المعاملات

18 يوليه, 2018

بيان مركز الأزهر العالمي للفتوى بشأن قراءة القرآن مصحوباً بألحان الموسيقى


إذا كان القرآن الكريم: هو كلامُ الله المعجز، المنزل على النّبي-صلى الله عليه وسلم-، المكتوبِ في المصاحفِ، المنقول بالتّواتر، المتعبد بتلاوته[مناهل العرفان في علوم القرآن، 1/19]؛ فإن مقتضى كونه متعبدًا بتلاوته: أي على الوجه الّذي تلقيناهُ من النبي – صلى الله عليه وسلم – .
ومعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- لما أمر نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – بتلاوة القرآن، أمره بترتيله فقال عزّ من قائل:" وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً " [المزمل : آية 4]، قال الإمام الرّازي –رحمه الله - : أمرهُ بترتيل القرآن حتّى يتمكَّن الخاطر من التّأمل في حقائقِ الآياتِ ودقائقهَا، فظهر أن المقصود من التّرتيل إنّما هو حضورُ القلب.[مفاتيح الغيب للرازي، 30/ 683]
وكذلك حثّ النّبي –صلى الله عليه وسلم – على ترتيل القرآن وتحسين الصوت به، فقال :" مَا أَذِنَ الله لِشيءٍ مَا أَذنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ، يَتَغَنّى بِالقُرآنِ، يَجْهَرُ بِهِ"[ صحيح مسلم، حديث رقم: (233) ، 1/545]، وقال – عليه السّلام -:"زَيِّنُوا القُرآنَ بِأصواتِكُم"[ سنن أبي داود، حديث رقم: ( 1468) ، 2/74]، وعن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه – قال: قال ليَ رسول الله – صلّى الله عليه وسلم - :" لَو رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاءَتَكَ البَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد"، فقال أبو موسى: لَوْ عَلِمتُ لَحَبّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا" [ شعب الإيمان للبيهقي، حديث رقم : (2366) ، 4/183]
والّذي يتحصّل من هذه الأدلّة: أنّ تحسين الصوتِ بالقرآنِ مطلوبٌ، وقد حكى الإمام النّووي وغيره الإجماع على استحبابِ تحسين الصوت بالقرآن (قراءة وترتيلاً) [التبيان في آداب حملة القرآن، 1/110] وقد ضبط العلماء تحسين الصوت بالقراءة بما لا يخرج التلاوة عن وضعها الصحيح، نأياً بالقرآن من التشبه بالأغاني التي يقصد بها الطرب.
ومن ثم؛ فليس من التّغني المشروع بالقرآن ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي من مقطع لتلاوة القرآن الكريم على ألحان الموسيقى؛ بل إن هذا الفعل محرمٌ شرعًا، وسماع القرآن بهذه الصورة خروج بالعبادةِ عن صورتها المشروعة، وامتهان للقرآن الكريم، ومنافاة لحرمته، وصرف له عن معناه الذي جاء له من الخشوع والتفهم والهداية والإرشاد، بجعله وسيلة للتبذل والطّرب، مما يتعارض مع وقارِ القرآن وجلاله.
والأزهر الشريف كما يقاوم مظاهر الغلو والتّطرف، يسوءه هذا التفريط الّذي يؤول إلى الانحراف بالشرائع عن مقصودها ويؤدي إلى ضياع الدّين ، ويشدد الأزهر على أن مثل هذه التّصرفات غير المسؤولة دافعها إما جهلٌ مطبقٌ وإما نوايا خبيثة، وهي في كلا الحالين تغيير للدّين، وخروجٌ عن الصراط المستقيم، ويهيب الأزهر بالمسلمين تعلم وأداء العبادات على وجهها الصحيح، وتعظيم شعائر الله؛ قال تعالى: " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ " [سورة الحج: آية 32] ، ولا شك أن آيات القرآن الكريم من أعظم شعائر الله الواجب على المسلمين تعظيمها بتقديسها واحترامها والتأدب عند سماعها كما قال تعالى: " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [سورة الأعراف: آية 204].
 


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.