مناقشة هادئة للشيخ ناصر مكارم الشيرازي حول زواج المتعة

  • 18 أغسطس 2017
مناقشة هادئة للشيخ ناصر مكارم الشيرازي حول زواج المتعة

كتب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي المرجع الشيعي المعروف، رسالة وجَّهها عبر موقعه الإلكتروني إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بخصوص ما عرض له فضيلة الإمام في بعض لقاءاته الفضائية في قضية نكاح المتعة المعروف عند الشيعة، من أنه غير مشروع عند علماء أهل السنة.

أخذ الشيخ الشيرازي في رسالته على كلام فضيلة الإمام بعض ملحوظات تتعلق بالمسألة المذكورة، وقد رأينا نحن في هذه الملحوظات التي طالعناها بعض تحفظات علمية على الشيخ، ونود أن نناقشه فيها مناقشة موضوعية هادئة.

1- ذكر الشيخ أن خطاب شيخ الأزهر «كان استفزازيًّا متطرفًا»، وأنه «مثَّلَ هجومًا کاسحًا علی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) في مفردة «زواج المتعة» بل کان هجومًا علی کل من أراد أن یتبنَّی هذا الموقف من أهل السنة فیفتي به؛ حیث إنکم وصمتموه بالخیانة».

ونحن نقول للشيخ: تقرير مذهب أهل السنة -الذين ينتسب الشيخ إليهم والذين يخاطبهم الشيخ في المقام الأول- في مسألة من مسائل الدين وتخطئة المخالف فيها - ليس استفزازًا للمخالفين في المسألة، ولا تطرفًا في عرضها أو في اختيار مذهب فيها، ولو كان مجرد اختيار مذهب وقع فيه نزاعٌ كبيرٌ استفزازًا وتطرُّفًا؛ لكان للسادة الحنفية مثلًا –وهم المنتسبون إلى المذهب السني الشهير، مذهب الإمام أبي حنيفة- أن يقولوا لجمهور الفقهاء: إن ردَّكم علينا وتخطِئتَنا في تجويزنا إنكاح المرأة نفسها ما هو إلا استفزاز وتطرف!

ولكان لأهل السنة أيضًا أن يردوا التهمة نفسها إلى الشيعة، إذا خرج أحد كبرائهم في فضائية فأفتى بحل المتعة، وخَطَّأ مَن قال بحرمتها من أهل السنة.

ولكان للسنة الحقُّ أيضًا في توجيهها إلى الشيعة في كل مسألة خلافية يجهر الشيعة بها فضائية، أو يبحثونها في مؤتمر، أو يقيدونها في كتاب!

بل ولكان لكل صاحب رأي أن يرمي من يرد عليه في رأيه بالتهمة المذكورة، وهذا ما لا يقول به عاقل، فضلًا عن المنتسبين إلى العلم، وكان الأولى بالشيخ الشيرازي أن يقصد إلى محل النزاع ويناقشه مناقشة يتجرَّد فيها عن تهمة الآخرين بأسلوب مستفز يأباه العلماء المحققون.

ثم نقول: أين هذا التطرف في كلام الإمام، وخطابه موجَّه –وأكرِّر- إلى أهل السنة، وقد قال في بعض حديثه: «نحن الآن لسنا في حرب فكرية، ولا بين أهل السنة والشيعة، لهم ما يريدون، لكن نحن نتكلم عن مذهب أهل السنة، والذي لابد أن يرتبط به شباب السنة بنين وبنات»؟!

فماذا ينتظر الشيخ الشيرازي بعد ذلك من أمانة في العلم وأدب جَمٍّ في الحوار؟! اللهم إلا أن يكون كلامه مصادرة لحرية التمذهب والاختلاف في الرأي، وهذا هو التطرف بعينه الذي يسقطه الشيخ الشيرازي على شيخ الأزهر الذي تحوَّط في كلامه، وحدَّد هدفه الذي لا خلاف عليه عند أهل السنة، وبيَّن أنه ليس بصدد الاعتراض على الشيعة، وإنما لتوضيح حكم هذه القضية عند أهل السنة، فهل صار الحديث عن فقه أهل السنة وبيان بعض مسائله استفزازًا وتطرفًا؟!

