طبيعة الشيء حقيقتُه، أو صفتُه الجوهريةُ المميزةُ له عمّا سواه. وطبيعة العروض العربي ــ على هذا ــ عَرَضٌ لكل ناظرٍ فيه. إلا أنّ كُتبَ العروضِ المأثورةَ عندنا لم تستعمل الكلمةَ صراحةً وإنْ صرَّحتْ بقوانينه أو بما يقومُ عليه مِن قواعدَ في تفصيلٍ وافٍ محققٍ لفائدةِ العلم الأولى وهي تقريرُ الموازين.
لكنَّ إغفالَ الكلمةِ يبدو أنه أَغرى المستشرقين ــ إلى جانبِ إغراءاتٍ أخرى بطبيعة الحال ــ بالخَوْضِ في المسألة. ولَمّا كانت لغاتُهم مغايرةً في أصْل الخِلقةِ للعربية، وكان العروضُ مَبْنيًا على الشعر، وكان الشعرُ مبنيًا على اللغةِ، فقد شقّ عليهم ذوقُ الشعرِ واللغةِ والإدراكُ الصحيحُ للقوانين. ذلك أمرٌ مفهوم، أمَّا غيرُ المفهوم فهو أن ينقادَ لهم بعضُ علمائنا المُحْدثين، ممن لفّوا لَفَّهم، وأنْ يعتدّوا ما جاءوا به علمًا جديدًا يعالجُ ما ظُنّ عيبًا أو عيوبًا في العلم القديم. ونحن إِذَنْ كأنَّا بإزاء عروضَيْن، عروضِ الخليلِ ــ رضوانُ الله عليه ــ وعروضِ أهل الغرب. وهذا ما لا يُقبلُ؛ لأن العروض علْمٌ واحد، ولن يكونَ إلا واحدًا.
وهذا الذي قلتُه لك الآن قولٌ مُجمل، سيأتيك بيانُه فيما بعدُ، فاصبرْ.
No content
A problem occurred while loading content.