الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم: تأتي ذكرى فتح مكة لتُبشر إخواننا في غزة بأن نصر الله لهم قادم
الدكتور/ أبو اليزيد سلامة: فتح مكة يُعلِّمنا أن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى فلا يستطيع أحدٌ أن ينزعنا من أوطاننا أو ينزع حبها من قلوبنا
عقد الجامع الأزهر، اليوم الخميس، عقب صلاة التراويح، احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى "فتح مكة"، وذلك بحضور: فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر، فضيلة الشيخ/ خالد خضر، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، والأستاذ الدكتور/ عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء، الأستاذ الدكتور/ محمد الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، سماحة السيد/ محمود الشريف، نقيب السادة الأشراف، سماحة السيد/ عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور/ إسماعيل الحداد، رئيس المجلس الأعلى للأزهر، فضيلة الشيخ/ أيمن عبد الغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، فضيلة الدكتور/ محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، ونخبة من كبار العلماء بالأزهر الشريف، ولفيف من القيادات الدينية والوطنية.
قال فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم: إن فتح مكة جدير بأن تَحتفي به الأمَّة في مشارق الأرض ومغاربها، وأجدر بأزهرنا الشريف في هذا اللقاء المشرق أن يتذكر ما في هذا اليوم العظيم من عِبَرٍ ودروس وآيات باهرات. إنه ليبهرنا خروج نبينا -صلى الله عليه وسلم- من مكة بدموع رجراجة، وكلمات ضارعة، قائلًا: "يا مكة، واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ"، وما هي إلا خطوات على مشارف الجحفة، فيتنزل عليه القرآن قائلًا: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ}، فكان على يقين -وهو خارج في خطواته الأولى- أنه سيعود إلى مكة ظافرًا فاتحًا بأمر الله العزيز الحكيم، فشاء الله أن يأتي في هذا الشهر المبارك، وأن يأتي مكة، وأن يأتيها فاتحًا منتصرًا.
وبَيَّنَ عضو هيئة كبا العلماء أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- حين دخل مكة فاتحًا، لم يأخذه زهو الفاتحين، ولكن كان في قمة التواضع؛ فقد دخلها خاشعًا خاضعًا مطأطئ الرأس، تكاد ذؤابة عمامته أن تَمس ظهر راحلته من شدة انحنائه وخشوعه وخضوعه لمن نصره وأيده في هذا اليوم العظيم، الذي يدخل فيه مكة، وغداة يدخلها وعلى مشارفها يسمع سعد بن عبادة يقول -مفتخرًا منتصرًا بعد أن أخذه زهو النصر-: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستباح الحرمة"؛ فيرفض رسولنا -صلى الله عليه وسلم- هذا القول، ويجعله بعيدًا عن الراية، ويُسلِّمها لغيره ويقول: "بل اليوم يوم المرحمة، ليس يوم الملحمة، بل اليوم يوم المرحمة"، ودخل عليهم وهو يقول: "مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ، ومَن أغلق بابَه فهو آمِنٌ". فنشر الأمن على الجميع، حتى على الذين أخرجوه وآذوه، فكانت عبرة للمعتبرين، وكانت تبصرة للقادة عبر العصور، ألا يأخذ أحدًا منهم الزهوُ، بل الانتصار؛ لأنه من عند الله العزيز الحكيم، وراح يشكر ربه ويدخل الكعبة، ويصلي داخلها شكرًا لله، ثم ذهب يطوف بالبيت الحرام؛ فحمل يوم فتح مكة من العِبَرِ والدروس في الصفح والتسامح، وأن المظلومين في الأرض لهم يوم سينصرهم الله نصر عزيزٍ مقتدرٍ، ونرسلها رسالة إلى أشقائنا المعذبين الآن، والذين يتلقون بصدورهم ضربات نيران أعدائهم الصهاينة الظالمين الذين اعتدوا على إخواننا في غزة، ونقول لهم: يأتي يوم الفتح ليبشركم بأن النصر قادم، وأن إعزاز الله لكم قادم، وأن الظالم له نهاية، وأن دولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
من جانبه، أوضح فضيلة الدكتور/ أبو اليزيد سلامة، أننا وإن كنا لم نشهد هذا الفتح بأبصارنا، إلا أننا نستطيع أن نرى العبر والدروس من هذا الفتح ببصائرنا، ونستطيع أن نرى هذا التواضع الكبير من سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تجمع حول أهل مكة، وهم الذين آذوه، فإذا به صلى الله عليه وسلم ينادي عليهم بثقة المؤمن، وإيمان الواثق، ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فإذا بالقوم يردون بثقة في عدله ورحمته فيقولون: "أخ كريم، وابن أخ كريم"، فإذا به صلى الله عليه وسلم يفيض عليهم برحمته التي تحدث عنها ربنا سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، فيقول: "اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء". هكذا كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يوجِّه الرسالة للعالمين، لا يدخل مكة منتشيًا إلا بذُلِّ العبودية لله تعالى، لا يفيض على الناس إلا برحمته ومحبته، الحاضرين واللاحقين بعد ذلك، حتى إنه صلى الله عليه وسلم حينما يتحدث عنا يقول: "وددتُ لو أني رأيت إخواننا" فيقولون له: يا رسول الله "أو لسنا إخوانك، قال: بلى أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني".
وأضاف مدير عام شئون القرآن الكريم بالأزهر أن الدرس الثاني الذي ينقله لنا هذا الفتح العظيم، حب الأوطان؛ فأوطاننا -نحن كمسلمين- نفتديها بدمائنا وأنفسنا، فبلادنا وأوطاننا كما أننا نحيا فيها، فإننا نحيا بها وعليها، وإنها تحيا في قلوبنا لا نفارقها، وهكذا كان شوق أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما دخلوا مكة، وهذا بلال، الذي طالما خَفَتَ صوتُه وهو يُعذَّب ويقول: أحد أحد، فإذا به في مكة يقف قبالة الكعبة، وقيل: على جدرانها؛ ليرفع صوته "الله أكبر"، فإذا به يقول لنا جميعًا: إن بلادنا وأوطاننا وحُبَّنا لهذه الأوطان من الدين، وإذا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه يقول لنا: إن هذه الأوطان لا تُباع ولا تُشترى، وإنه لا هجرة بعد الفتح، ولا يستطيع أحد أن ينزعنا من أوطاننا، أو ينزع حبها من قلوبنا.