27 فبراير, 2025

وكيل الأزهر: الأمة تتعرض لمحاولات عدة تسعى لطمس هُويَّتها واغتصاب أراضيها ومقدراتها

الأزهر يؤكد دعمه لجهود الدولة المصرية في وقف العدوان الصهيوني ورفض مخططات التهجير

الأزهر يؤكد ثقته في حكمة الرئيس السيسي وعزمه وإخلاصه في الحفاظ على الوطن والنهوض به وسط عالم متلاطم الأمواج

على المؤسسات والمنظمات دعم جهود القيادة المصرية بآليات حقيقية بعيدًا عن الشعارات

أكبر ما يواجه الدراسات الإسلامية والعربية هي جرأة غير المتخصصين على استباحة حمى العلوم دون تأهيل

إذا كانت الحداثة تتنكر للتراث فإن الواجب المقابل هو إحياؤه ودراسته وتدريسه

الذكاء الاصطناعي مجال لا يمكن تجاوزه ولا التغافل عن عطاءاته

 

قال الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر: إنه في الوقت الذي تتعرض فيه الأمة لمحاولات عدة تسعى لطمس هُويَّتها، واغتصاب أراضيها ومُقدَّراتها، واستنزاف طاقاتها، وتزييف وعيها، خاصة فيما يتعلق بما يحدث في أرض فلسطين الأبيَّة، فإن الأزهر الشريف يؤكد دعمه لجهود الدولة المصرية في وقف العدوان الصهيوني، ورفض مخططات التهجير التي تستهدف طمس القضية الفلسطينية ومحوها للأبد، من خلال إجبار الفلسطينيين على ترك وطنهم، والتخلي عن أرضهم التي عاشوا فيها آلاف السنين.

كما أكد الأستاذ الدكتور/ الضويني -خلال كلمته بمؤتمر كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة- على ثقة الأزهر الشريف في حِكْمة السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، وعزمه وإخلاصه في الحفاظ على الوطن والنهوض به وسط عالم متلاطم الأمواج، مضطرب الغايات والأهداف، مُشددًا على أن الواجب العملي على المؤسسات والمنظمات الدولية، يتمثل في أن تعمل على دعم جهود القيادة المصرية على المستويات السياسية والقانونية والاقتصادية بآليات حقيقية، بعيدًا عن الشعارات التي لا تتجاوز الألسنة. كما أن الواجب على المسلمين ألا يتخلوا عن قضيتهم، وألا يُخدَعوا في وعيهم، وأن يشعروا بالواقع الأليم الذي يعانيه أهل غزة. هذا الواقع المرير الذي أحدثه الإرهاب الصهيوني الغاشم الذي يقتل ويدمر ويهدم ويُخرِّب، وما زال يتمادى في اعتداءات دموية وحشية لا نعدو الحقيقة لو قلنا: إن التاريخ لم يعرف لها مثيلًا من قبل.

وكشف وكيل الأزهر عن أن أكبر ما يواجه الدراسات الإسلامية والعربية، هي جرأة غير المتخصصين على استباحة حمى العلوم دون تأهيل، بل استباحة التطاول -أحيانًا- على العلوم العقلية والنقلية وأئمة المسلمين وأعلامهم، لدرجة أنها أدَّت -في بعض مراحلها- إلى المناداة بقطع الصلة بالدين والتراث، واتخاذ العقل والتجربة وحدهما -دون النقل والوجدان- طرقًا معتمدة ومأمونة لتحصيل المعرفة، ومحاولة أَنْسَنَة الدين، وتحويله إلى نسق فكري إنساني لا علاقة له بالوحي الإلهي، محذرًا من خطورة أن يؤدي ذلك إلى إيجاد واقع جديد تنسلخ فيه الأمَّة عن هُويَّتها وحضارتها وتراثها.

ووجَّه وكيل الأزهر دعوة لعقلاء المفـكرين في الغرب والشرق بضرورة إعادة الوعي برسالات السماء، وإخضاع الخطاب الحداثي المنحرف لقراءة نقدية عميقة تنتشل العقل الإنساني مما أصابه من فقر الفلسفة التجريبية، وجموح العقل المادي، قائلًا "إذا كانت الحداثة تتنكر للتراث؛ فإن الواجب المقابل هو (إحياء التراث)، ودراسته وتدريسه في المعاهد والجامعات المختصة، وانتقاء ما يساعدنا على نهضة حديثة تجمع بين قيم التراث والتطور الفكري، وهو ما يقوم به الأزهر الشريف عبر قطاعاته المختلفة".

وأكد وكيل الأزهر أن علوم الشريعة واللغة قادرة -بقواعدها وأصولها- على استيعاب كل جديد تكييفًا وتوصيفًا وحُكمًا، وأن التراث الإسلامي يتميز بقدرته على التجديد من داخله؛ لاحتوائه قواعد تم استنباطها عن طريق تتبع النصوص والاستقراء، تجعل الإسلام -بجميع مكوناته- صالحًا لكل زمان ومكان، مُشددًا على أن أفكار الحداثة وما بعد الحداثة تفرض على المخلصين لدِينهم ولأمَّتهم ولأوطانهم من رجال الأزهر الشريف وغيرهم تحديد المنهج الذي ينبغي توظيفه في دراسة التراث، والتعريف بالحداثة وإشكالاتها، وما يعتريها من غموض ولَبْس، وأن يوجدوا توافقًا بين تراثهم الذي تأسس على أصول من الوحي الإلهي وما حوله من علوم شارحة، وبين معطيات الزمان والمكان؛ ليكونوا قادرين على تحقيق التوازن الذي يمنع من الانجراف نحو الحداثة بمفهومها الضيق، ويعمل على صون الموروث الثقافي؛ بما يعزز الشعور بالهُويَّة والانتماء، ونأمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة في سبيل تحقيق ذلك.

وأوضح وكيل الأزهر، أن الذكاء الاصطناعي مجال لا يمكن تجاوزه، ولا التغافل عن عطاءاته، شأنه شأن كل مُنجَز حضاري، لا يملك الإنسان رفاهية الاختيار في رفضه أو قبوله؛ وإنما عليه أن يتلقاه بالإيجابية، وحُسن الاستثمار، والتفاعل المثمر، وإن لم نخطط للتعامل معه بمعايير تضمن الإفادة من فرصه، وتجنب مخاطره المحتملة؛ فلن نضمن نتائجه، مضيفًا أننا لا نستطيع إنكار ما يحمله الذكاء الاصطناعي من فرص تنعكس على الدراسات الإسلامية والعربية: تعليمًا وبحثًا؛ بما يوجب على المشتغلين بهذا الميدان ألا يغفلوا عن مواكبة التطورات التكنولوجية المعاصرة، وفي مقدمتها توظيف الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في توفير أبحاث ومنتجات تخدم المجتمع في مجال العلوم الإسلامية والعربية، وبما يوجب أيضًا على الكليات الشرعية والعربية المعنية بالدراسات الإسلامية والعربية تحسين أدائها، وتغيير أهدافها وآلياتها ومناهجها وبيئاتها التعليمية؛ للاستفادة من التقدم المستمر والمتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ حتى تضمن هذه الكليات لنفسها البقاء والمنافسة، مكررًا دعوته لوضع ميثاق أخلاقي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، يشمل: مجموعة المبادئ والقيم والاعتبارات الأخلاقية، التي توجه وترشد وتسهم في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي واستخدامه في الدراسات الإسلامية والعربية بطريقة مسئولة وأخلاقية، تحمي حقوق الإنسان، وتعمل على تعظيم الفوائد، وتقليل الأضرار منه".

وتابع وكيل الأزهر، أن التجديد -بمفهومه الصحيح- ضرورة مجتمعية، وفريضة حضارية، تشتد الحاجة إليه في وقت توصف فيه أحكام الإسلام وتراثه بالجمود والانغلاق، وفي وقت تتجدد فيه الحياة، وتقتضي متغيراتها المتسارعة أحكامًا مرنة، تستجيب للواقع من جهة، ولا تناقض الثابت المستقر من الأحكام من جهة أخرى، موضحًا أن الانغلاق وعدم الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى يؤدي إلى حالة من العزلة والجمود، وعدم الإحساس بالحراك الثقافي والتنوع المعرفي الموجود في العالم، وأن من أبرز سمات التراث الإسلامي مرونته، وقدرته على الاستجابة للمستجِدات، وتفهمه لخصوصية كل مجتمع وطبيعته، مع مراعاة الزمان والمكان، مشددًا على أن تجديد التراث الإسلامي لا يحسنه إلا عالم فاهم لطبيعة التراث، ولطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكري المستخدمة في البحث والتقصي، وهذا ينبغي أن يدركه المشتغلون بالدراسات الإسلامية والعربية للتعامل في إطاره.

