الوجه السادس من وجوه الإعجاز البلاغي عند الباقلاني وجهٌ يقترب اقترابًا مُحتاطًا من كلام البلاغيين بعده، ويدور حول أنَّ فنون البلاغة من الإعجاز والإطناب والتشبيه والاستعارة والحقيقة والمجاز كانت موضع عناية أهل البيان، وكان لها الحظ الأوفر من التجويد والتثقيف والتحسين، وهذه الفنون موجودة في الكتاب العزيز على وَجْهٍ تفضل فيه وجودها في الكلام، فالبسط والاقتصار الذي بُني عليه كلام القوم وألفته ألسنتهم وارتاضت عليه وبَرَعَتْ فيه، وبلغت فيه الغاية هو في الكتاب العزيز على وجه يقطع الأطماع ويقهر القوى، والحقيقة والمجاز وما استخرجته ألسنة الناس منهما وبلغت فيه الغاية التي تروق وتروع جاء كله في الكتاب العزيز فوق كل ما يروق وفوق كل ما يروع. وهكذا كل فنون تجويد الكلام وتحسينه وتحبيره التي برع فيها العربُ إلى زمن المبعث فوجئوا بها في الكتاب العزيز على وجه لم يألَفُوه ولم يُطيقوه، ولم يقاربوه. وإنما تخطى المثل الأعلى الذي كانوا يستشرفون إليه، ويجدُّون في الاقتراب منه. وحصل كل منهم ما أتيح له منه.
No content
A problem occurred while loading content.