2- ذكر الشيخ أن الروايات الواردة عن آل البيت عليهم السلام تدل على أن نكاح المتعة لا يجوز إلا لمن دفعته الضرورة إلى هذا النكاح، غير أنه لم يذكر رواية واحدة عنهم في هذا الأمر.

ومهما يكن؛ فنحن نسأل الشيخ: ماذا تعني بالضرورة؟ أتقصد بها الضرورة المعروفة في كتب الفقهاء، والتي عرفوها بأنها: الحالة المُلجِئة إلى تناول الممنوع شرعًا؟

إن كان هذا هو المقصود فقد عُدتَ على أصل مشروعية نكاح المتعة بالنقض والإبطال؛ إذ إنه يصير -بموجَب قولك- في هذه الحالة ممنوعًا في أصله، شأنُه في المنع منه شأنُ أكل الميتة، فلا يُباح إلا لمن ألجأَتْه الضرورةُ إلى الإقدام عليه، وأنت لا تقول بأن نكاح المتعة ممنوع في أصله، بل نصوص أئمة آل البيت –كما في كتبكم- لا تدل إلا على الترغيب الشديد فيه والحث عليه واستحبابه؛ فهل يكون ما هذا وصفه ضرورةً مُلجِئةً؟ نترك الجواب عن  هذا للشيخ.

ولا نحسب أنه يغيب عن الشيخ هذه النصوص المرغِّبة في نكاح المتعة في كتب الشيعة، والتي لا تعلق الإقدام على هذا النكاح بحال الضرورة، فمن أين أتى بهذا القيد؟ فقد روى الصدوق عن الإمام الصادق قال: «إن المتعة ديني ودين آبائي؛ فمن عمل بها عمل بديننا، ومن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغير ديننا» [من لا يحضره الفقيه].

 وقيل لأبي عبد الله: هل للمتمتع ثواب؟ قال: «إن كان يريد بذلك وجه الله؛ لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة، فإذا دنا منها؛ غفر الله له بذلك ذنبًا، فإذا اغتسل؛ غفر الله له بقدر ما مرَّ من الماء على شعره» [من لا يحضره الفقيه].

وقال النبي صلى الله عليه وآله: «من تمتَّع مرة أَمِن سخطَ الجبار، ومن تمتَّع مرتين حُشِر مع الأبرار، ومن تمتَّع ثلاث مرات زاحَمَني في الجنان» [من لا يحضره الفقيه].

فهل هذه نصوص في إباحة خاصة لمُضطر، أو هي ترغيب وحَثٌّ، بل طلب لتطبيق تشريع عام لا يختص بحال دون حال؟!

وهل يصح أن يبوِّب صاحب «وسائل الشيعة» الباب الثاني من نكاح المتعة بقوله: «باب استحباب المتعة وما ينبغي قصده بها» والباب الثالث بقوله: «باب استحباب المتعة وإن عاهد الله على تركها أو جعل عليه نذرًا» وتكون المتعة بعد هذا من باب الضرورة؟! هذا عُجابٌ من القول!

وهل التطبيق العملي الذي يمارسه علماء الشيعة وعوامُّهم الآن في أمر المتعة يدل فعلًا على كونها ضرورة خاصة في حق قوم لهم حال مخصوصة، أو ماذا يرى الشيخ الشيرازي؟ له الجواب أيضًا.

3- نقل الشيخ شواهد من كتب أهل السنة على صحة ما نسبه إلى ابن عباس رضي الله عنهما من قوله بحِلِّ المتعة، وفي سياق ذلك نقل عن الزَّيْلعي في «تبيين الحقائق»، وعن السَّرْخَسي في «المبسوط»: أن مالكًا يقول هو جائز.

