| 28 مارس 2024 م

في حجية السنة

أ. د/ حمدي صبح

  • | الخميس, 10 نوفمبر, 2016
في حجية السنة

الشبه العقلية وردها:

الشبهة العاشرة:

أن بعض الصحابة كأبي هريرة أكثر من التحديث عن الرسول حتى بلغت مروياته أكثر من خمسة آلاف حديث، وتلك الكثرة لا تتناسب مع المدة الزمنية التي صحب فيها النبي ﷺ(1) .

الرد على هذه الشبهة:

وهو من سبعة وجوه:

الوجه الأول: أن المدة الزمنية التي عاشها النبي بعد الرسالة، رغم أنها أقل من ربع قرن بقليل إلا أنها كانت كما قال فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي -رحمه الله-: «دورة اجتماعية كاملة تم فيها البيان الإلهي لسياسة الحياة والأحياء، وما تفد به القرون بعد ذلك من أحوال نفسية واجتماعية لا يعدو أن يكون صورة مكررة لما سبق أن قال القرآن كلمته فيه».

«لقد نزل القرآن منجمًا حسب الحوادث، فلنفهم هذه الحوادث لنفهم حقيقة القضية، ومنحى الحكم جميعًا، وهذه الحوادث ليست خصومة نشبت بين أفراد، بل هي سير حياة، وطبيعة بشر، وحال مجتمع، أو هي كما قلنا مثل يتكرر على العصور لشئون الحياة والأحياء»(2).

فهذه المدة الزمنية في حقيقتها تساوي أكثر من واقعها الزمني بكثير، فأربع سنوات منها، وهي المدة التي صحب فيها أبو هريرة نبيه ليست بالشيء اليسير أو الهين القليل، وليست كأي أربع سنوات من غيرها.

ثم إن مرويات أبي هريرة -رضي الله عنه- ليست ما سمعه من النبي في تلك السنوات فحسب، بل منها ما رواه عن غيره من قدماء الصحابة كأبي بكر وعمر والفضل بن العباس.

الوجه الثاني: اختلاف الناس في قدرة الحفظ والفهم وعدم النسيان شيء لا ينكره عاقل - فمن الناس من يبلغ الغاية في ذلك، كما هو ملحوظ وملموس في كل زمان وكل مكان، فما الذى يمنع أن يكون أبو هريرة -رضي الله عنه- من هذا النوع من الناس، خاصة أنه سأل الله -تعالى- علمًا لا ينسى، وأمن النبى على دعائه، كما أنه كان متفرغًا لا يشغله أهل أو مال، فلازم الرسول ملازمة تكاد أن تكون تامة، يدور معه حيث دار مكتفيًا من الحياة بشبع بطنه(3)، فكان بسبب تلك الملازمة يسمع من نبيه ما لا يسمع غيره من الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويحفظ ما لا يحفظون، وكانت السنون القليلة من صحبة أبي هريرة -رضي الله عنه- لنبيه كالسنين الكثيرة من صحبة غيره ممن كانوا يشغلهم تجارة أو حرث.

وقد شهد بحفظه ممن عاصروه وغيرهم من لا يكذبهم إلا كذاب، قال طلحة -رضي الله عنه-: «لا أشك أنه سمع من رسول الله ما لا نسمع؛ وذلك أنه كان مسكينًا لا شيء له ضيفًا لرسول الله ، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - لأبي هريرة رضي الله عنه: كنتَ ألزمنا لرسول الله، وأعرفنا بحديثه»(4).

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: «أبو هريرة أحفظ مَنْ رَوى الحديث في دهره»(5)، وقال ابن حجر: «كان أبو هريرة أحفظ الصحابة للحديث»(6).

الوجه الثالث: أن عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- شيء متقرر عند جميع المسلمين(7)، فهم عدول بنص القرآن الكريم، قال -تعالى-:

"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (آل عمران: 110)

 

واتفق المفسرون على أنها واردة فيهم، وهم عدول بشهادته ، حيث كان يعتمدهم في نقل الأخبار(8).

والعدل لا يقول على رسوله شيئًا لم يقله خاصة وقد سمعوه يقول: «من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

إن العقل لا يتصور أن يترك الواحد منهم أهله وماله وداره مهاجرًا إلى الله، ثم يجاهد فى سبيله باذلًا روحه وماله، لا يهمه فى سبيل نصرة دين الله -تعالى- أن يكون مقتوُله والدَه أو ولده أو أن يكون هو المقتول، ثم يكذب على الله ورسوله.

قال شمس الأئمة السرخسي: أبو هريرة ممن لا يشك أحد في عدالته، وطول صحبته مع رسول الله حتى قال له: زر غِبّا تزدد حبّا، وكذلك في حسن حفظه وضبطه، فقد دعا له رسول الله بذلك على ما روى عنه أنه قال: يزعمون أن أبا هريرة يكثر الرواية، وإني كنت أصحب رسول الله على ملء بطني، والأنصار يشتغلون بالقيام على أموالهم، والمهاجرون بتجاراتهم، فكنت أحضر إذا غابوا، وقد حضرت مجلسًا لرسول الله فقال: «من يبسط منكم رداءه حتى أفيض فيه مقالتي، فيضمها إليه، ثم لا ينساها»، فبسطت بردة كانت عليّ، فأفاض فيها رسول الله مقالته، ثم ضممتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك شيئًا»(9).

الوجه الرابع: أن أكثر الأحاديث المروية لا تتجاوز السطر الواحد أو السطرين، فكل ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- لو كتبه الإنسان فإنه لن يعدو مائتي ورقة، ولو قسمنا أيام السنوات الأربع التي صحب فيها النبى وهى (0641) يومًا على تلك الأحاديث لعلمنا أن أبا هريرة حفظ ما يملأ الورقة الواحدة فى أكثر من سبعة أيام، فأي كثرة يزعمون؟!

فإذا أضيف إلى هذا أن القول بأن مرويات أبي هريرة (4735) حديثًا إنما هو بالنظر إلى تكرر الأسانيد، أما إذا نظرنا إلى متن الحديث دون نظر إلى أسانيده المتكررة فإن أحاديث أبى هريرة المثبتة فى مسند الإمام أحمد والكتب الستة لا تتجاوز ربع هذا العدد إلا بقليل(01).

وعلى هذا فإن ما رواه أبو هريرة من أحاديث وهو 6331 حديثًا - وذلك بعد حذف المكرر - أقل من عدد الأيام التى قضاها فى صحبة نبيه .

الوجه الخامس: مسند أبي هريرة مكتوب فى (313) صفحة من مسند الإمام أحمد، وهذا ضعف مسند عبد الله بن عمر، حيث إنه مكتوب فى المسند فى (651) صفحة وابن عمر -رضي الله عنهما- كان يترحم على أبي هريرة في جنازته ويقول: كان يحفظ على المسلمين حديث النبي (11)، وهو أيضًا قدر مسند أبي بكر -رضي الله عنه- ثلاث مرات ونصف تقريبًا، وأبو بكر هو من هو في التقليل من الرواية(21)، فأي زيادة زادها أبو هريرة؟!

الوجه السادس: كان أئمة الفقه الإسلامي ومنهم الأئمة الأربعة المشهورون وحفاظ الحديث أعلم من صاحب تلك الشبهة بأبي هريرة، وبكل ما رواه، وكل ما قيل فيه، ومع ذلك فإنهم لم يروا شيئًا من هذا مسقطًا لعدالته، وأدل دليل على ذلك أنهم جميعًا يحتجون بما صح من حديثه(31).

الوجه السابع: لو صح الطعن في أحاديث أبي هريرة ما ترتب على ذلك عدم الثقة بالأحاديث النبوية، فكل ما أخرجه البخاري مثلًا في صحيحه لأبي هريرة رضي الله عنه (644) حديثًا فقط، ولم ينفرد أبو هريرة برواية تلك الأحاديث، وإنما شاركه في رواية الكثير منها غيره، وما انفرد بروايته أبو هريرة من أحاديث الأحكام الشرعية قليل جدًا، فلو سلمنا بصحة الطعن فيه ما كان لذلك أدنى تأثير على السنة النبوية(41).

(1) تأويل مختلف الحديث ص 01، 91؛ وأضواء على السنة المحمدية ص 8 ، 371.

(2) نظرات في القرآن الكريم ص 02.

(3) فتح الباري، جـ 1 ص 852، 062.

(4) فتح الباري، جـ 1 ص 952؛ وتذكرة الحفاظ، جـ 1 ص 63.

(5) الرسالة ص 182.

(6) فتح الباري، جـ1 ص 852.

(7) البرهان، جـ1 ص 626؛ وتيسير التحرير، جـ3 ص 46، والبحر المحيط، جـ4 ص 992.

(8)  البرهان، جـ1 ص 726.

(9) أصول السرخسي، جـ 1 ص 043.

(01) الباعث الحثيث - تعليق ص 381؛ وقصة الهجوم على السنة للسالوس ص 58.

(11) فتح الباري، جـ 1 ص 852.

(21) الباعث الحثيث - حاشية ص 281؛ وتاريخ التشريع للخضري ص 201.

(31) مجلة المنار - المجلد التاسع عشر: جـ 1 ص 13، ص84.

(41) مجلة المنار - المجلد التاسع عشر: جـ 1 ص 04، جـ2 ص 101.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.0

الأكثر اطلاعا خلال شهر

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء

 الإمام/ محمد عبده

الإخــاء

الإخــاء

 فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي

دور التكنولوجيا الحديثة في الدراسات الشرعية

دور التكنولوجيا الحديثة في الدراسات الشرعية

 أ. د. محمد عبد الرحمن الضويني

من مجالس شرح كتاب سيبويه

من مجالس شرح كتاب سيبويه

 أ.د. عبد الفتاح محمد حبيب

الأسوة في القرآن الكريم

الأسوة في القرآن الكريم

 ا.د. عبد المنعم عبد الله حسن

شعبان شهر العطاءات والنفحات

شعبان شهر العطاءات والنفحات

 ا.د. غانم السعيد

الإسراء وتحويل القبلة

الإسراء وتحويل القبلة

 د. محروس رمضان

معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم

معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم

 أ.د. حسن عبد الرحمن سليم

المحبة المحمدية

المحبة المحمدية

 أ.د. محمد عبد الفضيل القوصي

حادث تحويل القبلة بين الحكم والدروس والعبر

حادث تحويل القبلة بين الحكم والدروس والعبر

 أ.د. السيد أحمد سحلول

شبهة حول عقوبة السرقة وبيان بطلانها

شبهة حول عقوبة السرقة وبيان بطلانها

 أ.د. عبد الفتاح العواري

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

 أ. د. نادي محمود حسن

الأزهر يشارك بجناح خاص في الدورة الـ (55 ) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

الأزهر يشارك بجناح خاص في الدورة الـ (55 ) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

 إشراف: د. حسن خليل / تغطية خالد عبادة

من فضائل شعبان الممهد لشهر رمضان

من فضائل شعبان الممهد لشهر رمضان

 أ.د. محمد فتحي فرج

123

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg