17 أبريل, 2025

وكيل الأزهر يشارك في مؤتمر مقاصد القرآن الكريم بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة

أ.د/ الضويني:

القرآن يُذكِّرنا بالأخلاق التي يجب أن تكون عليها الأمَّة وأوامره تُذكِّرنا بأننا أمَّة العلم والعمل

وكيل الأزهر يدعو للتمسك بأسباب النصر التي جاءت في القرآن لدعم أهل غزة

«القرآن» يدعو إلى كثير من الغايات والمقاصد التي تحتاجها البشرية في عالم يموج بالتدافع السياسي والاقتصادي والتكنولوجي

 

     قال الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف: إن العلماء قد اجتهدوا في تفسير القرآن، وبيان معانيه، واستنباط أحكامه، وتوقفوا عند كل لفظة فيه، يستخرجون أسرارها، ولكن هذا المؤتمر يأخذنا إلى أمر أدق من الوقوف عند جزئيات اللفظ الظاهر، أو التركيب الباهر، وهي المقاصد العالية لهذا الكتاب الكريم المستفادة من اجتماع جزئياته، أو الكامنة في جُمَلِه وكلماته.

وأكد وكيل الأزهر -خلال كلمته التي ألقاها اليوم بمؤتمر «مقاصد القرآن الكريم بين التأصيل والتفعيل»، الذي نَظَّمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة بالإمارات- أن العلماء القدامى وقفوا عند مقاصد القرآن، ويجد القارئ فيما كتبوه تباينًا بين وجهات النظر؛ ففريق منهم يقف بمقاصد القرآن عند أساليبه وأقسامه، وفريق يربط بين مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة، وكلا الرأيين بعيد، والأقرب أن تكون مقاصد القرآن هي القضايا الكبرى والموضوعات العامة التي عالجتها آيات القرآن، والأصوب أن تكون المقاصد هي ما وراء هذه الموضوعات من غايات وأهداف نزل القرآن لأجلها.

وأضاف، أنَّ القرآن الكريم يدعو إلى كثير من الغايات والمقاصد التي تشتد حاجة البشرية إليها، في ظل عالم يموج بالتدافع السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والتكنولوجي، واختصار هذه الغايات قد لا يتفق مع ما في القرآن من عطاء، مُصرِّحًا: "لو كان لي كلمة في تأصيل المقاصد القرآنية فسأرُدها إلى مقصد واحد رئيس، يمكن أن تتفرع عنه مقاصد كثيرة، ذلكم المقصد الرئيس هو تحقيق العبودية لرب البرية، ولأن العبودية ليست ركعات تؤدى في المساجد بالأبدان فحسب، ولأن العبودية ليست دراهم تُطرَح بين أيدي المحتاجين فقط، ولأن العبودية ليست طوافًا بالبيت العتيق، ولا وقوفًا بعرفة، ولأن معرفة الله من العبودية، ولأن تزكية النفس من العبودية، ولأن تطهير المال من العبودية، ولأن إصلاح الفكر والعقل من العبودية، ولأن إصلاح القلب والمشاعر والأحاسيس من العبودية، ولأن توجيه العلاقات بين الناس أفرادًا وشعوبًا من العبودية، ولأن حُسن سياسة أمور الناس من حكامهم وملوكهم وأمرائهم من العبودية، ولأن الحرب والسلام من العبودية، ولأن العبودية تخاطب بها الأفراد والمجتمعات والشعوب، وتزكية النفس من العبودية، وتعارف المجتمعات من العبودية، وتقرير كرامة الإنسان من العبودية؛ لأجل كل هذا وغيره كان تحقيق العبودية لرب البرية المقصد الرئيس من مقاصد القرآن، وكل هذا ينادي به القرآن، وخاصة أننا في زمان غريب ينادي بالتفلت من العبودية مطلقًا؛ إما بالإلحاد الصارخ، وإما جزئيًّا بتشويه العبودية وتزيين الشهوات وتهوين المعاصي.

وأوضح وكيل الأزهر، أننا إذ نؤمن بأن القرآن هو الرسالة الإلهية الأخيرة للبشرية؛ فمن الواجب أن نفهم أن هذا الكتاب المعجز قد وضع الحلول الناجعة لمشكلات الواقع، ووصف الأدوية الشافية لأدواء النفوس والعقول، وأن تواتر القرآن ليُذكِّرنا بأننا أمَّة لها تاريخ، ولها هُوية راسخة كالجبل الأشم، وأن آياته لتُذَكِّرنا بالأخلاق التي يجب أن نكون عليها، وإن أوامره لتُذَكِّرنا بأننا أمَّة العلم والعمل، وإذا كان الواقع يشهد تشويهًا لكل جميل، ظهرت آثاره عجمة في اللسان، وانحرافًا في السلوك، وقتلًا لأصحاب الحق في فلسطين الأبِيَّة من عصابة مجرمة آثمة يأبى التاريخ أن يقبلها، ونسأل الله أن يأذن بالفَرَجِ، وأن يُقِرَّ أعيننا بنصرة إخوتنا في غزة؛ إنه لقريب إن شاء الله.

واختتم وكيل الأزهر كلمته، أنه في ظل هذه الأجواء المشحونة بالآلام يأتي القرآن الكريم كتابًا للقيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية، ومنبعًا للآداب والكمالات، وفيضًا للجمال والحُسن والبهاء، وشارحًا لأسباب العز والنصر والسيادة؛ فعسى أن يفتح لنا هذا المؤتمر أبوابًا من التعلق بكتاب الله؛ ليكون فينا كما أراد الله حَبْلًا متينًا تعتصم به الأمَّة من الفُرقة والشتات، وصراطًا مستقيمًا لا تعوج فيه الخطوات.