ونقول: نص مالك على حرمة نكاح المتعة، ففي «المدوَّنة» (2/130): «قلتُ: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل.

 قال: وقال مالك: وإن تزوَّجها بصداق قد سمَّاه، فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال، وإلا فلا نكاح بينهما. قال مالك: هذا النكاح باطل. قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال دخل بها أو لم يدخل بها. قال مالك: وإنما رأيتُ فسخَه لأني رأيته نكاحًا لا يتوارثون عليه أهله.

قلت: أرأيت إن قال: أتزوَّجك شهرًا يبطل النكاح، أم يجعل النكاح صحيحًا ويبطل الشرط؟ قال: قال مالك: النكاح باطل يفسخ، وهذه المتعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمها».

وبوَّب مالك في «الموطأ» بابًا في المتعة، وفيه نصوص تحريمها.

فنسبةُ الشيرازي -نقلًا عن الزيلعي والسَّرْخَسي- حِلَّ نكاح المتعة إلى مالك نسبةٌ غير صحيحة، ونصُّ مالك هنا هو الحرمة، وقد نسب الحنفيةُ القولَ بحِلِّ المتعة إلى مالك، وهي نسبة باطلة، وقد أنكرها المالكية أنفسهم.

ومن طريف ما يُذكَر في نقل الشيخ الشيرازي عن الزيلعي: أنه نقل عنه من قوله: «وقال مالك: هو جائز» إلى قوله: «وإليه ذهبت الشيعة» ولم يكمل كلام الزيلعي عن مذهب الشيعة بعده، وهو: «وخالفوا عليًّا وأكثر الصحابة، والحجة عليهم ما رُوي أنه -عليه الصلاة والسلام- حرَّمها يوم خيبر؛ من رواية علي بن أبي طالب؛ متفق عليه. وروي أنه -عليه الصلاة والسلام- حرمها يوم الفتح؛ رواه مسلم. فثبت نسخه به». وواضح أنه لم ينقل بقية الكلام لأن فيه نقضًا مباشرًا لمذهب الشيعة في المتعة من رواية صريحة يرويها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، تصرح بأن المنع من المتعة إنما كان من  رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من فعل عمر رضي الله عنه، وهذا يوقع الشيخ -ومعه القائلون بالمتعة- في ورطة يُحتاج إلى جواب عنها.

والسؤال: هل بَتْر النصوص واجتزاؤها من أمانة النقل في العلم؟!

4- نقل عن الشيخ ابن تيمية قوله في «مجموع الفتاوى»: «فإن نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من ثلاثة أوجه...» وذكرها.

ولعل الشيخ يريد بهذا النقل أن يقول إن ابن تيمية يرى حِلَّ نكاح المتعة، أو على الأقل يُحسِّن القول فيه.

ونقول: من يرجع إلى سياق كلام ابن تيمية يدرك أنه كان في إطار المقارنة بين نكاحين كلاهما ممنوع شرعًا، إلا أن أحدهما أشد تحريمًا من الآخر، ولفظة «خير» صيغة تفضيل مجردة، لا تستلزم أن يفاضَل بها بين مستحبين، أو مستحب وممنوع، فاللغة لا تمنع من المفاضلة بها بين ممنوعين؛ كما إذا قلتَ: كلمة «أفٍّ» للوالدين خيرٌ مِن ضربِهما، وسرقة نعل خيرٌ مِن الزنا، وهذا واضح لا خفاء فيه.

5-  أنكر الشيخ على فضيلة الإمام حكاية إجماع أهل السنة على بطلان عقد المتعة.

ونقول: إن حكاية الإجماع صحيحة لا غبار عليها، ولا يصح الإنكار على قائلها البتة؛ وذلك لأن الذي استقر عليه قول أهل السنة هو التحريم، وهذا الاستقرار هو المقصود من ذكر الإجماع على لسان فضيلة الإمام. وقد قال ابن المنذر في كتابه: «الإشراف على مذاهب العلماء» (5/72):  «ولا أعلم أحدًا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة»، وقال ابن القطان الفاسي في «الإقناع في مسائل الإجماع» فقرة (2210): «وأجمع فقهاء الأمصار على القول بتحريمها». وقال النووي في «شرح مسلم» (9/179) نقلًا عن المازري: «ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه»، وهذا معنى استقرار قول أهل السنة في المنع منه.

وأما إلزام الشيخ الشيرازي في قوله: «فهذا هو حال الإجماع المدَّعی، فصناعة الفقه تقتضي أن یقال: المشهور عند أهل السنة هو الحرمة» = فلا يلزمنا؛ لِمَا عُلِم من أن استقرار القول بالحرمة لا يمنع من حكاية الإجماع عليه.

وقد ذكر الأصوليون مسألة تتعلق بمبحث الإجماع، وهي: هل يشترط عدم الخلاف السابق للإجماع اللاحق؟ فيها نزاع معروف، والصواب أن الخلاف السابق لا يمنع انعقاد الإجماع، فيرتفع الخلاف بالإجماع الحاصل، وتكون المسألة مُجمَعًا عليها؛ لأن المعتبر اتفاق مجتهدي العصر على حكم الحادثة، وقد وُجِد.

6- اعترض الشيخ الشيرازي على فضيلة الإمام قولَه: «إن علماء السنة فنَّدوا کلامهم ونقضوه» واعترض على ذكر فضيلة الإمام بعدها لقول الشيخ علي حسب الله في إنكار نكاح المتعة، فقد ظَنَّ أن كلام الشيخ علي حسب الله هو حُجَّة فضيلة الإمام على المدَّعى، وهذا أمر يدعو للإنكار؛ لأنه لا يُحتَجُّ بكلام الناس على الدعاوى العلمية!

وأقول: هذا لعَمْري عجيب من الشيخ! فإن سياق كلام الإمام الأكبر يدل بوضوح لا لبس فيه على أنه لا يحتج بكلام العلامة الشيخ علي حَسَب الله على دعواه في بطلان نكاح المتعة؛ لأن أقاويل الناس يُحتَج لها، لا يُحتَج بها، والإمام الأكبر نفسه كثيرًا ما يقرر في محاضراته ولقاءاته قاعدة جليلة من قواعد المناظرة تعلَّمناها قديمًا في الأزهر الشريف، ودَرَسْناها في متن آداب البحث للمحقق عَضُد الدين الإيجي: «إذا قلتَ بكلام خبري: إن كنتَ ناقلًا فالصحة، أو مُدَّعيًا فالدليل» وذِكرُ كلام الشيخ علي حسب الله إنما هو مجرد استئناس واستطراد، وليس استنادًا واحتجاجًا، والفرق بينهما واضح لا يخفى.

7-  قول الشيخ عن موقف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «إلا أن لموقف عبدالله بن عمر من رأي أبیه دلالة صارخة؛ لأنه یؤکد بأن قرار حظر المُتعتَیْن کان قرارًا قد تفرَّد به عمر».

ونقول: إن صح هذا القول عن ابن عمر فهو دليل على أن بعض الصحابة لم يبلغهم النهي النبوي عن المتعة عام خيبر، وأنهم حسبوا أن المنع منها إنما كان من رأي عمر رضي الله عنه. وهذا النهي النبوي لم يبلغ ابن عباس وغيره فاستمروا على القول بالحِلِّ مطلقًا، أو عند الضرورة، وهذا لا يضر غيرَهم ممن عَلِم النهي النبوي في حينه؛ لأن من حفظ وسمع حُجَّة على من لم يحفظ ويسمع، ولا يغيِّر من الحقيقة الناصعة شيئًا، وهي أن عمر وغيره من الصحابة لا يملكون في دين الله تحريمًا لشيء أحله الله تعالى لعباده، ولا سبيل لهم إلى تحليل ما حرم الله على خلقه.

