كان الموعد المضروب هو اليوم الأول من هذا العام ــ عام ١٩٨٦ م ــ هو (رأس السنة) كما يسمونه، بعد أن اختفت في منتصف الليل أطراف القدمين من العام المنسحب، ولقد استبشرت خيرًا أن يكون ذلك اليوم من فاتحة العام الجديد هو موعد لقائي مع حشد كبير من طلبة الآداب وطالباتها ويسعدهم ويسعدني أن ينضم إلينا جماعة من زملائي الأكرمين فلقد تحقق في ذلك اللقاء ــ أول ما تحقق ــ أن تجسدت أمام عيني تلك الصورة التي تصورها الفنان اليوناني القديم حين رسم التقاء العامين عند تلك اللحظة الفريدة التي يدبر فيها عام ويقبل عام، فرسم رأسًا بشريًا، برز من عنقه الواحد وجهان، أحدهما يتجه إلى ناحية، والآخر يتجه إلى الناحية المضادة، الوجه الأول لرجل شاخت مجسماته وتغضنت بشرته وطالت لحيته وتشعثت، وأما الوجه الآخر فهو لشاب في نضارة العمر، تشيع ابتسامة الأمل بين ملامحه، ولا عجب، فقد كان التضاد بين الوجهين، هو نفسه التضاد بين ماض ومستقبل تفصلهما تلك اللحظة الحائرة، التي يتجاذبها أنصار القديم من ناحية، وأنصار الجديد من ناحية أخرى، أقول: إن لقائي بطلاب الآداب وطالباتها في ذلك اليوم الفريد قد جسد لي تلك الصورة لولا أن الوجهين في هذه الحالة لم يكونا متضادين في اتجاه البصر، بل كان الجانبان ينظر أحدهما إلى الآخر، إذ جلس الراحل وجها لوجه مع من وقف في بداية الطريق، على عتبة مستقبل مجهول لكنه مأمول.
No content
A problem occurred while loading content.