الأزهر والفاتيكان .. محطاتٌ حوارية

  • | الإثنين, 26 فبراير, 2018
الأزهر والفاتيكان .. محطاتٌ حوارية

     للأزهر الشريف تراثٌ عريق في تأصيل الدعوة للسلام العالمي، وفي الدعوة لتوثيق روابط الأخوة الإنسانية الإسلامية، والإسلامية الإنسانية؛ بدايةً من رسالة الشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر، رحمه الله، في بيان أصول السلام الإسلامي والأخوة الإنسانية، في مؤتمر الأديان بلندن 1936م، وكانت غالبية شعوب الإنسانية وقتها قد اصطلت بنيران الحرب العالمية الأولى، وبعد أقل من عقدين، كانتْ نُذُرُ الحرب الثانية تلوحُ من جديدٍ انطلاقًا من قلب القارة الأوروبية  نفسها، وما أشبه اليوم بالبارحة، فهذا هو حال العالم اليوم، وهذا هو ما يردده صباحَ مساءَ فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في كل المناسبات والمؤتمرات الدولية؛ مما يدل على أن الأزهر لا يلبس أرديةً مختلفة تتنوّع وَفْقَ الاتجاهات المتعارضة، بل يلتزم بمنطق الإسلام في مواجهة الأحداث، وآية ذلك أن رجال الأزهر اليوم يقولون عن اعتقادٍ ما قاله أسلافهم الفاقهون، لا لأن اللاحق يُقلِّد السالف، بل لأن المصدر واحدٌ لا يختلف، وهو القرآن الكريم.
ويمكننا من خلال التواريخ التالية التعرُّف على أهم محطات الحوار التي جمعت بين مصر الأزهر ودولة الفاتيكان، من بداية العَلاقة حتى الآن.
• 7 يونيو 1929: إنشاء دولة الفاتيكان بالاستقلال عن الدولة الإيطالية، وَفْقَ اتفاقية "لاتران" التي تمّ توقيعها بين الحكومة الإيطالية - التي كانت آنذاك فاشيّةً بقيادة الزعيم الفاشي موسيليني - وممثل البابا بيوس الحاديَ عشرَ، الكاردينال بيترو كاسباري.
• 23 مايو 1947: بداية إقامة عَلاقات دبلوماسية بين مصرَ والفاتيكان.
• 1962- 1965: ناقش المجمع الفاتيكاني الثاني على مستوى مذهبي-عَقَدي مشكلة العَلاقة بين الكنيسة والديانات غير المسيحية، لأول مرة في تاريخ الكنيسة، كما أولى هذا المجمع اهتمامًا خاصًّا بالإسلام؛ فللمرة الأولى منذ أربعةَ عشرَ قرنًا من وجود المسيحية والإسلام يتحدّث مجمعٌ مسكوني كاثوليكي عالمي بصورةٍ إيجابية عن المسلمين، مُعترِفًا بوضعهم الديني المتميّز كعقيدةٍ توحيدية، وهي العقيدة السامية، التي سوف تؤدّي إلى التفاهم المتبادَل والصَّون والتعزيز المشترَك "للعدالة الاجتماعية والسلام"؛ ولهذا شبّهت المطبوعاتُ الكاثوليكية التغييرَ الحاصل في موقف الكنيسة تُجاهَ الإسلام بـ"الانقلاب الكوبرنيكي"، وقد قوبلت دعوة هذا المجمع الفاتيكاني الثاني القائلة: "على الجميع أن يَتَناسَوْا الماضيَ وينصرفوا بإخلاصٍ إلى التفاهم المتبادَل" بارتياحٍ وترحيب سواء ضمن أوساط الكنيسة الكاثوليكية ذاتِها، أو في العالم الإسلامي.
• أبريل 1994: زيارة الكاردينال هانز كونج، رئيس حوار الأديان بالفاتيكان في حينها، فضيلةَ الإمام الأكبر جاد الحق علي جاد الحق؛ ليطمئن على صحته أثناء علاجه بمدينة برن في سويسرا، وقد اجتمع الرجلان في جلستين امتدّتا لمدة خمس ساعات أسفرتا عن بناء عَلاقةٍ من الثقة والمودة بين الجانبين، ومهدت للمحطة التالية.
• 28 مايو 1998: توقيع وثيقة تشكيل اللجنة المشترَكة للحوار بين الأزهر والمجلس البابوي للحوار بين الأديان، التي تمّ التوقيع على إنشائها بالفاتيكان، من قِبَل وكيل الأزهر الشيخ فوزي فاضل الزفزاف والدكتور علي السمان، رئيس لجنة الحوار بالأزهر آنذاك، وهو ما يعني بداية التنسيق على الصعيد الديني، وقد استقبل البابا يوحنا بولس الثاني، بابا الفاتيكان آنذاك، وفدَ الأزهر، في اليوم التالي لتوقيع الاتفاقية، وألقى كلمةً رسمية رحّب فيها بوفد الأزهر، كما أشار فيها للأهمية التاريخية لهذه الوثيقة.
• 24 فبراير 2000:  البابا الراحل يوحنا بولس الثاني يزور القاهرة في أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى مصر؛ وذلك بناء على دعوة من الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشهدت الزيارة محادثاتٍ بين الجانبين حول العَلاقات الثنائية، ومسيرة السلام في الشرق الأوسط، كما قام البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، كما زار شيخَ الأزهر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي، رحمه الله.
• 13 مارس 2006: الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك يزور الفاتيكان، ويلتقي البابا بندكت السادسَ عشرَ، وهي الزيارة الأولى لرئيسٍ مصري إلى الفاتيكان، وتطرّقت المحادثات إلى العَلاقات الثنائية واستعراض مستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
• 12 سبتمبر2006: بداية التوترات بين مؤسسة الأزهر ودولة الفاتيكان، وذلك بعدما قام البابا السابق بنديكت السادسَ عشرَ، بالاستشهاد في محاضرةٍ بجامعة ريجنسون بألمانيا بقول أحد الفلاسفة، الذي ربَط بين الإسلام والعنف وفكرة الجهاد؛ وهو ما أثار استياء الأزهر، فقام الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر بتجميد الحوار لعامين.
• 6 نوفمبر 2007: زار وزير الخارجية وقتها أحمد أبو الغيط الفاتيكان، والتقى المطرانَ دومينيك مامبرتى، وزير خارجية الفاتيكان، وتطرّقت المحادثات حول سبل التعاون المشترك بين مصرَ والفاتيكان في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وبصفةٍ خاصّة عملية السلام.
• 17مايو 2008: سرعان ما توقّف الحوار مرّةً أخرى، بعد أن قام البابا السابق بنديكت السادسَ عشرَ ببعض التصرفات التي أثارت  الأزهر.
• 23 – 24 فبراير 2010: عقدت لجنة الحوار أعمالها بمشيخة الأزهر الشريف،  برئاسة كلٍّ من: فضيلة الدكتور محمد عبد العزيز واصل، رئيس لجنة الحوار، ونيافة الكاردينال جان لوي توران، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، حيث تناول المشاركون تَناميَ ظاهرة العنف الديني ، وكيفية مكافحتها.
• يناير 2011: تزايدت التوترات بين مصرَ والفاتيكان، بعد قيام البابا السابق بنديكت السادسَ عشرَ بالإدلاء بتصريحات عقب حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، طالَبَ فيها بحماية المسيحيين في مصر، وهو ما اعتبره فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تَدَخُّلًا في الشئون المصرية، وانتهى الأمر إلى قطيعةٍ تامّة.
• 13 مارس 2013: أدّى تولّي البابا فرنسيس الأول رئاسةَ الكنيسة الكاثوليكية، إلى المساهمة في إعادة العَلاقات مرّةً أخرى مع الأزهر، فقد أكّد في أول تصريحاته؛ أن أولويّاتِه هي مكافحة الفقر وتكثيف الحوار مع الإسلام، وبادَرَ الأزهر بتهنئة البابا الجديد، وأكّدت المشيخة فى بيانٍ لها؛ أن عَودة العَلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهونة بما تُقدِّمه مؤسسة الفاتيكان من خطواتٍ إيجابية جادّة، تُظهِر بجلاءٍ احترامَ الإسلام والمسلمين.
• 24 نوفمبر 2014: كان هذا هو تاريخ ثاني زيارةٍ رئاسية مصرية للفاتيكان، حيث اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي مع البابا فرنسيس؛ تلبيةً للدعوة الموَجَّهة إليه من قداسة البابا، وأكّد الجانبان خلال اللقاء استئنافَ الحوار بين الأزهر والفاتيكان؛ عن طريق إعادة تفعيل لجنة الحوار المشترَك مع الأزهر الشريف، للبناء على القَواسِم المشترَكة التي تنطلق منها الديانتان الإسلامية والمسيحية، والتي يمكن البناء عليها لتعزيز التعايش المشترَك بين الشعوب، وتدعيم جهودها في مواجهة الأفكار المتطرفة.
• ومن الجدير بالذكر، في هذا السياق؛ أن نشير إلى طرْح الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، فكرةَ الحوار بين الشرق والغرب، شتاءَ 2014، وقد شجّعه في ذلك مجلسُ حكماء المسلمين، كما استقبل حكماءُ الغرب هذا الطرح بالترحاب؛ فكانت النتيجةُ خمسَ جولاتٍ للحوار بين الشرق والغرب، بدأت في يونيو 2015، وجابت مدن العالم؛ فلورنسا وباريس وجنيف وأبوظبي، وأخيرًا القاهرة.
• 22 مايو 2016 :  الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، يزور الفاتيكان في أول زيارة لشيخ الأزهر إلى مَقَرّ الفاتيكان، واستقبله البابا فرنسيس، وبحث الجانبان جهود نشر السلام والتعايش المشترَك، في زيارةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ المؤسستين الدينيتين، كما ناقشَا تنسيقَ الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل نشر ثقافة الحوار والتعايش بين الشعوب والمجتمعات.
• 16 يوليو 2016: قام وفدٌ كَنَسيٌّ من الفاتيكان، ضمّ كلًّا من الأب أنزو فورتنانتو والأب ماورو جامبيتى، من كاتدرائية القدّيس فرنسيس البابوية في مدينة آسيزي، بزيارةٍ لمصرَ، والتقى الوفدُ حلمي النمنم وزير الثقافة، حيث بحث الجانبان التعاون بين وزارة الثقافة المصرية والكاتدرائية، في عمل مبادرةٍ دوليّة لتَحاوُر الأديان والتبادُل الثقافي، وإقامة مؤتمرٍ دَوْليٍّ عام 2019 عن "حوار الثقافات"، يتمّ الإعداد له وتنظيمه من حينها.
• 22 فبراير 2017: استئناف جلسات الحوار بين الأزهر والفاتيكان؛ حيث تمّت مناقشة دَور المؤسستين في مجابهة التعصب و التطرف والعنف باسم الدين.
سافر فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، خلال هذه الفترة، بين عامَي 2016-2017، في رحلاتٍ عديدة، داعيًا إلى السلام وناشرًا رُوحَ التسامح والتعايش ونبْذَ العنف والكراهية؛ فتجده في فرنسا مؤازِرًا ومُسانِدًا ضحايا الإرهاب الغاشم في مسرح الباتاكلان، مستنكرًا أيَّ عملٍ إرهابي؛ ومن قلب البرلمان الألماني، يُصرِّح بأن "قادة الرأي الدينيين تقع عليهم مسئوليةٌ كبيرة، في نشر ثقافة التعايش والتسامح، وأن جميع الأديان تتبرّأ من الإرهاب والقتل وترويع الآمِنين"؛ ومن قلب إيطاليا بداخل دولة الفاتيكان، يمدّ يد السلام والمحبة مصافحًا للمرة الأولى، بصورةٍ مفعمة بالشجاعة والمثابرة والتسامح والمعايشة، قداسةَ البابا فرنسيس؛ ليقول للعالم أجْمعَ: إن الإسلام يُشجِّع ثقافةَ الحوار، خصوصًا مع الأديان المختلفة، وأن السلام والتسامح والحوار واحترام إنسانية الآخَر مهما كان دينه أو لونه أو عِرْقه، هي تعاليم أقرّتها جميع الأديان السماوية والتقاليد والأعراف الإنسانية.
• 27- 28 إبريل 2017: وتعزيزًا لروح الحوار والتسامح، استضاف فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر وفدًا من مجلس الكنائس العالمي، برئاسة أجنيس أبووم، والأمين العامّ أولاف فيكس فيت، في اليوم السابق لانعقاد مؤتمر السلام، وصرّح قائلًا: "إن المواطنة والتعايش السلمي المشترَك يُمثِّلان التحدياتِ الأكبرَ، وموضع اهتمام القادة الدينيين؛ للقضاء على التعصب والإرهاب وتنظيراته الهشّة والمُضَلِّلة"، كما دعا فضيلة الإمام الأكبر قداسةَ البابا فرنسيس إلى المشاركة في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، الذي عُقد في 27-28 أبريل –نيسان- 2017، وحضَره جمعٌ كبير من الشخصيات الدينية والسياسية المرموقة؛ من بينهم فضيلة الإمام الأكبر، وقداسة بابا الفاتيكان، وغبطة البطريرك برثلماوس الأول رئيس أساقفة القسطنطينية، حيث اجتمع على أرض مصر الكنانة مهد الحضارات ومَسْرَى الرسل والأنبياء، رأسَا الكنيسة الشرقية والغربية تحت قُبّة الأزهر الشريف، بالإضافة إلى العديد والعديد من الطوائف والمذاهب المختلفة؛ بروتستانت وإنجيليون وزرادشتيون ورؤساء ووزراء وأكاديميون في مختلِف المجالات، "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام"، الحدث المهيب الذي إن دلّ فإنما يدلّ على مساعي الأزهر الحثيثة إلى نشر ثقافة السلام والسلم العالمي، وتفعيل ثقافة الحوار مع الآخَر؛ إعمالًا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125)، واستجابةً للأمر الإلهي: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: 83).
صرّح فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب في افتتاح المؤتمر قائلًا: إن "الرِّسالاتِ السماويةَ تَتطابَق في مُحتَواهَا ومضمونها، ولا تختلِف إلَّا في بابِ التَّشريعات العَمَليَّة المُتغيِّرة".
 وبحضور قداسة البابا فرنسيس إلى مصرَ وزيارته مَقَرّ مشيخة الأزهر الشريف، تكاتفت الجهود المشتركة بين الأزهر والفاتيكان، وتَبَاحَثَ الإمام والحبر في العديد من القضايا الراهنة، ثمّ انتقلَا إلى مركز الأزهر للمؤتمرات، حيث تقام فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر العالمي للسلام، وفي الكلمات التي ألقاها كلٌّ من: الإمام الأكبر أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس الأول، أزيلت كل الحواجز، وامتنعت الخطوط الحمراء؛ خاطبوا بكلماتهم ضميرَ العالم، ووضعوا نُصْبَ أعْيُن الجميع موطنَ الداء الذي يفتك بآلاف الأبرياء ليلَ نهارَ، وقد صرّح الإمام الأكبر في كلمته قائلًا: "إن الأرضَ الآنَ أصبحت مُمَهَّدةً لأنْ تأخذَ الأديانُ دَورَها في إبرازِ قيمَة «السَّلَام» وقيمَة العَدْلِ والمُسَاواةِ، واحتِرامِ الإنسان أيًّا كان دينُه ولَونُه وعِرقُه ولغتُه، وفي القُرآن الكريم الذي يَتلوه المسلمون صباحَ مساءَ، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(الإسراء: 70)، كما نقرأ في باب التعارُف والتراحُم قولَه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...﴾ (الحجرات: 13).
