خلال كلمته بمؤتمر «تجديد العلوم العربية والإسلامية بين الأصالة والمعاصرة».. الدكتور نظير عياد: عظمة الدين الإسلامي تكمن في تجاوزه لحواجز الزمان والمكان
لا توجد مؤسسة سنية قادرة على طرق باب التجديد في الفكر الإسلامي والقيام به وفق منطلقاته وآلياته كالأزهر الشريف
قال أ.د/ نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الحديث عن موضوع التجديد، تنوعت الرؤى والأطروحات حوله وأضحت موضوع الساعة، وحديث العلماء والمفكرين والساسة والمصلحين، وإن اختلفت آلية العرض، وطرق الطرح، وأساليب المعالجة، ويزداد الحديث عن التجديد عندما يكون متعلقا في بالفكر الإسلامي الذي ختم الله به الرسالات، ولاسيما مع سماته التي تدفع إلي التجديد، وخصائصه التي تحتمه، ونصوصه التي توجبه.
وأوضح فضيلته خلال كلمته بالمؤتمر العلمي الذي نظمته كلية الدراسات الإسلامية بنين بكفر الشيخ، اليوم السبت، تحت عنوان: «تجديد العلوم العربية والإسلامية بين الأصالة والمعاصرة»، أن أهم خصائص الفكر الإسلامي وأهم سماته أنه يجمع بين الثبات والمرونة؛ وهذه قاعدة أصيلة يمكن الانطلاق من خلالها لبحث هذا الموضوع، وتحديد ما يقبل التجديد، مبينا أن أحكام الإسلام تأتي في قسمين: الأول: الثابت الذي لا يقبل التغير، وهو قليل جدا، والثاني: هو المتغير الذي يقبل الاجتهاد، وتتغير فيه الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والحال؛ لأن ما يناسب زمانا قد لا يناسب زمانا آخر، وما يستقيم في مكان قد لا يستقيم في مكان آخر.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن عظمة هذا الدين تأتي من خلال تجاوزه لحواجز الزمان والمكان؛ فهو صالح لكل الأزمنة مهما تعاقبت، ولكل الأمكنة مهما اختلفت وتنوعت وتباعدت، فهو لا تتسامى عليه الحدود، وهذه ما يؤكد عالميته، فقد كشفت نصوص الدين عن هذا الجانب، وأشارت إليه من خلال بعث الله المجددين على رؤوس القرون: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمردينها دينها)، وقد أدرك أعلام الحضارة الإسلامية منذ العصور الأولى هذا الأمر، وفطنوا له، فعملوا لأجله، فأقاموا حضارة، وكونوا دولة، وأوجدوا أمة، وقبل هذا كله عرضوا الدين، ونشروه، وحافظوا عليه بعيدا عن الافتراءات، وجنبوه الاتهامات؛ فكانت تلك الحضارة المتنوعة التي جذبت العقول، وخطفت الأفئدة، واستظل بظلها كل بني الإنسان، دون تمييز أو محاباة، وارتحل إليها طلاب العلم، وراغبو المعرفة من كل حدب وصوب، وشهد بسموها وسمو أهلها، وعظمة مصادرها.
وأشار فضيلته إلى أن التجديد في الفكر الإسلامي ضرورة ملحة لمجابهة المسلمين لأخطار عديدة تهدد دينهم؛ عقيدة وشريعة وسلوكا، ومواجهة خصوم وأعداء ألداء يحاولون النيل منهم، والقضاء على دينهم وتراثهم؛ خصوصا أن أعداء الأمس غير أعداء اليوم، والشبه المثارة اليوم غير التي كانت موجودة بالأمس، فضلا عن مشكلات متعددة ومتنوعة يعيشها العالم الإسلامي خاصة؛ ومن ثم فلابد من طرح جديد، وعرض مستحدث لقضايا الدين ومسائله، بما لا يخل بالثوابت، أو يتعارض مع القطعيات، وفي الوقت نفسه يتجاوب مع الواقع ومعطياته.
وبين الدكتور نظير أن التجديد في الفكر الإسلامي يعمل على قيادة مسيرة الحضارة الإسلامية في طريقها الإسلامي الصحيح، مضيفا أنه في تقديره لا توجد مؤسسة سنية قادرة على طرق باب هذا المجال، والقيام به وفق منطلقاته وآلياته، وتحديد أهدافه، وإظهار معالمه، وحصر قضاياه، كالأزهر الشريف؛ هذه المرجعية الدينية السنية للعالم الإسلامي، خصوصا مع نظرتها المعتدلة لطبيعة التجديد؛ إذا هي تنظر بصورة موضوعية معتدلة، فهي لا تراه خروجا على الثوابت، أو طعنا في الموروث، أو انتقاصا للجهد المتروك من السابقين، وإنما تنظر إليه نظرة تكاملية موضوعية، تنطلق من رؤية راسخة بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وطبيعته تأبى قصره على زمن معين، أو حصره في مكان، أو تخصيصه لبيئة، أو تحديده لجماعة؛ وهذا ما ينطلق الأزهر من خلاله، ويعمل عليه من خلال إمامه، وعلمائه في قطاعاته المختلفة، وهو ما يؤكد التصاق هذه المؤسسة بأمتها وقضاياها؛ فالتجديد ليس هدفا لذاته، بل لتلبية احتياجات المجتمع الجديدة، وملاحقة متغيرات العصر، وتأكيد عالمية الإسلام، وإثبات صحته، وسلامة وصدق دعوته، وصدق من دعا إليها، بما يسهم في تشييد صرح بنيان الحضارة الإسلامية.
4144