06 مارس, 2017

"التحايل على القوانين".. في ميزان الشرع

بقلم أ.د / عباس شومان وكيل الأزهر الشريف

إلى جانب الأحكام الشرعية المستمدة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية مباشرة أو بالقياس على الأحكام المستنبطة منهما، توجد أحكام مستمدة من تشريعات وضعية تعرف بمجموعة القوانين المنظمة لعلاقات الناس فيما بينهم وعلاقة المحكومين بحكامهم، وهذه القوانين بطبيعة الحال يترتب عليها حقوق وواجبات بين الدولة والمواطنين، أو بين المواطنين مع بعضهم.

ومن ثم فهي ملزمة إلزام الأحكام الشرعية ويترتب عليها حقوقها وواجباتها وعقوباتها عند المخالفة، ومع ذلك يلجأ بعض الناس للتحايل على هذه القوانين فرارا من عقوباتها أو حصولا على مكتسباتها بدعوى أنها قوانين وضعية وضعها البشر وليست أحكاما شرعية.

ومن ذلك لجوء بعض النساء المستحقات لمعاش اجتماعي نتيجة وفاة الزوج الذي كان يشغل وظيفة حكومية إلى الزواج من رجل آخر لكن دون توثيق الزواج حتى تظل هذه الزوجة في حكم القانون أرملة مستحقة للمعاش، ومن ذلك لجوء بعض الأزواج إلى ما يعرف بالطلاق الورقي بينما تستمر الزوجية بينهما سعيا للحصول على معاش للزوجة العائلة أو بعض مكتسبات الحضانة أو نحو ذلك، ومن ذلك أيضا قيام بعض التجار بإخفاء قدر من المعلومات والبيانات المتعلقة بالدخل، وربما تزييف دفاتر وفواتير الحسابات تهربا من مستحقات مالية توجبها قوانين الضرائب على الدخل، وغير ذلك من أمور التحايل على القوانين المنظمة لحياة الناس.

وإنما يقوم بعض الناس بهذه السلوكيات التحايلية بدعوى عدم شرعية القوانين الوضعية، وهذا أمر في حقيقته باطل، لأن من حق القائمين على أمور الناس سن القوانين التي تنظم علاقات الناس فيما بينهم وتقتضيها المستجدات في حياتهم، وهذا ما حدث في الصدر الأول للإسلام؛ حيث سنت العديد من التشريعات المنظمة لأمور الرعية.

وهذه التشريعات يرجع بعضها إلى اجتهاد على هدي النصوص كجلد شارب الخمر ثمانين جلدة بعد أن كان يعاقب بالضرب غير المحدد بالجريد ونحوه، وذلك قياسا على حد القذف على اعتبار أن شارب الخمر إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى.

ومن ذلك أيضا تعيين المحتسبين لضبط الأسواق، فهو يرد إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا نجد الكثير من هذه التشريعات المنظمة لحياة الناس يرجع إلى الاجتهاد وخبرة الحكماء ويصعب إلحاقه بنص ما، ومن ذلك قيام سيدنا عمر باتخاذ سجون للحبس الاحتياطي، وتدوين الدواوين التي تعد النواة لما يعرف في زماننا بالوزارات، والتأريخ الهجري، وتقسيم القضاء إلى درجات فيما يعد تأسيسا لدرجات التقاضي المعروفة في زماننا.

ومن ذلك أيضا فصل القضاء عن السلطة السياسية والتنفيذية، وتخصيص أماكن للتقاضي بعد أن كان القاضي يقضي بين الناس في المسجد أو في بيته، واتخاذ الشرطة، وغير ذلك من التشريعات الملزمة التي وضعها الرعيل الأول، وهي أشبه بالقوانين الوضعية في زماننا، ومن الخطأ إحلالها محل الأحكام الشرعية، ومن الخطأ كذلك إسقاط إلزامها للمحكومين؛ فهي تغطي الجوانب المسكوت عنها في الأحكام الشرعية ليجتهد في صياغتها أهل الخبرة والحكمة؛ حيث إنها تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس.

ومن ثم، فالتحايل على هذه القوانين للحصول على مكتسبات غير مستحقة حرام شرعا؛ لأن مشروعيتها مستمدة من القياس على النصوص أو من المقاصد العامة للشريعة، ولذا فإن حصول المتحايل على معاش مثلا دون وجه حق يعد من أكل المال العام بالباطل وهو حرام شرعا، وكذا إخفاء البيانات والمعلومات الصحيحة من قبل بعض التجار ورجال الأعمال يحرّم الجزء المخفي من المال المستحق للدولة.

أما بالنسبة لمن يلجؤون إلى الطلاق الورقي فهناك أمر في غاية الخطورة لا ينتبه له هؤلاء أو من يفتون لهم بذلك، وهو أن هذا الطلاق يترتب على صدوره من الزوج وتوثيقه وقوع الطلاق وتحرم المعاشرة بين الرجل ومطلقته بموجب هذا الطلاق الورقي، وهو أمر في غاية الخطورة، فالطلاق متى وقع باللفظ الصريح المعبر عنه ترتب عليه أثره وإن زعموا أنه لا يراد به الطلاق حقيقة، فالطلاق من الأمور التي جدها جد وهزلها جد أيضا.


كلمات دالة: