المعاملات

12 أغسطس, 2019

رمي الجمرات

رمي الجمار في الحج هل هو رجم للشيطان؟؟

هناك طرح عقلي يقول: من شعائر الحج رمي الجمرات على الشيطان فكيف يؤثر هذا على الشيطان والشيطان عبارة عن شيء معنوي غير حسي؟! وما الحكمة من ذلك، إننا نرمي حجرا بحجر ؟!!

وللجواب عن ذلك نقول وبالله التوفيق:

1ـ اتفق المسلمون جميعا على أن رمي الجمار من شعائر الحج، واشتهر عند بعض العوام أن رمي الجمار هو رجمٌ للشيطان حقيقةً، وهذا خطأ بالكلية لم يقل به أحد من العلماء قط ؛ أما ورد عن ابن عباس ــ من قوله: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون" فإنما يعني به الرجم المعنوي، لا الحسي؛ أي أن الامتثال إلى أمر الله ــ هو عين رجم الشيطان وكيده ؛ فرمي الجمار لا يكون للشيطان حقيقة، وإنما هو رمز لكيده بالامتثال لأمر الله ـتعالىـ.

وما رواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 437) بسنده عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ. فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا... الحديث. وفيه:  "وَيَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ؟ قَالَ: صَدَقُوا، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ، عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ - قَالَ يُونُسُ: الشَّيْطَانُ - فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ،.... قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى الْجَمْرَةِ الْقُصْوَى، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ..." الحديث... ورواه الحاكم في مستدركه مرفوعا.

فهذا الحديث يدل على أن الشيطان عرض لإبراهيم ـ عليه السلام ـ عند الجمرات الثلاث فرماه بالحصى، والشيطان لا يعرض للحجاج.

 

2ـ أما حكمة رمي الجمار فتتجلى في عِظَم الانقياد واتباع أوامر الله ــ حتى وإن جهلنا علة الأمر، وإذا كنا لا نخضع للأوامر الإلهية إلا فيما يدركه العقل لأصبحنا بذلك نعبد العقل ولسنا نعبد الله ــ!!

ومن المعلوم ضرورة أن العقل لا يدرك حقيقة كل شيء.

 وقال حجة الإسلام الإمام الغزالي ـرحمه الله ـ في إحياء علوم الدين (1/ 270):

(وأما رمي الجمار؛ فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية، وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث عرض له إبليس ـ لعنه الله تعالى ـ في ذلك الموضع ليدخل على حَجِّه شبهة أو يفتنه بمعصية، فأمره الله ــ أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله.

فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان؛ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به!!

 فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره؛ إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه.) هذا،، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.