| 06 مايو 2025 م

بين المجلة والقارئ

إعداد الأستاذ/ محمد جمعة - سكرتير عام تحرير مجلة الأزهر

  • | الأربعاء, 22 مارس, 2017
بين المجلة والقارئ

تحرص مجلة الأزهر على التواصل الدائم مع قرائها، وتفتح صفحاتها للرسائل المتميزة من القراء؛ لذا نسعد بنشر رسائلكم ومقترحاتكم في باب (بين المجلة والقارئ).

عاقبة التكبر

الناس عند الله سواسية «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود علىأحمر، إلا بالتقوى» (مسند أحمد)

وقد زين الشيطان لبعض الناس خُلقًا نهايته هلاك، هو التكبر؛ فالمتكبر يصرفه المولى عز وجل عن تدبر آياته؛ يقول الله تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ"  

(الأعراف: 146)

كما يطبع المولى -عز وجل- على قلبه "كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" (غافر : 35)

ولقد ضرب الله أمثلة تبين كيف كانت نهاية المتكبرين؛ منها قوله تعالى: "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73)إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ(75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ"  (ص : 71 - 78)

وتبع إبليسَ فرعونُ حينما تكبر: "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" (النازعات: 24) فكان جزاؤه الغرق: "فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا"(الإسراء: 103).

وعن هذا الداء المهلك كتب الأستاذ/ مصطفى محمد عطيفي، رسالة بعث بها إلى المجلة جاء فيها:

التكبر هو استعظام النفس والتعالي على الناس واحتقارهم، والتكبر رأس كل خطيئة، ومعروف أن أول ذنب في الأرض كان بسبب التكبر عندما رفض إبليس اللعين أن يسجد لآدم، قال تعالى في سورة البقرة: "إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" لأنه اعتقد أنه أفضل من آدم، وقد حرم الله التكبر تحريمًا واضحًا، قال تعالى: "إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ" (النحل: 23)، وقال: "كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"  (غافر: 35).

وقال ﷺ: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (رواه مسلم)، كما توعَّد الله عز وجل المتكبر بالذل والمهانة في الدنيا قبل الآخرة، وأصدق مثال على ذلك قارون؛ ذلك المتكبر الباغي، قال تعالى: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ " (القصص: 76).

وكانت هذه نهايته "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ"(القصص: 81).

وقد ذم الصحابة رضوان الله عليهم التكبر، فقال عمر بن الخطاب: «ما وجد أحد في نفسه كبرًا إلا من مهانة يجدها في نفسه»، وقال علي بن أبي طالب: «عجبت للمتكبر كان بالأمس نطفة وهو غدًا جيفة قذرة».

ولهذا كله أمرنا الله -عز وجل- بالتواضع، ومن ذلك قوله: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص: 83) وقوله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13).

ويأمرنا رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه بالتواضع أيضًا فيقول: «وإن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» (رواه مسلم) وقال أيضًا ﷺ: «إن العفو لا يزيد العبد إلا عزًا فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء، فتصدقوا يزدكم الله» (الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، لابن شاهين).

وهاهو ﷺ يضرب لنا أفضل الأمثلة في التواضع ففي أثناء حفر الخندق في المدينة لحمايتها من الأحزاب لم يجلس النبي على كرسي متربعًا، يأمر وينهي، بل كان يعمل مع صحابته ويحمل التراب وينقله بعيدًا عن منطقة الحفر.

وضرب لنا سيدنا سليمان -عليه السلام- مثلًا آخر في التواضع، وهو النبي الملك فقد تواضع لرأي الهدهد، وبحث وحقق فيه دون أن يتعالى عليه أو يتعاظم، رغم تفاخر الهدهد بعلمه الذي علمه. قال تعالى في سورة النمل: " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ(20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ"

 

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"

إن ما يمر به العالم الإسلامي في هذه الفترة من أحداث ومحن يجعلنا نتساءل عما يجب علينا أن نفعله؟ وما دور كل منا تجاه ما يحاط بنا ؟ فكما قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"

وجاءت رسالة من الأستاذ/ يحيى السيد النجار، تحت عنوان (لغة البناء الحضاري)، يدعو فيها إلى اتباع المنهج الإسلامي لأنه السبيل للرشاد والنجاة يقول فيها:

ما أحوج المجتمع المسلم إلى الاعتصام بالعقيدة .. والالتزام بمنهج الإسلام!

فلو نظرنا لمجتمعنا المسلم عامة والعربي والمصري خاصة .. لوجدناه يموج بالعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية .. والشباب يضيعون أوقاتهم في شبكات التواصل الاجتماعي .. ويقضون فيها الساعات الطويلة بلا عائد أو مردود .. وكأن حركة المجتمع ليست بحاجة لإنتاج فكري وعملي وعلمي وحضاري.

والأمة الإسلامية شاهدة على الناس .. قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة: 143)

وقال: لماذا اختفت الرحمة أو كادت في التعامل بين الناس، وغاية الرسالة تحقيق الرحمة .. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107)

كما وصف مجتمع المسلمين بالرحمة في قوله تعالى: "رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (الفتح: 29)

والخطاب القرآني يحذِّر من الفرقة والشقاق والبغضاء والشحناء .. فقال تعالى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (آل عمران: 105)

وقال الرسول ﷺ: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (المستدرك على الصحيحين) .. والخطاب القرآني بيَّن سبل الهدى للإنسان بما يجعل النفوس تتحرك بالفضائل وتنفر من الرذائل .. ومعرفة الحلال والحرام .. مما يزود الإنسان بطاقاتٍ تدفعه نحو العمل الصالح .. فعلى سبيل المثال: لو نظرنا لقيمة التسامح في الإسلام لوجدنا أن الهدف من ذلك هو عدم تسلط القويّ على الضعيف، الأمر الذي يؤثر على سلوك المجتمع بالإيجاب، وغياب ثقافة التسامح يقسِّي القلوب، والتسامح في الحياة يذهب البغضاء ويلين القلوب.. وله ثواب عظيم .. وقال تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"  (فصلت: 34).

"نسيبة بنت كعب"

كانت مثالًا للمرأة المسلمة الشجاعة المضحية من أجل رفعة راية الإسلام، إنها أم عمارة نسيبة بنت كعب.

 فمن الأستاذ/ أحمد أبوالوفا صديق جاءت رسالة يقول فيها:

صحابية أنصارية جليلة، يُضرب بها المثل في التضحية والإيثار والبذل والعطاء.

وصفها الإمام أبو نُعيم الأصبهاني في (حلية الأولياء) فقال: «أُمُّ عمَارَةَ الْمُبَايِعَةُ بِالْعَقَبَةِ، الْمُحَارِبَةُ عَنِ الرِّجَالِ وَالشِّيبَةِ، كَانَتْ ذَاتَ جِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَصَوْمٍ ونُسُكٍ وَاعْتِمَاد».

وهي نموذجٌ من النساء اللاتي شاركن وتحملن المسئوليةَ في إقامة هذا الدين العظيم.

امتلأ قلبها بحب الله –تعالى- وحب نبيه ﷺ، فضربت أعظمَ الأمثلة في حبِّ وخدمة الدين الحنيف، فقدمت صفوةَ الأوقات، وعظيمَ الجهد، وبذلت وضحت في سبيل الله بكلِّ ما هو غالٍ ونفيس، لتمضي -رضي الله عنها- قُدمًا تهَبُ طاقاتِها لذلك منذُ لحظاتها الأولى في الإسلام.

مِن أوائل مَن بايع النبي ﷺ، وهي واحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية.

لقد قدَّمت أم عمارة وأبنائها حبيب وعبدالله وزوجها -رضي الله عنهم- المثلَ الأعلى في التضحية والفِداء، تقول أم عُمارة: «خرجتُ أولَ النهار إلى أُحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سِقاءٌ فيه ماء، فانتهيتُ إلى رسول الله ﷺ وهو في أصحابه، والغلبة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزتُ إلى رسول الله ﷺ، فجعلتُ أُباشِر القِتال، وأدافع عنه بالسيف وأرمي بالقوس حتى خَلُصت إليّ الجراح». هكذا قولها -رضي الله عنها-.

فأثنى عليها رسول الله ﷺ، ولم تكن وحدها، بل كان معها زوجها وأبناؤها، شاركوا جميعا في حماية النبي ﷺ(1).

 

(*) سكرتير عام تحرير مجلة الأزهر gomaa_m99@yahoo.com

(1) الطبقات لابن سعد.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

الأكثر اطلاعا خلال شهر

رمضان والبناء الروحي للإنسان المسلم

رمضان والبناء الروحي للإنسان المسلم

 أ.د. محمد عباس عبد الرحمن

مع القرآن في شهر القرآن

مع القرآن في شهر القرآن

 د. محمد محمد صالح

مع شهر رمضان وداعًا للتدخين

مع شهر رمضان وداعًا للتدخين

 أ.د. عادل محمد إبراهيم

الأزهر في مواجهة محاولات الاختراق

الأزهر في مواجهة محاولات الاختراق

 أ. د.محمد عبد الفضيل القوصي

استفتاءات القراء

استفتاءات القراء

 تجيب عنها لجنة الفتوى الرئيسة بالأزهر الشريف

خلق ( المواساة ) في ضوء تعاليم الإسلام

خلق ( المواساة ) في ضوء تعاليم الإسلام

 أ.د. رضا عبد المجيد المتولي

من مقومات الزواج في الإسلام الكفاءة ( 3 )

من مقومات الزواج في الإسلام الكفاءة ( 3 )

 أ. د. عبد الفتاح العواري

ركن الواعظات

ركن الواعظات

 الإشراف العام أ.د. إلهام محمد شاهين

الوحدة في الإسلام

الوحدة في الإسلام

 أ.د. أحمد عمر هاشم

الصيام وسيلة للرقي الروحي

الصيام وسيلة للرقي الروحي

 أ.د. رضا عبد المجيد المتولي

عناية الأزهريين بشهر رمضان وليلة القدر

عناية الأزهريين بشهر رمضان وليلة القدر

 أ.د. محمد عبد الدايم الجندي الجعفري

أثر اللغة العربية في الأحكام الشرعية

أثر اللغة العربية في الأحكام الشرعية

 أ. د. عباس شومان

بهجة البلاغة في آيات الصيام

بهجة البلاغة في آيات الصيام

 د. علي العطار

1234

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2025 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg