصف، ولا يكون جهاد على حقيقته في أمة متفرقة متشرذمة، تُقدِّم نفسها لُقمة سائغة لأعدائها، لافتًا أن الأزهر في الآونة الأخيرة قد كثف من نشاطه؛ ليدخل كل بقعة وكل بيت في المعمورة، والناس يلحظون ذلك، ويدركون معه كل ما حققه الأزهر الشريف من نجاح، وهو ما أوغر صدور المتعصبين تجاهه. والتعصب ليس جديدًا في هذه الأمة، وخاصة التعصب باسم الدين؛ فكثير من الناس لا يعرفون معنى المذهب الأشعري، ولا المذهب المعتزلي، ولا غيرها من أمور لم يكن من ورائها إلا مزيد من الفرقة والتشرذم.

واختتم أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإٍسلامية، أن الأمة الإسلامية مُنيت في تاريخها الطويل بنوعين من الانحراف، انحراف من قبيل الغلو والإفراط باسم الدين، وباسم الرجوع إلى الدين، وبأسماء كثيرة من هذا اللون، فالناس ليسوا في حاجة لأن يفتش بعضهم في إيمان بعض، لافتًا أن الأزهر معني بالبناء طوال تاريخه، ولم يكن أبدًا مشغولًا بمثل هذه النوعية من التعصب التي من شأنها أن تثير الأزمات في تاريخ الأمة الإسلامية. فعامة المسلمين لا يعنيه مثل هذا الأمر، لكن المسلم يجد الأمن الفكري والأمن الاجتماعي عندما يخاطبه الإمام أو الواعظ الأزهري، الذي ينتهج أسلوب الأمن الفكري، الذي لا يحمل إثارة فتن ولا خلافات، ولا غيرها من مثل هذه الأمور.


الأبواب: الرئيسية, أخبار