23 ديسمبر, 2018

حصاد دعم الأزهر للقضية الفلسطينية في 2018.. انتفاضةٌ بالفعل والقول والبيان

العالم يحتشد في الأزهر لنصرة القدس..
الإمام الأكبر يعلن 2018 عامًا للقدس

الإمام الأكبر يُخَصِّص برنامجه على الفضائية المصرية للتوعية بتاريخ القدس وهُوِيَّتها

قوافلُ مساعداتٍ طبية وغذائية لدعم أهالي غزّة

مع أن القضية الفلسطينية لم تكن يومًا بعيدةً عن صدارة اهتمامات الأزهر الشريف وأولوياته، فهي قضيته الأولى التي يُسَخِّر لها الكثيرَ من الجهد والعطاء، إلا أن عام 2018 شهد زخمًا غيرَ مسبوقٍ فيما يتعلق بدعم الأزهر لفلسطين وشعبها، بما يُترجِم إدراكَ الأزهر وإمامه الأكبر فضيلة أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لخطورة التحديات التي تواجه قضية العرب والمسلمين الأولى؛ لذا وحتى قبلَ صدور القرار الأمريكي الجائر بنقل سفارة واشنطن في الكِيان الصهيوني إلى مدينة القدس المحتلة، والزعم بأنها عاصمةٌ لهذا الكِيان الغاصب، سارَعَ الأزهرُ للتحذير من مَغبّة الإقدام على إصدار مثل هذا القرار، ثم توالت المواقف القوية للأزهر عقب تمادي الإدارة الأمريكية في موقفها المنحاز والظالم.

رفضٌ قاطع.. وبيانٌ داعم

وفي موقفٍ غيرِ مسبوق، أعلن الإمام الأكبر رفضه القاطع لطلبٍ رسميّ من نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، للقاء فضيلته في مشيخة الأزهر، مُطلِقًا مقولته التي صارت نِبراسًا يُحتذى: «كيف لي أن أجلس مع مَن مَنحوا ما لا يملكون لمَن لا يستحقون»؟ ثم أصدر فضيلته بيانًا أعلن فيه دعم الأزهر الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل تحرير أرضه وحماية مقدساته، قائلًا: «لِتَكُن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم»، وبالتوازي مع ذلك عقدت هيئة كبار العلماء بالأزهر اجتماعًا عاجلًا ودعت الهيئاتِ العلميّةَ والتعليمية ووزارات الأوقاف في كل بلاد المسلمين، إلى زيادة الاهتمام بقضية القدسِ وفلسطين في المقررات الدراسية والتربوية وخُطب الجُمعة في المساجِدِ والبرامج الثقافية والإعلامية.

مؤتمرٌ عالمي.. وحضورٌ حاشد

وشهِدَ "مؤتمر الأزهر العالميّ لنُصرة القدس"، الذي عُقد في منتصف يناير 2018، حضورًا عربيًّا ودوليًّا حاشدًا، وحظي بتغطيةِ أكثرَ من ٨٠٠ صحفيٍّ وإعلامي، يُمَثِّلون مُختلِف وسائل الإعلام المصرية والعربية والعالمية، وتَضَمّنَ المؤتمرُ عِدّةَ مَحاوِرَ رئيسة، ركّزت على استعادة الوَعي بقضية القدس، وتأكيد هُوِيَّتها العربية الإسلامية ومكانتها الدينية العالمية، والدور الثقافي والتربوي والإعلامي في استعادة الوَعي بالقضية، واستعراض المسئولية الدولية تُجاهَ المدينة المُقَدَّسة؛ باعتبارها خاضعةً للاحتلال، وتأكيد أن القانون الدولي يُلزِم القوّةَ المحتلة بالحفاظ على الأوضاع القائمة على الأرض، وتفنيد الدعاوى الصهيونية حول القدس وفلسطين.
وألقى فضيلة الإمام الأكبر كلمةً في الجلسة الافتتاحية، أكد فيها أن المؤتمر «يَدقّ ناقوسَ الخطر، ويُشعِل ما عساه قد خَبا وخَمد من شُعلَة العزم والتصميم، على ضرورة الصُّمُود أمام العبث الصهيوني الهمَجِيّ، في القَرن الـ 21، وأنه على نُخَب هذه الأُمَّة أن تتنبَّه إلى أنها أُمّةٌ مُستهدَفةٌ؛ في دينها وهُوِيَّتها ومناهجها التعليمية والتربوية، ووَحدة شعوبها وعَيشها المُشترَك»، مؤكدًا أن "الحُقوقَ لا تقبَل بيعًا ولا شراءً ولا مُساوَمةً، وأن كلَّ احتلالٍ إلى زوالٍ، وإن بدا اليومَ وكأنه أمرٌ مستحيل"، فيما أعرب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في كلمته أمام المؤتمر، عن شكره للأزهر على تنظيم المؤتمر، مؤكدًا أن القدس كانت وما زالت إسلاميةً مسيحية عربية، ومن دونها لا يمكن أن يكون سلامٌ في المنطقة، كما بعث البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، برسالةٍ إلى المؤتمر، شدّد فيها على ضرورة الحفاظ على هُوِيَّة مدينة القدس وعلى قيمتها العالمية، أمّا الأمين العامّ لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، فقد أعرب عن ثقته في أن «الأزهر لن يسمحَ بإضعاف القضية، وأنه لن يخذلَ القدسَ أبدًا»، بينما اعتبر الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، رئيسُ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن الأزهر الشريف صاغ من هذا المؤتمر لنصرة القدس قلادةَ شرفٍ لمصر.

إعلان الأزهر العالَميّ لنُصرة القُدس

جاء إصدار «إعلان الأزهر العالميّ لنُصرة القُدس»، في خِتام فعاليات المؤتمر؛ ليُمَثِّلَ صوتًا موَحَّدًا قويًّا من قادة الفكر والرأي والدين والسياسة، ومُحِبِّي السَّلام من 86 دولة، ويؤكد إجماعَ كل المشاركين على رفضهم القرارَ الأمريكي المتهور، والإعلان كذلك عن آليّاتٍ وأساليبَ جديدةٍ تنتصر لهُوِيَّة القدس ولكرامة الفلسطينيين، وتحمي أرضهم، وتحفظ عروبة القدس وهُوِيَّتها الرُّوحية، وتَصُدّ الغطرسة الصهيونية التي تتحدَّى القَراراتِ الدوليَّةَ، وتستفزّ مشاعرَ شُعُوب العالَم.
وجاءت بنود هذا الإعلان الثلاثةَ عشرَ، لتؤكّدَ وثيقةَ الأزهر الشريف عن القدس، الصادرة في 20 نوفمبر 2011، والتي شدّدت على عروبة القدس، وكونها حرمًا إسلاميًّا ومسيحيًّا مُقَدَّسًا عَبْرَ التاريخ، ثم تَتالت بُنود الإعلان؛ لتُشَدِّدَ على أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، والتي يجب العمل الجادّ على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها، وقَبول عضويتها الفاعلة في المنظمات والهيئات الدولية كافّةً، وأن عروبةَ القدس أمرٌ لا يقبل العبث أو التغيير، وهي ثابتةٌ تاريخيًّا منذ آلاف السنين، ولن تُفلِحَ محاولاتُ الصهيونية العالمية في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ.

معركة الوَعي

وحظيت قضية فلسطين والقدس باهتمامٍ خاصٍّ من فضيلة الإمام الأكبر، الذي اعتبر أن النجاح في "معركة الوعي" بالقدس وتاريخها وهُوِيَّتها، يُشَكِّل خطوةً أولى وأساسية على طريق استعادة المدينة المقدسة، مُبْديًا أسفَه؛ لكون معظم الشباب العرب والمسلمين لا يعرف أيَّ شيءٍ عن تاريخ القدس وهُوِيَّتها العربية، الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ؛ لذا خَصّص فضيلته معظم حلقات برنامجه الأسبوعي على "الفضائية المصرية"، خلال عام 2018، للحديث عن القدس واستعراض تاريخها ومراحل تطورها والقُوى التي سَعَتْ للسيطرة عليها، مشدّدًا على أن القدس، على مَرّ التاريخ، لم تكن مدينةَ سلامٍ إلّا تحت الحُكم الإسلامي، وحين يُقصى عنها التوجيهُ الإسلاميّ يُباح فيها القتل، ويتمّ قتل أهالى البلد؛ ليحلَّ محلَّهم الغُزاةُ.
كما كانت فلسطينُ حاضرةً دَومًا خلال معظم لقاءات وجولات وخطابات شيخ الأزهر خلال عام 2018؛ فخلال محاضرته في الجامعة الكاثوليكية بالعاصمة البرتغالية لشبونة، حذّر من أن فلسطين اليومَ تواجه غطرسةَ القوّةِ وصوتَ المُستبِدّ وسياساتِ الظلم والتهجير، وفي ختام كلمته، أمام اللقاء التشاوُريّ العالميّ للعلماء والمثقفين حول وسطية الإسلام، في إندونيسيا، تَضَرَّعَ فضيلتُه إلى الله "أن يَرُدَّ القدسَ الشريفَ، أولى القبلتين وثالثَ الحرمين الشريفين، إلى أهله، ويَدرأَ عنه مكرَ الماكرين، وأن يَعُمَّ السلامُ فلسطينَ وأهلَها".

جهودٌ ومواقفُ متواصلة

وتنفيذًا لتوصيات مؤتمر الأزهر العالمي لنُصرة القدس، بإعلان 2018 "عامًا للقدس"؛ خَصّص الأزهرُ الشريف ركنًا في جَناحه بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2018؛ للتعريف بالقدس وهُوِيَّتها وتاريخها ومُقَدَّساتها، من خلال عددٍ من الكتيبات والأفلام الوثائقية، فيما عقدت اللجنة المُكَلَّفة بمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر اجتماعًا بمَقَرّ مشيخة الأزهر، في فبراير2018، في ضوء توجيهات فضيلة الإمام الأكبر؛ بضرورة تحويل توصيات المؤتمر إلى خُططٍ عَمَليّة وواقعٍ ملموس على الأرض؛ حيث وضعتْ قطاعاتُ الأزهر الشريف كافّةً قضيةَ القدس في صدارة أجندتها وأنشطتها.
وفي هذا السياق، نَظّمت مجلة "نور" للأطفال، الصادرة عن المنظمة العالمية لخِرّيجي الأزهر، مسابقةً بعنوان: "القدس عربية"؛ لتشجيع الأطفال على المشاركة بأعمالٍ فنية عن القضية الفلسطينية، لتعميق الوَعي لدى النَّشء بهذه القضية الحَيَوِيّة، وحَرَصَ فضيلةُ الإمام الأكبر على تكريم الأطفال الفائزين في المسابقة بنفسه؛ تقديرًا منه لأهمية هذه الأنشطة في التعريف بالقضية وتعميقها في نفوس الصغار. كما عقَد الأزهر الشريف في أبريل 2018، ندوةً علمية مُشترَكة، مع الهيئة العامّة لدار الكتب والوثائق القومية، تحت عنوان: "القدس.. تراثٌ لا يُنسى"؛ للتوعية بخطورة الاعتداءات الصهيونية بحقّ تراث وهُوِيَّة القدس، ولتأكيد ضرورة تَضافُر الجهود للحفاظ على الهُوِيَّة العربية للمدينة المُقَدَّسة.

وفي جميع الأحداث والمحطات التي شهدتها القضية الفلسطينية خلال عام 2018، كان الأزهر الشريف حاضرًا، حيثُ تَوالتْ بيانات الدعم والمؤازرة لأبناء الشعب الفلسطيني البواسل؛ حيثُ أكد الأزهر الشريف رفضَه القاطع لما يُسَمَّى: «قانون الدولة القومية اليهودية»، مؤكّدًا أنه يُمَثِّل "خطوةً عنصرية بغيضة"، كما واكَبَ الأزهرُ، عَبْرَ عِدّة بياناتٍ، مسيراتِ العودة التي نظّمها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لتأكيد تمسُّكهم بالعَودة إلى أرضهم المحتلة التي هُجِّروا منها، وأدان الأزهرُ، بأقسى العبارات، الجرائمَ الوَحشيّةَ ضد هذه المسيرات، ولم يتوقف جهد الأزهر عند إصدار البيانات فقط، بل بادرت إدارة القوافل الطبية والإنسانية بالأزهر الشريف، بتَسيير قافلتين من المواد الطبية والإغاثية؛ لدعم أبناء غزّةَ البَواسِل، في ظِلّ ما يعانيه القطاع من نقصٍ في الإمدادات الطبية والإنسانية.
وهكذا توالت جهود الأزهر على مدار عام 2018؛ لدعم القضية الفلسطينية والتعريف بها، وتأكيد أهميتها كقضيةٍ أُولى لكلّ عربيٍّ ومسلم، وقضيّةٍ عادِلةٍ لكلّ عاقلٍ ومُنصِف؛ فهي قضيّةٌ تَتَقاطَعُ فيها الأَبعادُ الدينية والوطنية والأخلاقية والقانونية والإنسانية.

قراءة (2312)/تعليقات (0)

كلمات دالة: حصاد الأزهر 2018