كما أكّد فضيلته؛ أنَّ "الأزهرُ لا يَزالُ يسعى من أجلِ التعاون في مجال الدَّعوَةِ إلى ترسيخ فلسفة العَيْش المُشتَرَك وإحياء منهجِ الحوار، واحتِرام عقائد الآخرين، والعملِ معًا في مجالِ المُتفق عليه بين المؤمنينَ بالأديان، وهو كثيرٌ وكثير".
 وصرّح قداسة البابا فرنسيس في كلمته قائلًا: "إننا مدعوّون دَومًا، في مجالِ الحوارِ بالتحديد، ولا سيّما الدينيّ منه، إلى السيرِ معًا، مؤمنينَ أن مستقبلَ الجميع يتعلّقُ أيضًا باللقاءِ ما بين الأديان والثقافات، إننا مدعوّون، في هذا التحدّي الحضاريّ المُلِحِّ والمشوِّق، مسيحيّين ومسلمين، والمؤمنين جميعًا، إلى تقديم مساهمتنا، نعيش تحت شمس إلهٍ واحد رحيم، ويمكننا من هذا المنطلَق، أن ندعوَ بعضَنا بعضًا إخوةً وأخوات؛ لأنّ حياة الإنسان دون الله تكون مثل السماء دون الشمس، لتُشرِقْ شمسُ أخوّةٍ متجدّدة باسم الله، وليَبزُغْ من هذه الأرض التي تعانقها الشمس، فجرُ ثقافة السلام واللقاء، بتضرعات القديس فرنسيس الأسيزي، الذي أتى مصرَ قبل ثمانية عقود، وقابَلَ السلطانَ مالك الكامل؛ من أجل تفادي الصراعات وبناء السلام".
 ومع ختام كلمة قداسة البابا في مؤتمر السلام، ما كان من قامتين كبيرتين يأخذان على عاتقهما آمال شباب المستقبل، سوى أن يكونَا نموذجًا يُحتذى به في الحوار، وأن يُجَسِّدَا صورةً يُخلّدها التاريخ على مَرّ العصور والأزمان، بعِناقٍ أخويٍّ على الملأ، هذا العِناق الذي وصفه جيامباولو كانتيني السفير الإيطالي بالقاهرة؛ بالعِناق التاريخي.
• 6 نوفمبر 2017: استكمالًا للجهود المشترَكة بين الأزهر والفاتيكان، وتعزيزًا لمفهوم الحوار مع الآخَر؛ قام فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب بزيارةٍ إلى العاصمة الإيطالية روما، في السادس من نوفمبر تشرين الثاني عام 2017؛ وذلك للمشاركة في النسخة الثالثة للحوار بين الشرق والغرب، والذي تنظّمه جمعية سانت إيجيديو بالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين، والذي عُقد في السابع من نوفمبر -تشرين الثاني- من العام الحالي، وقد استقبل قداسة البابا فرنسيس في المقر الخاص به، بعظيم المودة والمؤاخاة، فضيلةَ الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب والوفدَ المرافق له، في تمام الساعة الحاديةَ عشرةَ صباحًا، السابع من نوفمبر -تشرين الثاني- الموافق يوم الثلاثاء، وهو اليوم الأسبوعي الخالي من الأعباء والالتزامات بالنسبة للبابا فرنسيس، في إشارةٍ جيدة لروح المودة التي تجمع البابا فرنسيس والإمام الأكبر أحمد الطيب، وقد قامت هذه الزيارة على أساس الحوار بين الشرق والغرب، وتَهدِف إلى تعزيز سُبُل التعايش وتكثيف الجهود المشتركة؛ من أجل تعزيز السلام في العالم ومواجهة التطرف والتعصب.
وقد أكّد فضيلة الإمام في كلمته: "أن هذا الاجتماع، ومن قبله اجتماعاتٌ أخرى شبيهة، ليست ترفًا؛ بل هي ضرورةٌ"، كما أعلن فضيلته عن "استعداد الأزهر الشريف لتقديم كل ما يملك من خبرةٍ؛ من أجل تعاون –وبلا حدودٍ– من أجل نشر فكرة السلام العالمي، وترسيخ قيَم التعايش المشترَك، وثقافة حوار الحضارات والمذاهب والأديان"، وأكّد أيضًا "ضرورةَ الحوار بين الشَّرق والغَرْب، وحتميَّةَ استمرارِه بين حُكماء الفريقين وعُقلائهما؛ لانتشالِ حضارتنا المعاصِرة مِمَّا أوشك أن يعودَ بها إلى عصورِ الجَهْل والظَّلام، على سبيلِ الحقيقة وليس على سبيلِ المَجاز".
 ويرى الإمام الأكبر: أن "الدين ليس عقبةً أمام الحوار، بل هو أساسٌ له "كطَوْقِ نجاة".
 واختتم فضيلة الإمام أحمد الطيب كلمته بالدعوة إلى "احترام الأديان الأخرى واحترام المؤمنين بها، احترامًا لا يَقِلّ عن احترام المسلم نفسِه لدينه، وفي هذه النقطة تحـديدًا زلّت أقدام المتشددين والمتطرفين، ونبعت دعوات تكفير الآخَر وإرهابه وقتله"، وعلى هامش زيارة الإمام الأكبر إلى روما، التقى رئيسَ الوزراء الإيطالي، باولو جنتيلوني، الذي أشاد من جانبه بجهود الأزهر الشريف في مجال الحوار بين الشرق والغرب ومكافحة الإرهاب، كما أكّد "جنتيلوني" خلال الاجتماع على العَلاقات العميقة بين مصرَ وإيطاليا، مُشيدًا بالدور الذي لعبه الأزهر في تعزيز الحوار بين الشرق والغرب.
• 17- 18 يناير 2018:  انعقدت فعاليات مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، والتي تمّت دعوة الفاتيكان للمشاركة فيه، هذا، وقد حرَص البابا فرنسيس على إرسال سكرتيره الشخصي، الأب يونس لحظي؛ للمشاركة نيابةً عنه، وإلقاء رسالته على الحضور باللغة العربية، والتي كان قد تمّ تسليمها ليلةَ المؤتمر إلي فضيلة الإمام، بحضور السفير البابوي بمصر، المطران برونو موسارو، حسَب ما ذكرته وكالة "سير" الإيطالية الإخبارية، بتاريخ السابعَ عشرَ من يناير -كانون الثاني- 2018.
وتابعتْ وكالة "سير" الإيطالية في تغطيتها لليوم الأول من المؤتمر، أهمّ ما تضمّنته رسالة البابا فرنسيس؛ حيث استهلّها بتوجيه الشكر إلى فضيلة الإمام على الدعوة التي وُجّهت له ـ في السادسَ عشرَ من كانون الأول، ديسمبر الماضي ـ للمشاركة في هذا اللقاء.
 وجاء في الرسالة التي حملتْ تاريخَ العاشر من -كانون الثاني- يناير؛ أن أعمال المؤتمر تزامنتْ مع الزيارة الرسولية التي يقوم بها البابا إلى تشيلي وبيرو، لافتًا إلى أنه لن يكلّ من طلب عطيّة السلام الحقيقي من الله، وشدّد البابا في هذا السياق على أنه يرفع الصلواتِ؛ كي يلتزمَ جميع المسئولين عن الأمم والسلطات المدنية والدينية أينما وُجدوا، في إبعاد شبح دوّامةٍ جديدة من التوترات، ويبذلوا كل جهد ممكن من أجل تغليب التوافق والعدالة والأمن لصالح شعوب تلك الأرض المباركة.
جهودٌ مشتركة بنّاءة يقوم بها قطبَا الدين الإسلامي والدين المسيحي، نقاط تواصل هدفها بناء الجسور بين الشعوب على اختلافها، وتوطيد أواصر الصداقة والأخوة الإنسانية؛ كي يتحقّقَ السلام المأمول عن طريق الحوار مع الآخَر بالحسنى، والتعارف الكُلّيّ به واحترام معتقدَه وثقافته، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فتسود بذلك روح التسامح والتعايش السلمي، وينعم الفرد والمجتمع العالمي بالسلام والطمأنينة.

وحدة الرصد باللغة الإيطالية

 

طباعة