فرغتُ في المقالة السابقة من بيان القراءة المسكوت عنها والتي لم تكن في الشعر والبيان فحسب، وإنما كانت في العلوم كلها وهي القراءة المؤسَّسة على التدبر والتأمل والتغلغل في الذي نقرؤه، فإن كان شعرًا عرفنا سبكه ووصفه وسمته لا يلتبس علينا بغيره ما لا يلتبس علينا رجل برجل، واستخرجنا منه ما أراده الشاعر وما لم يرده. ومسألة أن تستخرج قراءتك من النص ما لم يرده صاحبه مسألة قديمة برزت في علومنا منذ فجر التأليف فيها، وقد سبق أن ذكرتُ أن الجرمي أفتى في الفقه من كتاب سيبويه ثلاثين سنة وأن هذا الذي استخرجه الجرمي لم يدخل في مراد سيبويه، وإنما جرد الجرمي نزعة التحليل والتدقيق والمفاتشة واستخرجها من كتاب سبيويه ونقلها إلى الفقه والحديث ففتح بذلك بابًا من الفتوى ظلَّ به يستخرج منه ثلاثين سنة.
No content
A problem occurred while loading content.