من شمائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • | الأربعاء, 15 يوليه, 2020
من شمائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على هذه الأمّة بسيّدنا رسول الله ﷺ فكشف به الغُمَّة فهو ﷺ مجمع المَحَاسِنِ، ومُلتقى المَحَامِدِ، لا تُحصَى شمائِلُه، ولا تَنحَصِر فَضَائله، فاقت أخلاقه مكارمِ الأخلاق، وأثنى عليها القَادِرُ الخلَّاق سبحانه في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: 4].

  • يا مُصْطَفَى منْ قبْلِ نشْأةِ آدَمٍ       والكوْنُ لمْ تُفْتَحْ لهُ أغْــــــلاقُ
  • أيَرومُ مخْلوقٌ ثَناءَكَ بعْــــدَما      أثْنَى علَى أخْلاقِكَ الخـــــلاقُ

كان سيدنا رسول الله ﷺ ليّنَ الجانب، دائم البِشْر، من رآه بديهةً هابه، ومن خَالَطَه مَعْرِفةً أحبَّه، يُجيب دعوةَ من دَعَاه، ويُكرم كريمَ كلِّ قوم، ويُوَلِّيه عليهم، ويُنزِل النَّاس مَنَازِلَهم، ويَقْبَل الهديَّة ولو يَسِيرَة، ويأكل مِنها، ويُكَافِئ عَلَيها، ولا يَقْبَل الصَّدقة، ولا يأكلها، ويَقبَل من النَّاس عَلَانِيَتَهم، ويَكِلُ إلى الله سَرَائِرهم، ويُقيل ذوي الهيئات عَثَرَاتهم، ويُنفِذُ الحقَّ؛ وإنْ عَادَ عليه وعلى أصحابه بالضَّرر، لَا يهوله من أُمُور الدُّنيا شيء، ولا يحتقر مِسكينًا لِفَقرِه، وَلَا يَهَابُ مَلِكًا لِمُلْكِهِ، يمشي مع الأرملة والمسكين والضَّعيف في حوائجهم، ويحمِل مَتَاعه بِنَفسه، ويُكرم ضُيوفه بنفسه، ويقضي حوائِجَه بِنَفسه.

وكان ﷺ أوسع النَّاس صدرًا، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبيعة، وأكرمهم عِشْرة، وأبعدهم غَضَبًا، وأسرعهم رضًا وفيئًا، يَصِل من قَطَعَه، ويُعطي من حَرَمَه، ويعفو عمن ظَلَمه، ويسبق حلمُه جهلَه، ولا يزيده جهلُ الجاهل إلا حلمًا، ولا كثرةُ الأذى إلَّا صبرًا، ولا يُكافئ السَّيئة بالسيئة؛ ولكنْ يعفو ويصفح. وما سُئِل أنْ يدْعُو على أحدٍ إلَّا عَدَلَ عن الدُّعاء عليه إلى الدُّعَاء له؛ وربما أَجَابَ السَّائل بِقَوله: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً». [أخرجه مسلم]

وكان سيِّدنا رسول الله ﷺ خير النَّاس لأهله، وأَحنَاهُم على الصَّغير، وأرأفهم بالضَّعيف، وأرفقهم بذي الحاجة، لا يَجْفُو عَلَى أَحَدٍ، ويَعْرِف لكلِّ ذي حقٍّ حقَه. وهو رجل الدَّولة العَادل، المُصلح لأمر الرَّعيَّة، النَّاظر في العواقب، المُستقبل للوفود، المُبرم للعُهود، المُدبِّر لأمور الحُكْم والسِّياسة. وهو السَّمْح المُتَسامِح في غير ضعف، القويّ الحازم في غير شِدَّة، المُعايِش بالمعروف والقِسْط لمن سَاَلمَه ولو لم يؤمنْ به؛ جاعلًا ما للمسلمين له، وما عليهم عليه. وهو قاضي الحقّ، وحَكَم الصِّدق، الذي لا يَقبَل شفاعةً في حدٍّ، ولا مُماطلة في أداء دَيْنٍ، ولا مُمانعةً في استيفاء مظلمة، كل النَّاسِ في الحقِّ سواءٌ لديه.

  • وَإِذا قَـضَـيـتَ فَـلا ارتِيابَ كَأَنَّــما      جـاءَ الـخُصومَ مِنَ السَـماءِ قَضاءُ

وكان سيدنا رسول الله ﷺ مَوفُور العقل، قويّ الحواس، فصيحَ اللسان، يخاطب كلَّ أمة بِلِسَانِها، ويُحاورها بلَهْجَتِها، ويُباريها في مَنْزَع بلاغَتِها. قولُه فَصْلٌ، يتخيَّر لفْظَه، كلماتُه جوامع، غزيرةُ المعاني، قليلةُ المباني، حكيمةٌ مُحكمةٌ، كقوله ﷺ: «الأعمال بالنِّيات»، «المرءُ مع مَنْ أحَبَّ»، «أسْلِمْ تَسْلَمْ»، «الظُّلم ظُلُمات»، «النَّاس معادِن»، «الدِّين النَّصيحَة»، «عليكمْ بسنَّتي»، «المُسْتشار مُؤتَمن»، «الزَّعيم غَارِم»، «لا يُلْدغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مرَّتين»، «السَّعيد مَن وُعِظَ بغيره»، «امْلِك عليك لسانَك، ولْيَسعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك»، «اتقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعْ السَّيئَةَ الحسنةَ تمحُها، وخَالِق النَّاس بخُلُق حَسَن»، وغير ذلك كثير.

  • يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً        حَديثُكَ الشَّهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ

وكان سيدنا رسول الله ﷺ طويلَ السُّكوت في غير كِبْر، لا يقول المنْكَر، ولا يقول في الرِّضا وَالْغَضَبِ إِلَّا الْحَقَّ، ولا يتكلَّم إلَّا فيما يَرْجُو ثَوَابَه، ويُعرض عمّن تكلَّم بغير جميل، ويُحدّث حديثًا لو عدَّه العادُّ أحصَاه. إذا صَمَتَ عَلَاهُ الوقَار، وكان سُكوتُه على أربع: الحِلْم، والحَذَر، والتَّقدير، والتَّفكير، وإذا تكلَّم عَلَاهُ البَهَاء؛ وظَهَر سدادُ رأيهِ، ورُجْحَانُ عقلهِ، وجَوْدةُ فِطنَتهِ.

  • سهلٌ رقيقٌ رحــيمٌ لـيّنٌ رؤفٌ     تَألَّفَ اللفظُ في معناه بالحِكَمِ

قد بلغت مكانته ﷺ عُلَا منَازِل الكرامة، ودرجات القُدس، ومراتب السَّعادة في الدارين، فهو خليل الرَّحمن ﷺ، سيّد الثَّقلين، وأفضل الآدمِيين، وأول المُسلمين، ورحمة الله للخلق أجمعين، الشَّهيد، البشير، النَّذير، صاحب الحوض، والكوثر، والمقام المحمود، أمانُ أمته، أقسم الله بحياته وبلده، ولم يناده باسمه قطُّ، وأقسَمَ له، ونهى عن رفع الصَّوت عنده، أو مناداته باسمه، وزكَّى خُلُقَه، وشَرَحَ صدرَه، ووَضَعَ وِزره، ورَفَعَ ذِكره؛ فما مِن خطيبٍ، ولا مُتشهّدٍ، ولا صاحبِ صلاةٍ إلَّا يذكر اسمَه ﷺ مَقرونًا باسم الحقِّ سبحانه.

  • أغَـــــرُّ، عَلَــــــيْهِ لِلنــُّبُوَّةِ خَاتَـــــمٌ      مِـــنَ اللَّهِ مَشْهُــودٌ يَلُوحُ ويُــشْهَدُ 
  • وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اســـمهِ        إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
  • وشــــــقّ لهُ منِ اسمهِ؛ لِيُـــــــجلَّهُ       فذو العرشِ محـمودٌ، وهذا محمَّدُ

وهو مِنَّة الله على عباده، طاعتُه طاعةٌ لله، ومَنْ بايعه؛ فقد بايع الله، كان نبيًّا وآدم مُجندَل في طِينته، وفُضِّل على الأنبياء بستٍّ: أُعطِي جوامع الكلم، ونُصِر بالرُّعب، وأُحِلَّت له الغنائم، وجُعِلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، وأُرسِل إلى الخَلْق كافَّة، وخُتِم به النَّبيون، له العَهْد عليهم، وأولى بهم مِن أُممِهم، وبالمؤمنين من أنفسهم، مَعْلومةٌ عند أهل الكتاب صِفتُه، ولا يُقبَل إيمان عبدٍ إلا إذا آمن به.

أُعْطِي مفاتيح خزائن الأرض، والوَسِيلَة، والفضيلة، وغُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، تكفَّل الله بحفظه وعِصمته، وحِفْظِ دينه، وكَفَاه المستهزئين، وجعله هاديًا ونورًا، وخصَّه بالصلاة عليه، وأتمَّ له النِّعمة، وأنزل عليه السَّكينة، وأيَّده بالملائكة، وآتاه الحكمَة، والسَّبع المثاني، والقرآن العظيم.

وهو أول من تنشق عنه الأرض، وحامل لواء الحمد؛ وما من نبي إلا تحت لوائه يوم القيامة، يَدْخُل الجنةَ من أمَّتِه سبعون ألفًا بغير حساب، ولا سابقة عذاب، وهو أول من يدخل الجنَّة، وأول شافع ومُشفّع، وإليه تفزع الأمم؛ لتفريج همّ الموقف الأعظم، لا يتمثَّل الشَّيطان في صورته، ورُؤيته في المنام حقٌ، وله المكانة عند ذي العرش، بين بيته ومِنبره روضةٌ من رياضِ الجنة.

فصلِّ اللهم عليه، وعلى آله وصحبه، وسَلِّم تسليمًا كثيرًا.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.