22 مارس, 2017

كيف حمى الإسلام "الآثار وزائريها"؟

الإجابة بقلم.. أ.د / عباس شومان وكيل الأزهر

تحدثت في مقال سابق عن الآثار والفكر المغلوط لدى البعض حول الآثار، وبينت وجوب الفصل بين الآثار كأصنام تعبد من دون الله، وكونها شواهد على تاريخ الأمم وتطورها عبر العصور لتقف الأجيال على تاريخ الأجداد وتقارن بينه وبين ما وصل إليه حال الأحفاد تقدما أو تراجعا، وهو أمر غاية في الأهمية في الحالين، فإن كان حال الأحفاد أفضل رقيا وتطورا من حال الأجداد فهم إذن في الاتجاه الصحيح، وإن كانت الأخرى شحذ الأحفاد الهمم لاستعادة حضارة أجدادهم والبناء عليها لمواكبة تطور العصور ورقي الأمم، فمن العار أن ترقى أمم لا تاريخ لها ولا تراث تنطلق منه حضارتها، بينما تتقهقر أمم كان السابقون فيها ملء السمع والبصر في كافة المجالات، ويكتفي أحفادهم بالتحدث عن سبقهم لأهل زمانهم ولمن جاء بعدهم، وأحسب أن أمتنا من هذا النوع الأخير من البشر، حيث يحلو للكثير منا التباهي بتاريخنا الطويل وحضارتنا الضاربة في عمق التاريخ، بينما حالنا تفضحه أهرامات الجيزة ومعابد الكرنك وأبو سمبل وغيرها من المعالم التي تشهد على حضارة أجدادنا التي كان ينبغي بعد مرور هذه القرون - لو سرنا على وتيرتهم - أن نكون في مقدمة دول تلقفت منجزات أجدادنا، توصف الآن بالمتقدمة وتوصف بلادنا بالنامية، وهي الترجمة المهذبة للمتخلفة!

وإذا كانت الآثار تشهد على تاريخ الأمم وتحفظه من النسيان، حيث إنها الجزء الأكثر ثباتا ومقاومة لعوامل التعرية والتلف؛ فإن حمايتها واجب مجتمعي على الجميع أفرادا وحكومات، ولذا يجب منع العابثين من إتلافها ومنع المتربحين من التنقيب عنها والاتجار بها لما فيه من سرقة التاريخ وتزييفه، فالآثار ملك للشعوب وأجيالها وليست للأفراد أو الحكومات، ولذا لا يجوز التصرف فيها بما يفوّت على الأجيال فائدتها سواء بالبيع أو الهبة أو نحوهما من التصرفات الناقلة للملكية من قِبل الدولة أو الأفراد.

وإذا كان النيّل من الآثار إتلافًا أو بيعا من الأمور المجرمة والموجبة لعقاب الفاعل، فإن حماية زائريها واجب ديني وقانوني من غير نظر إلى ديانة الزائر أو قصده من زيارتها، فإن كان مسلما فلا يخفى على أحد حرمة الاعتداء عليه في دمه أو ماله أو عرضه، ولا يحتاج ذلك إلى استدلال عليه، وإن كان أجنبيا فمبدأ تأمين السياح وغيرهم من الأجانب في بلادنا لا خلاف حوله في شرعنا، فالأجنبي فور حصوله على تأشيرة الدخول يكتسب حرمة دمه وماله وعرضه، ويكتسب وجوب تأمينه حتى يغادر بلادنا ولو كان من دولة معادية، قال تعالى: «وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ» [سورة التوبة: 6]، وفي سنة رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم - العديد من الأقوال والأفعال التي تقر مبدأ تأمين المخالف في الدين من قِبل المسلمين، وقد سبق ذكر العديد منها في مقالات سابقة، ويكفي أن من بينها قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا» [رواه البخاري]، ولعل هذا الحديث وغيره وما سبق من كتاب ربنا يدل دلالة واضحة على جهل وفداحة جناية المعتدين على السياح الأجانب في بلادنا، ناقضين عهد الله وميثاقه، ومخالفين لكتاب الله وسنة نبيه الأكرم وإجماع علماء الأمة سلفا وخلفا، وليعلم هؤلاء أن جريمة نقض العهد بالاعتداء على السياح ونحوهم هي في الحقيقة جرائم مركبة من قطع الطريق أو الإفساد في الأرض الذي قد تصل عقوبته إلى الصلب في شرعنا، إضافة إلى جريمة الغدر والخيانة الموجبة لبغض الله تعالى، فقد قال عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» [الأنفال: 58]، ولذا روي أن رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل مسلم قتل معاهدا غيلة، وقال: «أنا أحق من وفّى بذمته».


كلمات دالة: