07 مارس, 2020

وكيل الأزهر يفتتح مؤتمر "بناء الإنسان" .. ويؤكد: بناء الإنسان أساس حضارة الأمم ومستقبلها

انطلقت اليوم السبت أولى فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، برعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، تحت عنوان "بناء الإنسان في التصور الإسلامي بين الواقع والمأمول"، بحضور فضيلة الشيخ صالح عباس وكيل الأزهر، والدكتور عبد الفضيل القوصي عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور نظير عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور رافع الرفاعي مفتي الديار العراقية، والدكتور عبدالفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين، والدكتور يوسف عامر نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم، والدكتور طارق سلمان نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث. 
 
في بداية المؤتمر رحب وكيل الأزهر نائبًا عن الإمام الأكبر بالسادة الحضور، مؤكدًا أن قضية بناء الإنسان قضية في غاية الأهمية، فهي الأساس الذي تبني عليه الأمم حضارتها وفكرها ومستقبلها، خاصة في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحديات أخلاقية فُرضت عليه جراء التقدم التكنولوجي السريع الذي صار فيه الشباب ضائعا بين فكرين، أحدهما؛ متشدد يؤدي إلى التطرف والإرهاب ويسيء لتعاليم الأديان السماوية، والآخر متسيب يؤدي إلى الانحراف ويخالف التربية الفكرية للأديان، مشيدًا باختيار كلية أصول الدين لموضوع المؤتمر "بناء الإنسان في التصور الإسلامي".
 
وقال  الدكتور شوقي علام إن صناعة مستقبل الأمة، تتطلب إيمانًا حقيقيًّا من أفراد الأمة بأنهم يمتلكون القدرة والطموح والإبداع الذي يؤهلهم لتلك المهمة الجليلة، مضيفًا أن الرسالات السماوية جميعًا عُنِيَتْ في المقام الأول ببناء الإنسان، وتطويرِه وتأهيلِه لخلافة الله في الأرض، وأن الشريعة المحمدية اهتمت بتشييد هذا البنيان الإنساني على قواعد ثابتة مستقرة، موضحًا أن الإنسان الذي يسعى الإسلامُ إلى بنائه ينبغي أن يكون مرتبطًا بتراثه العريق الذي يحفظ له هُوِيَّتَه الثقافية، وذاتيته الحضارية، وإن قطع الصلة بهذا التراث يعني فقدان الذاكرة الأممية، ولا جَرَمَ أن فاقد الذاكرة لا طاقة له بصناعة مستقبله.
 
وأشار الدكتور مختار جمعة، إلى أهمية البناء المتكامل للإنسان علميًا وخلقيًا ومعرفيًا ووطنيًا، لافتًا إلى أن هذا البناء هو الذي يصنع الشخصية السوية، ويجب أن يكون ترسيخ الولاء والانتماء الوطني أحد أهم محاور بناء الشخصية، فمصالح الأوطان جزء لا يتجزأ عن مقاصد الأديان، مؤكدًا أن حماية الأنفس من المقاصد الكلية في الإسلام، خاصة إذا طرأ عارض يهدد فناء هذه الأنفس، فإذا دعت الضرورة إلى إلغاء التجمعات للحفاظ على النفس يجوز إلغاء هذه التجمعات، فعندما ترى الدولة خطراً من التجمعات فلها أن تحظرها تحقيقا لحفظ النفس الذي هو أحد مقاصد الشريعة الاسلامية.
 
من جانبه، قال الدكتور نظير عياد، إن هذا المؤتمر يتعرض لقضية مهمة، تتعلق ببناء الإنسان، في عالم سيطرت فيه المادة، وتحكمت فيه القوة، ولم يعد هناك احترام للإنسان، حيث يأتي في وقت غابت فيه معاني الإنسانية، واختفت معالمها مما أدى إلى ضياع الحقوق، والتعدي على الواجبات وأصبح الإنسان جسدًا بلا روح، موضحًا أن القرآن الكريم له منهج مهم في بناء الإنسان، بدءًا من تصحيح المفاهيم والتصورات والمعتقدات، ومرورًا بالجوانب الأخرى الروحية والمعرفية والخلقية، ووصولًا إلى الجوانب البدنية، حيث أن هذه المجالات مترابطة ويكمل بعضها بعضا، لافتًا إلى أن النظريات البشرية التي حاولت أن تضع بناء للإنسان اهتمت بجانب وأهملت جوانب أخرى لأنها نظريات ناقصة ومتناقضة أحيانا، انطلقت من غايات شخصية أو أهداف خاصة للداعين إليها، وهذا ما يفرق بين الحقيقة القرآنية والنظرية البشرية في النظرة إلى بناء الإنسان.
 
ولفت الدكتور العواري إلى أن منهج الله الذى رسمه فى شريعته حصن حصين لإصلاح أمر الدنيا، فإن الله خلق الإنسان وكرمه وجعله خليفة فى الأرض ليعمرها، وأنزل عليه الكتب وأرسل إليه الرسل، وسخر له الكون بأكمله، ثم أنزل الشرائع السماوية للعمل بها، موضحًا أن الله خلق الإنسان واستخلفه فى الأرض لرسالة كبرى وهى العبادة بمعناها الشامل، وتشييد حضارات قائمة، وأن الشريعة اهتمت ببناء الإنسان مع عدم إغفال طبيعة حياته واحتياجاته وحددت له أدوات الكشف والتعليم والتقدم والرقى.
 
من جانبه أكد الدكتور رافع مفتي العراق على أن الأزهر الشريف مفخرة هذه الأمة، قد كتب الله له البقاء، ويعد نموذجًا مشرفًا للوسطية والاعتدال الذي جاء به هذا الدين الحنيف، وأن المجتمع الإنساني في أمس الحاجة لمعرفة ما قدمته الشريعة الإسلامية للإنسانية، مشيرًا إلى أن الله قد هيأ للإنسان أسوة حسنة يقتضي بها في كل تصرفاته وهو الإنسان الكامل سيدنا محمد صلى الله. 

وبين الدكتور طارق سلمان أن  بناء المجتمع يقوم على حسن بناء الإنسان وتأهيله ليكون قادرًا على التعامل مع ذاته وقادرًا على التعامل مع مجتمعه بكفاءة، وتقبل الأفكار السليمة وفهم أسرار الكون من حوله وفقا لمقتضيات المعرفة التي تجعل منه سيدًا وخليفة يقود رحلة الإعمار المستمرة على الأرض، لافتًا إلى أن جهود علماء الأزهر وغيرهم من العلماء الثقات قديمًا وحديثًا في مصر والعالم أجمع يعملون على تقديم الفهم المنضبط بما ينفع الإنسان ويمنع عنه تحريف الجاهلين.

واختتم الدكتور يوسف عامر، أن الله كرم الإنسان و تجلت مظاهر هذا التكريم في أن الله تعالى خلقه في أحسن صورة، وبعد أن جمل صورته أراد تعالى ان يجمل معناه فأرسل إليه الرسل والأنبياء، وأنزل الكتب لتثبيته، وأراد الله له الكمال الجسمي والعقلي حتى يقوم بأداء مهمته على خير قيام في عمارة الكون والحياة فأعطاه عقًلا وشرعًا لضبط حركة العقل وفق نظام متكامل.