وقال الأستاذ الدكتور الضويني: إن الأزهر الشريف -من منطلق مسئوليته الدينية والحضارية- لا يألو جهدًا في محاربة هذا الفكر المتطرف، ولا يَمَلُّ من التنبيه المستمر على انحرافه، وضرورة تصحيحه، وتفنيد الشبهات المثارة ضد سماحة الإسلام، مع تأكيده أن هذا الفكر المنحرف ليس من الإسلام، وأن من يتبنونه أساءوا إلى الإسلام بأكثر مما أساء إليه أعداؤه، وشوَّهوا صورته السمحة النقية، قائلًا "إن الأزهر الشريف ذلكم الصرح الشامخ الذي ما زال مركزًا يَشعُّ منه نور العلم والمعرفة، قد تفرد بالزعامة العلمية عبر القرون؛ فهو من أقدم المؤسسات التعليمية والدعوية، وهو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم بحفظ التراث الإسلامي ودراسته، وتنقيته ونشره، وحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، ومنه سَرَتْ أنوار العلم والمعرفة والهداية إلى الأمة الإسلامية، وكان مستوعبًا لتراثها في العلوم المختلفة، يعرف له أصالته وقيمته، ويعرف كيف ينتقي منه، ويبني عليه، ويضيف إليه، ولا يستطيع أحد أن ينكر جهوده في خدمة العلوم والدراسات الإسلامية والعربية، وتحريرها وتدقيقها؛ إحياء للتراث الإسلامي؛ ليكون أساسًا لرُقي العلوم والفنون والآداب.

وأضاف الأستاذ الدكتور/ الضويني، أن الأزهر كان -ولا يزال- حارسًا أمينًا على تراث الأمة، آخذًا بالمنهجية الصحيحة في دراسته، تلك المنهجية التي تنشد الرُّقي بالفرد والمجتمع، وتُعنى بالإعداد المثمر، والتوجيه المبدع، في إطار تربوي فريد. كما أن الأزهر هو حامل مشاعل الهدى، ومصابيح الهداية، وأدوات التجديد، وعوامل البناء، يقوم بالنظر والتدقيق في برامجه ومناهجه، محافظًا عليها، ومطورًا لها؛ حتى يرشد الإنسانية الحائرة إلى بضاعة الإسلام التي تهدف إلى التعايش والسلام؛ حتى أصبحت مناهجه في العلوم والدراسات الإسلامية والعربية تُشكِّل حلقة وصل بينها وبين المجتمع من خلال الأهداف التي تسعى لتحقيقها، والمنطلقات وراء موضوعاتها وموادها والموضوعات المختارة فيها، مناهج أصبحت وسيلة لإنتاج أجيال مؤمنة بقيمة الوطن وأهمية الحفاظ عليه، والدفاع عنه وحمايته، وبناء نسقه الثقافي والحضاري والنهوض به، وهي الآن غنية برؤيتها الصحيحة تجاه المجتمع، تربط الأجيال بجذورهم وحضارتهم ووطنهم، وتعزز هُويتهم من خلال رؤية صحيحة لمفهوم المسئولية المجتمعية.

وفي ختام كلمته، دعا وكيل الأزهر القائمين على هذا المؤتمر إلى وضع خطة واقعية طموحة ذات أهداف إجرائية؛ من أجل تحقيق أهداف المؤتمر بالدراسة العميقة للتحديات المعاصرة التي تواجه الدراسات الإسلامية والعربية، كما دعا إلى تضافر جهود جميع المؤسسات العلمية لتحقيق ذلك؛ ضمانًا للوصول إلى ما نصبوا إليه، وتوجيهًا للطاقات والإمكانات والموارد.


 


كلمات دالة: