26 أبريل, 2025

وكيل الأزهر: بناء الإنسان قضية أمن قومي وهدف إستراتيجي في عالم مضطرب الغايات والأهداف‏

‏وكيل الأزهر: التمسك بالثوابت ضرورة لبناء الإنسان على أرض صلبة من العقيدة والتاريخ واللغة ‏والهُوية‏

وكيل الأزهر: ذكرى تحرير سيناء تحيي آمال النصر وكسر الأوهام في ظل ما تتعرض له فلسطين ‏من ‏جرائم حرب غير مسبوقة

وكيل الأزهر: بناء الإنسان مسئولية دينية ووطنية تتطلب رؤية نقدية وتوازنًا بين الروح والعقل والجسد

 

     أكد فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف -خلال كلمته اليوم السبت بالمؤتمر الدولي ‏الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، تحت عنوان: «بناء الإنسان في ضوء التحديات ‏المعاصرة»- أن بناء الإنسان والنهوض به وسط عالم متلاطم الأمواج، مضطرب الغايات والأهداف، يعد ‏قضية أمن قومي لوطننا، وهدفًا إستراتيجيًّا يتطلب تضافر جهود كل مؤسساتنا لتحقيقه. وهذا البناء ليس ‏كلمات أو شعارات، وإنما صناعة ثقيلة في ظل ما يموج به العالم المعاصر من تغيرات وتقلبات في مجالات ‏العلوم النظرية والتطبيقية على السواء.‏

وأوضح فضيلته -خلال كلمته بالمؤتمر الذي يُعقد بمركز الأزهر للمؤتمرات- أن التغيرات من حولنا تحاول ‏أن تقتحم أفكارنا وعقائدنا واتجاهاتنا؛ ومن ثم فإن الواجب أن نتمسك بالثوابت والأصول والأسس، وأن يُبنى ‏إنسان هذه الأمة على أرض صلبة من العقيدة، والتاريخ، واللغة، والقيم، ومكونات الهُوية. وخاصة أننا نعيش ‏زمانًا مشحونًا باشتباكات فكرية، وتدافع سياسي، واستقطابات حادة، ومحاولات مستميتة؛ لتدمير دول وشعوب ‏باستخدام أساليب متنوعة، تسعى إلى قطع الإنسان عن عقيدته وهُويته، وسلخه من تاريخه وحضارته. ‏مشيرًا إلى أن هذا المؤتمر يأتي تحقيقًا لمبادرة «بداية ‏جديدة لبناء الإنسان» التي أطلقها الرئيس/ عبد الفتاح ‏السيسي، ‏‏رئيس الجمهورية، والتي تهدف إلى الاستثمار في رأس المال ‏‏البشري المصري، من خلال تنمية ‏‏شاملة ومتكاملة للإنسان في مختلف ‏الجوانب الحياتية؛ بما يتماشى مع ‏أهداف التنمية المستدامة، ورؤية ‏‏مصر ‏‏2030م.‏

وبيَّن فضيلته أن الحضارة الحديثة استخدمت كل أدواتها وتقنياتها؛ للوصول إلى ما تريد، واستحلت في سبيل ‏ذلك كل شيء؛ حتى زَيَّفَت المفاهيم الشريفة الراقية، وباسم الحريات والحقوق تحاول منظمات ودول أن ‏تعبث بأفكارنا، وأن يجعلوا القبيح حسنًا، والحسن قبيحًا، وبالغوا في ذلك جدًّا؛ حتى أرادوا أن يجعلوا الأرض ‏لغير أهلها، وأن يستهدفوا عقول شبابنا بأفكار تأباها قواعد المنطق، ويرفضها التاريخ؛ فأبناء الأمة إما ‏مستهدَفة أجسامهم بالقتل والموت كما في فلسطين، وإما مستهدَفة قلوبهم بالشهوات والفتن، وعقولهم بالتزييف ‏والتحريف كما في كثير من بلادنا.‏

ودعا وكيل الأزهر إلى التيقُّظ لعدوِّنا الذي لا يكلُّ ولا يملُّ، وأن ندركَ هذه التحديات ببصيرتنا وأبصارنا، ‏وأن نفقهَ بقلوبنا وعقولنا. وأما الأمةُ، فمنصورةٌ بإذن الله، غيرَ أنَّ اللهَ يربِّيها بهذه السنن الكونية. وفي هذا ‏السياق، هنَّأ فضيلتَه مصرَ والأمةَ العربيةَ والإسلاميةَ بذكرى تحريرِ سيناء، التي استطاعت فيها الأمةُ أن ‏تنتصرَ، وأن تقومَ بالدفاعِ عن الأرضِ والعِرْضِ، يومَ فهمت عن ربِّ العالمين مراده منها، ويومَ عرفت قدرَها ‏وقدرتها، ومكانتها وأمانتها، يومَ كانت الأمةُ كالجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ ‏بالسهرِ والحمى. وفي ظلِّ ما تعانيه بلادُنا الفلسطينيةُ من جرائمِ حربٍ ممنهجةٍ لم تعرفها الإنسانيةُ عبرَ ‏تاريخِها ولا في زمنِ الغاب، تأتي هذه الذكرى؛ فتحيي فينا آمالَ النصر، وتؤكدُ أن الأمةَ قادرةٌ على كسرِ ‏القيودِ والأوهامِ، وإنَّ اللهَ على نصرِ الأمةِ لقديرٌ.‏


وشدَّد فضيلته على أنه في ظلِّ ما يشهده العالم من تفككٍ قيميٍّ وأخلاقي، وتبدُّلاتٍ ثقافية، وثورةٍ معلوماتية ‏جارفة؛ بات لزامًا على البشرية أن تتمسك ‏بهدي السماء؛ إذ لا ضمان لبناء إنسانٍ متوازنٍ إلا بالثبات على ‏القيم الربانية التي تصونه من الذوبان في غيره، وتُكسبه هويةً راسخةً لا تبهتُ مع الأيام، بل تزداد رسوخًا ‏وأصالة. ومن هذا المنطلق؛ فإن إعادة بناء الإنسان وفق مقاصد الشريعة الإسلامية يُعدُّ المدخلَ الحقيقيَّ ‏لمواجهة هذه التحديات؛ إذ تُعنَى الشريعة ببناء الإنسان روحًا وعقلًا، جسدًا ونفسًا، سلوكًا ومبدأ، وترسم أطرًا ‏متماسكة لحياته الفردية والجماعية. وفي ضوء ذلك؛ يضطلع الأزهر الشريف بمسئوليته التاريخية في ‏مواجهة حملات التمييع وتزييف المفاهيم التي تستهدف الأذهان، من خلال إنتاج علمي وفكري متين، ‏ومؤتمرات دولية مؤثرة، وجهود ميدانية واعظة، تعمل جميعها على تفكيك الاتجاهات المنحرفة، وردِّها إلى ‏أصولها؛ حمايةً للشباب وصيانةً للفكر.‏

وأكّد فضيلته أن بناء الإنسان مسئولية جسيمة تتطلُّب إعداد الأجيال، وتنمية العقول، وتهذيب الأخلاق، ‏واكتشاف الطاقات الكامنة في الشباب وتوجيهها التوجيه الأمثل، على أساس من العقيدة الراسخة، والفهم ‏السديد، والاطلاع على تجارب العالم وخبراته. وإذا كانت الأسرة تضع اللبنة الأولى في هذا البناء، فإن ‏مؤسسات التعليم تُشكِّل عقل الإنسان وضميره، وتتحمل اليوم مسئوليات مضاعفة في ظل عالم متسارع ‏يموج بالتقنيات والتحولات. ولم يعد كافيًا –كما شدَّد فضيلته– أن نُقدِّم المعرفة في حدود الحفظ والاستظهار، ‏بل لا بُدَّ من بناء الإنسان بناءً متكاملًا يملك التفكير النقدي، والتحصين القيمي، والاتزان الوجداني؛ مما ‏يقتضي مراجعة جادَّة للمناهج والسياسات والخطابات؛ لنعرف: هل نُخرج إنسانًا صالحًا حُرًّا مسئولًا، أم مجرد ‏نسخ مكررة لا تملك الاستقلال في الرأي ولا في المأكل والملبس؟

وأشار فضيلته إلى أن أهمية هذا المؤتمر تكمن في عنوانه الذي يسلط الضوء على العلاقة بين الآمال ‏والطموحات في بناء الإنسان، وبين المخاطر والتحديات التي تواجهه. كما أنه سيضع لبنة جديدة في هذا ‏البناء المنشود، وفق رؤية شاملة تستهدف بناء الإنسان من جميع جوانبه الفكرية والعقدية والاجتماعية، ‏وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمُثل العليا في المجتمع. وهذه رؤية تقف على جذور الماضي، وتُحسِّن ‏قراءة الواقع واستثمار معطياته. كما تتأكد أهمية المؤتمر في قدرته على رسم السياسات، واتخاذ القرارات ‏المناسبة تجاه التحديات المعاصرة التي تواجه بناء الإنسان، والتعامل معها بإيجابية وواقعية لمواجهتها.‏

وفي ختام كلمته، أكَّد وكيل الأزهر على ثلاث إشارات مهمة، الأولى: أن بناء الإنسان ليس مجرد فكرة ‏مثالية أو أمنية شاعرة، أو خطبة عصماء، أو حبرًا على ورق، بل هو ركن ديني، وواقع تطبيقي، وثمرات نافعة؛ ‏ومن ثم يجب أن يكون المؤتمر بمثابة رؤية نقدية لواقع بناء الإنسان، ويقترح برامج عملية لتدارك ما يجب ‏تداركه. الثانية: أن بناء الإنسان ينبغي ألا يتوقف عند حدود جغرافية خاصة، بل يجب أن يتعامل مع العالم ‏بما فيه من تغييرات وقيم متقلبة، مع ضرورة التمسك بالهُوية الوطنية والتاريخية. أما الثالثة، فقد شَدَّد على ‏ضرورة إيجاد توازن بين متطلبات الروح والعقل والجسد في بناء الإنسان، مع أهمية الاستفادة من عطاء ‏العصر من غير تهديد لخصوصية أو عبث بمكونات هُوية، وتبني مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات ‏والتعلُّم المستمر. مختتمًا بالدعاء أن ينصر الأمة على أعدائها، وأن ينشر في ربوعها العلم الذي يعصم من ‏الجهالة، والهدى الذي يحفظ من الضلالة، والنور الذي يُبدِّد الظلمات.‏