أناب الإمامُ الأكبر، أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الشيخَ/ صالح عباس، القائمَ بعمل وكيل الأزهر، في المشاركة في اجتماع الفريق التشاوُري الإسلامي العالمي؛ لاستئصال مرض شلل الأطفال ومناقشة الوضْع العالمي له، خاصّةً في البلدان التي لا يزال هذا المرض يهددها ويصيب أطفالها المسلمين بالإعاقة، وذلك بمَقَرّ منظمة التعاون الإسلامي، في المملكة العربية السعودية.
وخلال كلمته، نقل الشيخُ/ صالح عباس للحضور تحيَّةً خاصَّةً من الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخِ الأزهر، وتمنياتِه الصادقةَ للفريق بعقْد لقاءٍ مُثمِرٍ، يُسهِم في المُضيّ قُدُمًا نحوَ حفظِ ثروةِ المستقبل، وحمايةِ فلذاتِ أكبادنا، بما لا يجعلُهم فريسةً سهلةً لمرضٍ لعينٍ يفتكُ بهم، ويهدِّدُ حياتَهم.
وأضاف في كلمته: أنه غنيٌّ عن البيان أن حماية الإنسان؛ دينًا ونفْسًا وعقلًا وعِرضًا ومالًا، من أَوجبِ الواجبات في شرعنا الحنيف، وحَولَ هذه الكليات الخَمْس تدور مَباني الشريعة ومعانيها؛ لذا لا أراني أضيف جديدًا في الموضوع قيدَ النقاش، غيرَ أنّي حريصٌ على تأكيد موقف الأزهر الراسخ من مشروعية التطعيم ضد مرض شلل الأطفال، خاصّةً في ظِلّ الفتاوي الشاذة والآراء المنحرفة، التي تُحَرِّم ذلك الإجراء الوقائي، بذَرائعَ لا يمكن أن توصف إلا بأنها كذبٌ على الدين وبُعدٌ عن الحقيقة والواقع، وتَجاهُلٌ واضحٌ للنتائج المتحقّقة على الأرض، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض حالات الإصابة بمرض شلل الأطفال بمُعَدَّل 99% منذ عام 1989 حتّى 2017م، وما كان هذا الانخفاضُ إلا بما يُبذل من جهودٍ على الصعيد العالمي من أجل استئصال هذا المرض اللعين، ومع هذا التقدُّم الذي أُحرز لحماية الإنسانية لا نملك إلا أن نُقَدِّرَ هذا الجهد، ونتقدّم بالشكر والعرفان لمنظمة الصحة العالمية ولكلّ العلماء والخبراء والأطباء، الذين ساهموا في إحراز هذا النجاح الباهر.. شكرًا لكم فقد تعلّمنا على مأدبة الإسلام: "أنّ مَن لا يَشكر الناس لا يَشكر الله".
وأكّد في كلمته؛ أن الأزهر الشريف، مُمَثَّلًا في إمامه الأكبر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، يستنكر هذه الفتاوي التي تُحَرِّم التطعيمَ؛ بزعم أنه يَتعارَض مع قَدَر الله، ويُناشِد جميعَ الآباء والأمهات ألّا يُعَرِّضوا أبناءهم لخطر الإصابة بهذا المرض الخبيث، حيث تؤكّد شريعتُنا الإسلامية وُجوبَ فعلِ كلِّ ما يحمي الإنسانَ من الأمراض، ويُوَفِّر له الحمايةَ الصحية والبدنية والنفسية، كما أرشدتْ إلى طُرُق الوقاية، وإذا كان حفْظُ النَّفْس من مَقاصِد الشريعة الإسلامية الخمسة؛ فإن من التدابير المُحَقَّقة لحفْظ النَّفْس البشرية مَنْعَ الاعتداء عليها بما يُتلِفها، ووُجوب الوقاية بالابتعاد عما يَضرها، والتداوي إن حَلّ الداءُ بها، ولا حُجّةَ لقَولِ مَن يَمنع التحصينَ عن بُناة الغَدِ ضِدَّ هذا الخطرِ الذي يَتهدّدهم مُحتَجًّا بالقَدَر؛ فالإيمان بالقَدَر لا يَتَناقَضُ مع الأَخْذ بالأسباب.
وفي التِّرمِذيّ عن أبي خِزامَةَ عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله؛ أرأيتَ رُقًى نَسْتَرْقيها، ودواءً نَتَداوى به، وتُقاةً نَتَّقيها، هل تَرُدُّ من قَدَرِ اللهِ شيئًا؟ قال: هي مِن قَدَرِ الله".