15 مارس, 2017

خلال افتتاحه المؤتمر الأول لكلية الدراسات الإسلامية.. وكيل الأزهر: ضبط الفتوى والأداء الدعوي البداية الحقيقية لتجديد الخطاب الديني

-        الإسلام دين متجدد حتى في وصوله للناس.

-        التجديد من غير المؤهلين وغير المتجردين من الأهواء والمصالح مرفوض.

-        مناهجنا التعليمية تواكب العصر.. وسنظل نفخر بتراثنا.

 

أكد فضيلة أ.د/ عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أن التجديد في الفكر الإسلامي لازمة من لوازم شريعتنا السمحة لا يمكن أن ينفك عنها، ولا يمكن للشريعة أن تساير حاجات الناس وتواكب متطلباتهم من دونه، فالأحكام المحسومة التي لا تقبل التغيير ولا التبديل في الشريعة الإسلامية قليلة جدا؛ حيث تكاد تنحصر في أركان الإسلام وبعض المحرمات المحدودة، وفي المقابل نجد أن ما لا يُحصى من فروع الشريعة الإسلامية مرن يقبل التطويع ليناسب زمان الناس وأحوالهم.
وقال خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الأول لكلية الدراسات الإسلامية والعربية، والذي يعقد على مدي يومين تحت عنوان ( تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم)) إن الناظر المدقق في تاريخ الإسلام والمستوعب لأحكام شريعته يدرك أن الإسلام دينٌ متجددٌ حتى في وصوله للناس؛ فأركان الإسلام وفرائضه الأساسية لم تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفعة واحدة؛ حيث بدأ الإسلام بركن واحد وهو توحيد الله عز وجل والإيمان برسوله، وقد تمثل ذلك في الشهادتين، ويكاد ينحصر أكثر من نصف مدة الرسالة في إقرار هذا الركن وترسيخه في نفوس المسلمين، ثم يفرض الركن بعد الركن ويتخلل ذلك بيان المحرمات والسلوكيات والأخلاقيات حتى اكتمل الدين قبيل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم. وبناء الإسلام ركنا بعد ركن وفرض أحكامه حكما بعد حكم هو نوع من التجديد؛ حيث ينحصر الإسلام في فترة ما في ركن معين، ثم يضاف ركن ثان فثالث حتى اكتمل الدين بفرائضه وسننه، وهكذا تعد كل مرحلة من المراحل صورة جديدة للإسلام لا تغني عنها سابقتها.
وأشار إلى أن التجديد في العصور الماضية كان تجديدًا مستنيرًا بنور العقل السديد واجتهادًا منضبطًا بأصول وأحكام الشرع الحكيم، وقد يصيب فيه المجدد أو المجتهد وقد يخطئ، ولا ضير في ذلك ما دام المجدد من المؤهلين وكان تجديده نابعًا من بذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي واستظهار مناسبة الشريعة لكل زمان ومكان دون غرض دنيوي، أما إن كان التجديد من غير المؤهلين وغير المتجردين من الأهواء والمصالح فهو تجديد مرفوض، فمن غير المقبول عقلا ونقلا أن يرفع راية التجديد في الفكر الإسلامي من لا يلتزم أحكام الدين من صلاة وصيام وزكاة، ويحرم ما أحل الله ورسوله، ويحل ما حرمه الله ورسوله، ولا يقدس المقدس، ولا يقدر السلف الصالح من العلماء، وإن كانوا ليسوا معصومين، بل يؤخذ منهم ويرد عليهم، وهذا ما نقوله مرارًا وتكرارًا، لكن التطاول عليهم جريمة غير مقبولة عند أهل العلم.
وأوضح وكيل الأزهر أن بعض من يخوضون في التجديد في هذا الزمان يسلكون مسلكًا عجيبًا يكفي لتشويه الدين ويجعل مهمة تطوير الفكر الديني مهمة صعبة، بل مستحيلة؛ إذ يفتحون أبوابًا بغير مفاتيحها ولا يمكن حصر مصاريعها؛ حيث يعمدون إلى بعض النصوص الصحيحة فيقتطعونها من سياقها اللغوي ويفصلونها عن زمن ورودها وأسباب نزولها.
كما أكد د عباس شومان أن الأزهر الشريف يقوم بدوره كاملا في تجديد الخطاب والفكر الديني، ومسيرة عطاء علمائه في أداء المهام الموكلة إليهم وما يقومون به من جهد كبير في مجال تصويب الفكر الديني وضبط الأداء الدعوي خير شاهد ودليل على ذلك، وهو عكس ما يروجه من يجهل حجم الأزهر ومكانته، مشيرًا إلى الجهود التي قام بها الأزهر الشريف مؤخرًا في هذا الشأن ومنها: المؤتمر الذي عقده الأزهر لمكافحة الإرهاب عام 2014 الذي جمع فيه كافة أصحاب الأديان والأفكار لمواجهة فكر التطرف والإرهاب، والذي وضع فيه الأزهر خارطة عمل للتصدي لتلك الجماعات الارهابية. وكذلك المؤتمر الذي عقده الأزهر مؤخرًا وجمع فيه علماء المسلمين، ورجال الكنائس الشرقية والغربية، لتحديد مفهوم (الحرية والمواطنة.. التعدد والتكامل) حيث أقر المؤتمر في سابقة من نوعها مصطلح المواطنة بديلا عن مصطلح الأقليات، مُقرًّا أن جميع البشر لهم حق المواطنة الكاملة مهما اختلفت العقيدة والدين، هذا فضلا عن كثير من الندوات واللقاءات الفكرية، والجولات الخارجية التي يقودها شيخ الازهر بنفسه شرقا وغربا لنشر المفاهيم الصحيحة ليصحح ما دلسته الجماعات المتطرفة.
كما أشار وكيل الأزهر إلى جهود لجنة إصلاح التعليم، والتي قامت بتعديل مناهج التعليم قبل الجامعي وانتهت من صياغة مناهج جديدة بين أيدي طلابنا تدرس اليوم وتطبق في معاهدنا، متعجبًا من قيام البعض بنقد مناهج الأزهر التي لم يعلموا أنها تم تعديلها حتى الأن، ويتحدثون عن مناهج غير موجودة، مشددًا على أن الأزهر لا يخزى من مناهج درسها في أي مرحلة فليس في مناهجنا مدخل للإرهاب أو فكره؛ فمناهجنا التعليمية تواكب العصر، وسنظل نفخر بتراثنا وما طورناه من مناهج.
وشدد وكيل الأزهر على أن تجديد الخطاب الديني لن يتم في ظل تلك الفوضى المتعمدة، من خلال استخدام غير المتخصصين في مجالي الفتوى والدعوة، فضبط الفتوى والأداء الدعوي البداية الحقيقية لتجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أن الأزهر لم يلتفت للمحاولات التي تسعى لتعديل قانونه أو التقليل من مكانة علمائه فجميعها زائلة ومن يقف خلفها سيخسر وسيظل الأزهر الشريف منطلقا بخطواته الثابتة التي سار عليها منذ قرون لحماية الأمة من فكر التطرف والعبث.