ثم.. ما المنفعة العائدة على أهل السنة من التمحُّل في تحريم شيء أحله الله لعباده؟ أمن المعقول أن يسعى الإنسان في إعنات نفسه والتضييق عليها بتحريم شيء من مباحات المَلذَّات؟! إن بدائه العقول تقتضي أن يحصل العكس، فيسعى الساعون –إن هم ضعُفَت أديانهم، وقَلَّ ورعهم- في تحليل ما حُرِّم، لا تحريم ما أُحِلَّ!

 وبهذا يُعلَم سقوط ما لَهِج به الشيخ في قوله عن أهل السنة: «قد وظَّف القوم نَسْخَ الآیة والروایات المنسوب للرسول ودعوی الإجماع من أجل تبریر موقف عمر في القضیة، فإنهم أصَّلوا الشخصیة وهمَّشوا التراث، بل وظَّفوه للدفاع عن الشخصیة، وهو الخلیفة عمر، ویبدو أن ذلك منهج متَّبَع في أدبیَّاتهم علی طول الخط، وما أخطره من منهج!!!» كذا قال الشيخ الشيرازي، وقد ارتقى مرتقًى صعبًا أشفقنا عليه منه! فلا ندري ما الأدبيات التي يحكي الشيخ عنها، فليذكر لنا شيئًا يسيرًا من «المنهج المتبع على طول الخط» الذي ذكره، وظَّفْنا فيه الحقائق من أجل تقديس الأشخاص، ودون ذلك خَرْط القتاد.. فكلام الشيخ مُرسَل متهافت، واتهامات تُلقَى على عباد الله جزافًا، ودعاوى لا خِطام لها ولا زِمام، وكم كنا نودُّ للشيخ الشيرازي ألا يتورَّط في مجازفة عظيمة كهذه يركب فيها الصَّعب والذَّلول، أقلُّ ما توصف به: وصف نستعيره من خالص كلامه في أول رسالته: «استفزاز وتطرف»!

ولئن سلَّمْنا أنها مِن مَنْع عمر رضي الله عنه؛ فلماذا سكت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على صنيع عمر رضي الله عنهما فلم يعارضه، وأين كان جمهور المسلمين من عمر لمَّا حرم عليهم شيئًا أباحه الله لهم؟!

8- وأما قول الشيخ موجِّهًا كلامه إلى فضيلة الإمام: «أن تصویرکم لزواج المتعة عند الشیعة کان مشوهًا وتسقیطیًّا لا یتواءم مع ما تتطلبه الأمانة العلمیة في نقل رأي الآخر، اسمح لي أن أقولها بصراحة: إنکم تحدثتم في هذا الشأن بلغة أهل السیاسة» = فكبوة قلم من الشيخ، ورجوع منه إلى الاتهامات المرسلة، وذلك كله بسبب تحمُّسه المُبالَغ فيه لمذهبه في مسألة المتعة، واستغرابه من أن ينكر المتعةَ عالمٌ كبير له  وزنه من رءوس السنة في العصر الحديث، مع أن رأي أهل السنة فيها معروف، ويُتوقَّع من أي عالم سني أن يقول مثل ما قال فضيلة شيخ الأزهر، لا غرابة في ذلك ولا عجب، كما أننا –نحن أهل السنة- نتوقع بلا أدنى مفاجأة من أي عالم شيعي أن يقرر صحة المتعة واستحبابها، ولو أن الشيخ أصغى قليلًا لكلام الإمام في المسألة لعلم أن الإمام لم يخالف الأمانة العلمية في شيء، وأن تصور الإمام لنكاح المتعة عند الشيعة -من حيث حكمها عندهم، وتطبيقهم المعاصر لها- تصوُّر صحيح لا يخالف الواقع في شيء، ولكن ما الحيلة في تحمُّسات مُفرِطة تحول بين صاحبها والتأمل المنصف؟!

ولْنُذكِّر الشيخ الشيرازي بأن شيخ الأزهر لا يخوض في السياسة ولا يمارسها؛ لأنه يرى دور الأزهر في جمع شمل الأمة مسئوليةً شخصيةً أمام الله تعالى، وقد تلاحظون -أيها الشيخ- أن فضيلة الإمام الأكبر صَمَت صمتًا طويلًا في حديثه عن الخلافات المذهبية، حين رأى دماء المسلمين تسيل بسبب فتاوى منحرفة تبيح قتل المسلمين وتراه جهادًا.

وعليك -أيها الشيخ الفاضل- أن تتحلى بشجاعة العلماء العاقلين؛ لتخبرنا عن الفتاوى التي أباحت الحشود، وشحن الأسلحة، ونقل الجنود، وقتل الأبرياء من الناس، واحتلال الأراضي، بعد تفريغها من أهاليها وإجبارهم على الرحيل، وتقول لنا: مَن المسئولُ عن هذه الجرائم؟ أليسوا هم العلماء المُتسيِّسين الذين يرون احتلال أراضي الغير وقتلهم نصرًا وجهادًا في سبيل الله يبيح لهم إبادة البلاد والعباد؟!

افتح عينيك جيدًا –أيها الشيخ الفاضل- وجرِّد القصد لله ورسوله، وحينذاك ستُبصر عيناك العلماءَ الذين تستخدمهم سياساتُ دولهم، والعلماءَ الذين مضى عليهم الآن أكثر من ألف عام ولم يدنِّسوا ضمائرهم باستحلال نقطة دم واحدة من دماء المسلمين، وكانوا دعاة وحدة وتقريب وفرار من مسئولية الدماء التي تسيل الآن أنهارًا بفتاوى خُدَّام السياسة من العلماء.

9- أنكر الشيخ على عبارة الإمام: «وما هو إلا عبارة عن لقاء مؤقَّت بین الرجل والمرأة من أجل قضاء الشهوة فقط...».

ونقول للشيخ: هذا أمر ما تنبغي المكابرة في تصديقه والاعتراف به؛ فواقعُ مَن يمارسون المتعة هذا حالهم في الأعم الأغلب، والشيخ يعرف من خلال استفتاءات جمهور الشيعة، ومن واقع المجتمعات الشيعية هذا الأمر بوضوح، ولا ينفي هذا أن يكون لبعضهم مآرب أخرى على هامش قضاء الوطر.

10- أنكر الشيخ على عبارة فضيلة الإمام: «... ومَن هذه الحُرَّة التي تقبَل هذا الإذلال؟! ألیس هذا بیعًا لجسدها لقاء حَفْنة من المال؟! وما الفرق بینها وبین البغایا؟!...» وعبارة: «إن الأزهر یقول: إن زواج المتعة حرام، وإنه قرین البِغاء».

فنقول للأستاذ: على رِسْلك؛ فقد رويتم عن الإمام الصادق رضي الله عنه أنه سئل عن المتعة فقال: «ما تفعله عندنا إلا الفواجر»! كما في «بحار الأنوار»، وكلامُ الإمام الصادق كلامُنا، وجوابُه جوابُنا.

11- تعجَّبَ الشيخ الشيرازي من صنيع فقهاء أهل السنة مِن جَمْعِهم بين القول بتحريم نكاح المتعة، وترتيب أحكام فقهية عليه.

فنقول للشيخ: إن أدنى دراية بالشريعة تَذهَب بهذا العجب الذي أبديتَه؛ أوليست معاشرة المرأة –تأوُّلًا واعتقادًا للحِلِّ وإن لم يكن كذلك في الحقيقة- فعلًا من أفعال المكلفين يحتاج إلى معرفة حكمه وما يترتب عليه؟!

وخذ نظيرًا لهذه المسألة: أوليس الزنا الصريح محرمًا في شريعة الله؟ بلى.. ومع كونه محرمًا تحريمًا قطعيًّا، وكبيرةً من كبائر الإثم بلا جدال؛ فقد تكلم الفقهاء على أحكام كثيرة مترتبة على اجتماع الرجل بالمرأة فيه، فإن أنكرتَ كلامهم في هذه الأحكام المترتبة على الزنا، فلتُنكِر كلام فقهائنا في الأحكام المترتبة على المتعة، والكلامان من بابة واحدة. فما وجه العَجَب –إذًا- في أن يتناول الفقهاء بعض الأحكام المترتبة على لقاء الرجل بالمرأة في المتعة؟!

