| 30 أبريل 2024 م

بنو إسرائيل في الكتاب والسنة

أ.د محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق

  • | الأحد, 19 مارس, 2017
بنو إسرائيل في الكتاب والسنة

تحايلهم على استحلال محارم الله -عز وجل-:

من رذائل بني إسرائيل، التي وقعوا فيها نتيجة جهلهم وفسوقهم وجشعهم وضعف إرادتهم رذيلة التحايل على هدم الشرائع؛ ليصلوا إلى مطامعهم وشهواتهم، ظانين -لجهلهم وعدم فقههم- أنهم عن طريق ذلك التحايل المحرم؛ سيفلتون من المؤاخذة والعقوبة، وقصة أصحاب السبت التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، أكبر دليل على تلاعبهم بالدين، وتهالكهم على الدنيا.

وملخص هذه القصة: أن الله -عز وجل- أخذ على بني إسرائيل عهدًا، بأن يتفرغوا لعبادته في يوم السبت، وحرم عليهم فيه الاصطياد دون سائر الأيام، وقد أراد -سبحانه- أن يختبر استعدادهم للوفاء بعهودهم، فابتلاهم بتكاثر الحيتان في يوم السبت دون غيره، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم قريبة المأخذ، سهلة الاصطياد، فقالوا: لو حفرنا إلى جانب ذلك البحر الذي يزخر بالأسماك يوم السبت حياضا تنساب إليها المياه في ذلك اليوم ثم نصطادها من تلك الحياض في يوم الأحد وما بعده، وبذلك نجمع بين احترام ما عهد إلينا في يوم السبت، وبين ما تشتهيه أنفسنا من الحصول على تلك الحيتان، فنصحهم فريق منهم بأن ذلك يكون امتثالا ظاهريا لأوامر الله -سبحانه- ولكنه في حقيقته فسوق عما أمرنا الله به في يوم السبت من ترك الصيد فيه، فلم يعبئوا بذلك، ونفذوا تلك الحيلة، فغضب الله عليهم، ومسخهم قردة، وجعلهم عبرة لمن عاصرهم، ولمن أتى بعدهم، وموعظة للمتقين.

والحديث عن أصحاب السبت، قد جاء ذكره مفصلا في سورة الأعراف في قوله -تعالى-:

"وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (الأعراف: 163-166)

ومعنى الآيات الكريمة: سل يا محمد بني إسرائيل سؤال تقرير وتوبيخ عن أهل القرية التي كانت قريبة من البحر، فإنهم قد اعتدوا في يوم تعظيمهم للسبت، وتجاوزوا حدود الله، إذ كانت تأتيهم الأسماك في هذا اليوم كثيرة ظاهرة على وجه الماء، وفي غيره من الأيام لا تأتيهم بهذه الكثرة؛ ابتلاء من الله لهم، واختبارا لعزيمتهم وإرادتهم.

وتفصيل هذا الاعتداء الذي حصل منهم في يوم السبت، أنهم قد حفروا حياضا إلى جانب البحر، الذي كانت تكثر فيه الأسماك في هذا اليوم، فكانت المياه تنساب إلى تلك الحياض في يوم السبت، مع ما تحمله من الأسماك الكثيرة، ثم إذا أرادت الرجوع إلى البحر لا تستطيع؛ لضآلة الماء الذي بالحياض، فتبقى فيها إلى أن يصطادوها بعد يوم السبت، وصنيعهم هذا ظاهره امتثال أمر الله -تعالى- فإنهم لم يصطادوا في يوم السبت، وحقيقته أنه مجاوزة لما حرم الله عليهم من الصيد، فإن حجزها في الحياض صيد لها في المعنى.

ولقد نصحهم فريق منهم بألا يفعلوا ذلك، لئلا ينزل بهم بأس الله وعقوبته فعصوا أمرهم، ولم يستمعوا لنصحهم، فلم يكفّ الناصحون عن تذكيرهم ووعظهم.

ولقد انتقدتهم طائفة على تكرار هذه العظات، مع عدم استماع قومهم إليها فقالوا للناصحين: لم تعظون قوما قد حكم الله بإهلاكهم، أو بتعذيبهم عذابًا شديدًا؟ فأجاب الواعظون. نعظهم لنعتذر إلى الله -تعالى- من مغبة التقصير في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ورجاء أن يتقوا فيتوبوا، وينجوا من الإهلاك، فلما ترك العادون نصيحة صلحائهم، وأعرضوا عنها، أنجينا الناصحين وأخذنا العاصين بعذاب شديد، بسبب تماديهم في الفسوق والعصيان، ذلك العذاب الشديد هو مسخُنا إياهم قردة صاغرين أذلاء، جزاء تعديهم حدود الله -تعالى-.

والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ولا يعرّضوا أنفسهم لعقوبات كالتي نزلت بسابقيهم، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم، والتي لا يستطيعون إنكارها، والتي لا تُعلم إلا بكتاب أو وحي، فإذا أخبرهم بها النبي الأمي، الذي لم يقرأ كتابهم، كان ذلك معجزة له، ودليلا على أنه نبي صادق مُوحى إليه بها.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة: «أي: واسأل -يا محمد- هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم، عن قصة أصحابهم، الذين خالفوا أمر الله، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذّر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم، لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم، وهذه القرية هي (أيلة) وهي على شاطئ بحر القلزم»(1).

وقال الإمام القرطبي: «وهذا سؤال تقرير وتوبيخ، وكان ذلك علامة لصدق النبي إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سبط إسرائيل، ومن سبط موسى كليم الله، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم، فقال الله -عز وجل- لنبيه: سلهم -يا محمد- عن القرية، أَمَا عذبتهم بذنوبهم، وذلك بتغيير فروع الشريعة»(2).

وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية: قرية (أيلة) التي تقع بين مدين والطور، وقيل: هي قرية طبرية، وقيل: هي مدين.

ومعنى كونها: "حَاضِرَةَ الْبَحْرِ" قريبة منه، مشرفة على شاطئه، تقول كنت بحضرة الدار، أي: قريبا منها. وقوله تعالى: "إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ" بيان لموضع الاختبار والامتحان، والمعنى: إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء، دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة، فإذا مر يوم السبت وانتهى، لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه، ابتلاء من الله -تعالى- لهم.

قال ابن عباس: «إن اليهود أُمروا باليوم الذي أُمرتم به، وهو يوم الجمعة، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله -تعالى- به، وحرم عليهم الصيد فيه، وأمرهم بتعظيمه فإذا كان يوم السبت شَرَعَتْ لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل، وذلك بلاء ابتلاهم الله به، فذلك معنى قوله تعالى: "وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ"(3).

وقال الإمام القرطبي: «ورُوي في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود -عليه السلام- وأن إبليس أوحى إليهم، فقال: إنما نهيتهم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد»(4).

وقوله تعالى: "كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" معناه: بمثل هذا الابتلاء، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت، واختفاؤه في غيره نبتليهم، ونعاملهم معاملة مَن يختبرهم، لينالوا ما يستحقونه من عقوبةٍ بسبب فسقهم، وتعديهم حدود ربهم، وتحايلهم القبيح على شريعتهم، فقد جرت سنة الله بأن مَن أطاعه سهل له أمور دنياه، وأجزل له ثواب أخراه، ومَن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر.

ثم بيَّن -سبحانه- فِرَق هذه القرية، وحال كل فريق، فقال تعالى: "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ".

والذي يُفهم من الآية الكريمة، -وعليه جمهور المفسرين- أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق.

1- فرقة المعتدين في السبت، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار.

2- فرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم.

3- فرقة اللائمين للناصحين ليأسهم من صلاح العادين في السبت.

وهذه الفرقة الثالثة هي التي عبر القرآن الكريم عنها بقول: "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" أي: قالت فرقة من أهل القرية لإخوانهم الذين لم يألوا جهدا في نصيحة العادين في السبت، لِمَ تعظون قوما لا فائدة من وعظهم، ولا جدوى من تحذيرهم؛ لأن الله -تعالى- قد قضى باستئصالهم وتطهير الأرض منهم، أو بتعذيبهم عذابا شديدا، جزاء تماديهم في الشر، وَصَمَمِهِمْ عن سماع الموعظة، فكان رد الناصحين عليهم: "مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ".

فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين:

الأولى: الاعتذار إلى الله -تعالى- من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والثانية: الأمل في صلاحهم وانتفاعهم بالموعظة، حتى ينجوا من العقوبة، ويسيروا في طريق المهتدين.

وقيل: إن أهل القرية كانوا فرقتين، فرقة أقدمت على الذنب، فاعتدت في السبت، وفرقة أحجمت عن الإقدام، ونصحت المعتدين بعدم التجاوز لحدود الله -تعالى- فلما داومت الفرقة الواعظة على نصيحتها للفرقة العادية، قالت لها الفرقة العادية على سبيل التهكم والاستهزاء: لِمَ تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا في زعمكم؟ فأجابتهم الناصحة بقولها: معذرة إلى ربكم، ولعلهم يتقون.

والذي نرجحه: أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق -كما قال جمهور المفسرين- لأن هذا هو الظاهر من الضمائر في الآية الكريمة، إذ لو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية (ولعلكم تتقون) بكاف الخطاب، بدل قولهم "وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الذي يدل على أن المحاورة قد دارت بين الفرقة اللائمة، والفرقة الناصحة.

قال الإمام القرطبي عند تفسيره الآية الكريمة: «إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق: فرقة عصت وصدت، وكانوا نحوا من سبعين ألفا، وفرقة نهت واعتزلت وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية، لِمَ تعظون قوما -عصاة- الله مهلكم، أو معذبهم على غلبة الظن، وما عهد حينئذ من فعل الله تعالى بالأمم العاصية؟» (5).

ثم بيَّن -سبحانه- عاقبة كل من الفرقة الناهية والعاصية فقال تعالى: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" أي: فلما لج الظالمون في طغيانهم، وعموا وصموا عن النصيحة، أنجينا الناصحين، وأخذنا العادين بعذاب شديد، لا رحمة فيه بسبب خروجهم على أوامر الله.

والآية الكريمة صريحة في بيان أن الذين أخذوا بالعذاب البئيس هم الظالمون المعتدون، وأن الذين نجوا هم الناهون عن السوء، أما الفرقة الثالثة التي لامت الناهين عن السوء على وعظهم للمعتدين، فقد سكتت عنها.

ويرى بعض المفسرين: أنها لم تنج لأنها لم تنه عن المنكر، فضلا عن أنها لامت الناصحين لغيرهم.

ويرى جمهور المفسرين أنها نجت؛ لأنها كانت كارهة لما فعله العادون في السبت، ولم ترتكب شيئا مما ارتكبوه، وإذا كانت قد سكتت عن النصيحة، فلأنها كانت يائسة من صلاح المعتدين، ومقتنعة بأن القوم قد أصبحوا محل سخط الله وعذابه، فلا جدوى من وعظهم، وإلى هذا الرأي ذهب صاحب الكشاف وغيره.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: الأمة الذين قالوا: لِم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا -من أي الفريقين هم؟ أمن فريق الناجين، أم من فريق المعذبين؟. قلت: من فريق الناجين؛ لأنهم من فريق الناهين، وما قالوا ما قالوا إلا سائلين عن علة الوعظ والغرض منه. حيث لم يروا فيه غرضا صحيحا لعلمهم بحال القوم، وإذا علم الناهي حال المنهي وأن النهي لا يؤثر فيه، سقط عنه النهي وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث، ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر والجلادين المرتبين للتعذيب، لتعظهم وتكفهم عما هم فيه، كان ذلك عبثا منك، ولم يكن إلا سببا للتلهي بك، أما الآخرون فإنهم لم يعرضوا عنهم، إما لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين، ولم يخبروهم كما خبروهم. أو لفرط حرصهم وحدهم في أمرهم، كما وصف الله تعالى رسوله في قوله: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" (6)  (الكهف: 6).

وقال الإمام ابن كثير: «ويروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال عندما سئل عن مصير الفرقة اللائمة، ما أدري ما فُعل بهم، ثم صار إلى نجاتهم لما قال له غلامه عكرمة: ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقالوا: "لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرَّفته أنهم نجوا فكساني حلة»(7).

والذي نرجحه أن مصير هذه الفرقة مفوّض إلى الله، لأنه لم يَرد نص صحيح في شأنها، فإن الآية الكريمة قد ذكرت صراحة عاقبة كل من الناصحين والعادين، ولم تذكر مصير الفرقة اللائمة للناصحة، ولعل ذلك مرجعه إلى أنها وقفت من العادين في السبت موقفا سلبيا استحقت معه الإهمال، إن لم تكن بسببه أهلا للمؤاخذة.

ثم فصل -سبحانه- ما عوقبوا به من العذاب البئيس الذي أصابهم فقال تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ". أي: فلما تكبروا عن ترك ما نهاهم عنه الواعظون، قلنا لهم كونوا قردة صاغرين فكانوا كذلك.

قال الألوسي: «والأمــــر في قوله -تعالــى-: "قُلْنَا" تكوينيٌّ لا تكليفي؛ لأنه ليس في وسعهم حتى يُكلَّفـوا به؛ وهذا كقوله -تعالى- "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (النحل: 40) في أنه يحتمل أن يكون هناك قول، وأن يكون الغرض مجرد التمثيل»(8).

وقيل في تفسير الآية: إن الله -تعالى- عاقب القوم أولا بالعذاب البئيس الذي يتناول البؤس والشقاء والفقر في المعيشة، فلما لم يرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم، مسخهم مسخا خَلْقيا وجسميا، فكانوا قردة على الحقيقة، وهو الظاهر من الآية وعليه الجمهور.

وقيل: مسخهم مسخًا خُلُقيا ونفسيا فصاروا كالقردة في شرورها وإفسادها لما تصل إليها أيديها، وهذا مروي عن مجاهد.

وتلك العقوبة كانت جزاء إمعانهم في المعاصي، وتأبيهم عن قبول النصيحة، وضعف إرادتهم أمام مقاومة أطماعهم، وانتكاسهم إلى عالم الحيوان لتخليهم عن خصائص الإنسان، فكانوا حيث أرادوا لأنفسهم من الصغار والهوان.

 

 (1) تفسير ابن كثير جـ 1 ص 256.

(2) تفسير القرطبي جـ 7 ص 403 طبعة دار الكتب المصرية سنة 1938.

(3) تفسير الفخر الرازي جـ 4 ص 316 طبعة المطبعة الأزهرية سنة 1308هـ.

(4) تفسير القرطبي جـ 7 ص 306.

(5) تفسير القرطبي جـ 7 ص 307.

(6) تفسير الكشاف جـ 1 ص 515.

(7) تفسير ابن كثير جـ 2 ص 257.

(8) تفسير الألوسي جـ 3 ص 147.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

الأكثر اطلاعا خلال شهر

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

 أ. د. نادي محمود حسن

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

 أ.د. محمد أبو موسى

بين الصيام والإحرام

بين الصيام والإحرام

 إعداد : د. أسماء عبد العزيز

رمضان في فلسطين

رمضان في فلسطين

  د. شيماء زيدان

رمضان والنفس البشرية

رمضان والنفس البشرية

 أ.د. محمد رمضان

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

 أ.د. عزيزة الصيفي

من وجوه التيسير في الصوم

من وجوه التيسير في الصوم

  أ.د. أمان محمد

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

 أ.د. أحمد أحمد غلوش

رمضان في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

رمضان في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

 د. سليمان جادو شعيب

الإخــاء ( 2 )

الإخــاء ( 2 )

 فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي

من الأدب النبوي أدب الطعام

من الأدب النبوي أدب الطعام

 أ.د. محمد عبد الفضيل القوصي

وقفات مع آيتي الرضاعة

وقفات مع آيتي الرضاعة

 أ. د. عباس شومان

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء

 الإمام/ محمد عبده

شهر رمضان في تجارب شعراء الأمة

شهر رمضان في تجارب شعراء الأمة

 أ.د. على عبد الوهاب

تشريع الصيام

تشريع الصيام

 ا.د. خالد البسيوني

123

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg