17 أكتوبر, 2017

وكيل الأزهر خلال عرضه لبحثه بمؤتمر دار الإفتاء المصرية: الفتاوى غير المنضبطة تهدد السلم المجتمعي

وكيل الأزهر خلال عرضه لبحثه بمؤتمر دار الإفتاء المصرية:
الفتاوى غير المنضبطة تُهدِّد السِّلم المجتمعي
من البلاء رجوع الناس إلى أهل العلم الزائف أو من يُنسبون إليه اسمًا فقط
أخطر أنواع الفتوى ما يترتب عليه شق الصفوف وتمزيق الوَحدة وإضعاف الأمة
من أسباب التساهل في الفتوى: بريق الشهرة وعدم استشعار المسئولية وإرضاء تيار أو جماعة أو حزب


قال فضيلة أ.د/ عباس شومان، وكيل الأزهر: إن الإفتاء إحدى أهم الوسائل لنشر وتبليغ الأحكام الشرعية التي تنضبط بها حركة الحياة، فالفتوى في طبيعتها وأصلها بيان لحكم الله في الواقع.
وأشار وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر العالمي الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية تحت عنوان: (دور الفتوى في استقرار المجتمعات) التي عرض فيها لبحثه المعنون بـ (الفتوى وتحقيق السِّلم المجتمعي)، إلى أن الفتوى بمثابة إخبار عن الله سبحانه وتعالى، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلـم، بأن أمرًا ما يحلُّ أو يحرُم، وقد عظَّمَ ربُّ العالمين أمرها، وجعل إطلاق الأحكام بالحِلّ والحرمة دون دليل أو برهان من الكذب على الله تعالى، بل أنزل الله تعالى الذين يفتون دون دليل، ويتقولون دون علم، ويتجرءون على الأحكام دون بينة؛ أنزلهم بجوار أكبر فرية، وأعظم جرم، وهو أن يشرك الإنسان مع ربه أحدًا، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون).
وأضاف وكيل الأزهر: أن منصب الإفتاء منصب جليل، وحقيق بمن يتصدر للفتوى أن يُعِدّ لها عُدّتها، وأن يتأهب لهذا الموقف أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، يقول ابن القيم: «وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكر فضله ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَّنيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟!».
وقال فضيلته: إنه من المبكي ما تشهده البلاد من تصدُّر رجال بل تيارات تُنظِّر لفتاوى تخلق انقسامات بغيضة بين أبناء الوطن الواحد، وتؤصِّل لثقافة الكراهية والعنف والتطرف، وتؤكد فكر الإقصاء، مؤكّدًا أنه من البلاء أن يرجع في أمور الناس إلى أهل العلم الزائف أو العلم المُدَّعى أو مَن يُنسبون إلى العلم اسمًا فقط، مشيرًا إلى أن الشرع الحنيف يأمر باحترام التخصص.
وأوضح الدكتور عباس شومان؛ أن هذا العصر شهد تساهُلًا في الإفتاء من أكثر من ناحية؛ من ناحية إصدارها، ومن ناحية تَلَقّيها، والتصدي لها ممن ليس من أهلها؛ لذا وجب على المستفتي أن يبحث عن ثقة يستفتيه، وقال وكيل الأزهر: لقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلـم- من سؤال غير المتخصصين، فقال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
وشدّد وكيل الأزهر؛ على أنه من أخطر أنواع الفتيا: إصدارُ أحكامٍ وآراءٍ يترتّبُ عليها شقُّ الصفوف، وتمزيقُ الوَحدة، وإضعافُ الدعوةِ، وتبديدُ الجُهد، وسَوْقُ الأُمّة إلى مزالقَ خَطِرةٍ، فترى البعضَ يُحلِّلُ ويُحَرِّم، ويُصوِّبُ ويُخطِّئ، ويُحَسِّنُ ويُقَبِّح، ويجعلُ الخوضَ في قضيةٍ من القضايا حقًّا خالصًا لـه وحده، لا يزاحمُه فيه غيرُه، فيُغفلُ الرأَي الآخَر، ويتهمُه بالقصور، ويقذفُ صاحبهَ بالبلادة ويرميهِ بالجهل، ويَصِمُه بالإثارةِ وحُبِّ الظهورِ، وربّما رماهُ بالعِمالةِ والخيانة، بل قد يتجرأ البعض فيتطاول على المؤسسة الرسمية ويُصادِر على عملها ومَهامّها؛ إعجابًا بالرأي واتّباعًا للهَوى، دون نظرٍ لمعقوليّة الخلاف في بعض المسائل.
وحدّد وكيل الأزهر أسباب التساهل في الفتوى، قائلًا: ومن الأسباب التي تدعو البعض للتساهل في الفتوى؛ أوّلًا: حُبّ الظهور وبريق الشهرة، وهو من أكبر الأسباب التي تُغري بإصدار الفتاوى بلا ضابطٍ، فصاحب الفتاوى المتساهلة تزداد شعبيته، وتكثر جماهيره، ويُثنَى عليه بأنه معتدل، وأنه يُمَثِّل المنهج الوسطيّ، وغير ذلك من العبارات البرّاقة، في حين أن صاحب الفتوى المستندة إلى الأدلة الشرعية يوصف بأنه متشدد، وأنه لا يعرف إلّا لغةَ التحريم، وأنه يَشُقّ على الناس ويُثْقِل عليهم.
 ثانيًا: الجهل وعدم دراسة الأحكام الشرعية دراسةً منهجيّةً مؤصَّلة، وإنما يكون الاعتماد على الثقافة العامّة، والدراسة السطحية للمسائل.
ثالثًا: عدم استشعار مسئولية الفتوى وما يترتّب عليها، فيُسأل بعضُهم عن مسألةٍ مُعيّنة، ويشاهده الملايين من البشر، ومع ذلك يجيب مباشرة، ولو عُرضت مسألتُه هذه على عمرَ -رضي الله عنه- لجَمَع لها أهلَ بدر.
 رابعًا: العَجَلة وعدم التأنّي والنظر والتأمُّل؛ فبعضُ المُفتين يُسألُ عن أربعِ أو خَمْسِ مسائلَ دفعةً واحدة، ثم يجيب إجابةً سريعة دون تَثَبُّت.
خامسًا: إرضاء التيار أو الجماعة أو الحزب، أو الدفاع عن فِكرٍ مُعَيَّنٍ؛ وذلك لأجل الحصول على شيءٍ من متاع الدنيا وحُطامها الفاني، إمّا منصب أو مال أو غير ذلك.
وفي ختام كلمته، طالَب الدكتورُ عباس شومان، بضرورة ألّا تتصادمَ الفتاوى مع أصول الدين ومقاصده، وأن تُراعيَ أحوالَ الناس والمُستجدّات الطارئة على حياتهم؛ حتى لا تؤدّيَ إلى شِقاقٍ أو نزاعٍ أو فُرْقَةٍ أو تَهديدٍ للسِّلم المجتمعيّ، فالفتاوى المنضبطة تُعَدُّ صِمامَ أمانٍ للمجتمع بما تطرحه من رأيٍ فقهيٍّ مُوَثَّقٍ، فإذا خرجت عن ذلك تكون مُعوِّقًا ومُهدِّدًا للسِّلم الاجتماعي؛ لما يَشوبُها من عُوارٍ أو قُصور.