12- أنكر الشيخ على عبارة فضيلة الإمام: «اسألوا من یفتیکم بإباحة نکاح المتعة، هل ترضاه لابنتك؟! فإذا رفض فقولوا له: اتق الله في بنات المسلمین...».

ونقول للأستاذ أيضًا: لا داعي إلى إنكار السؤال؛ لأنه سؤال قديم وجِّه –كما تذكُر كتبكم- إلى الإمام أبي جعفر الباقر رضي الله عنه، فقد جاء عبد الله بن عمير –وهو سني- إلى أبي جعفر الباقر، فسأله: ما تقول في متعة النساء؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: أحَلَّها الله في كتابه وعلى لسان نبيه, فهي حلال إلى يوم القيامة …-وذكر كلامًا- ثم قال أبو جعفر عليه السلام لعبد الله بن عمير: هَلُمَّ ألاعِنك -أي على أن المتعة حلال- فأقبل عليه عبد الله بن عمير وقال: يسرُّك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك؟!

يقول: «فأعرض عنه أبو جعفر وعن مقالته، حين ذكر نساءه وبنات عمه!» وهي رواية مشهورة، تراجع في «مستدرك الوسائل» وغيره.

13- وأما قول الأستاذ: « نحن نأمل  في هذه الظروف العصیبة التي ألمَّت بالأمة أن نعمل جمیعًا لإسکات المنصات الداعیة إلی الفتنة الطائفیة ونشر الکراهیة والبغضاء، وأن نسمع منکم أخبارًا طیبة -أیها الطیب- تلُمُّ الشمل، وتنبذ الفرقة والتشرذم، وترضي الله ورسوله والشرفاء من أبناء الأمة، کما سمعناه منکم سابقًا ».

ونقول: وهذا ما يقوم به فضيلة الإمام على أحسن الوجوه وأتمها، وهو ما يشهد به القاصي والداني، وجهود فضيلته في جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفهم، ولَمِّ شملهم؛ أشهر من أن يُعرَّف بها أو يُشار إليها.

* * *

تلك مناقشة هادئة، نأمُل من الشيخ أن يتلقاها بصدر رَحْب، ونسأل الله أن يجنِّب المسلمين مزالق الفتن، وأن يجمع كلمتهم على الحق.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

    كتبه

       أحمد عبد المرضي علي يونس

الباحث بمكتب إحياء التراث الإسلامي بمشيخة الأزهر المعمور

طباعة
كلمات دالة:

الإعلان عن موعد ومكان إجراء تدريبات التسكين على كادر معلمي الأزهر

  • 6 يوليه 2017
الإعلان عن موعد ومكان إجراء تدريبات التسكين على كادر معلمي الأزهر

أعلنت إدارة كادر المعلم بالإدارة المركزية لشئون الأفراد بالأزهر عن موعد ومكان إجراء تدريبات التسكين على كادر المعلم.

كما نوهت الإدارة إلى ضرورة دخول كل معلم على صفحته الشخصية بموقع الأكاديمية المهنية للمعلمين، وذلك لطباعة إخطارات التدريب الخاصة بكل منهم لمعرفة مكان التدريب،  أو الاستعلام من خلال موقع بوابة الأزهر الإلكترونية على الرابط التالي.

 مع العلم أن التدريبات سوف تبدأ من 11/7/2017، وتنتهي في 13/7/2017 في كافة محافظات الجمهورية، في تمام الساعة التاسعة صباحًا.

وألزمت السادة المدرسين الموجودة أسماؤهم في قاعدة البيانات المنشورة على بوابة الأزهر بحضور التدريب، وعدم التخلف للأهمية القصوى.

اضغط هنا للاستعلام عن المرشحين للتدريب

طباعة