ذكرتُ في المقالة السابقة طرفًا من مبتكرات الباقلاني وأنه يوصيك بأن تكون شيخ نفسك وأن تقرأ الشعر وجهًا لوجه وأن لا تزال تتغلغل في شعر الشاعر حتى يكشف لك غطاءه فترى هيئته وصورته كما ترى هيئة الرجل وصورته، فلا يلتبس عليك شعر زيد بشعر عمرو كما لا يلتبس عليك وجه زيد بوجه عمرو، وأنه أول من فتح المصحف لَيقرأ لنا إعجاز القرآن من القرآن وليس من كتب الإعجاز؛ لأنها استخرجت ما فيها من المصحف فرجع بنا هو إلى المصحف، وعلى قياس هذا يمكنك أن تقرأ علم المعاني في ديوان طرفة أو عبيد أو امرئ القيس؛ لأن علم المعاني مستخرج من الشعر، فإذا رجعت إلى الشعر رأيت علم المعاني هناك علمًا غضًا طريًا، ولأنك سترى تصاريف طرفة لأساليب الحديث والذكر والفصل والوصل، ويبدأ هذا العلم بتخصص ويصبح فنونًا وطرقًا لكل شاعر منهج وطريق، وكل هذا جيد ويمكنك أن تجده في كلمة واحدة قالها هذا العبقري الذي لا يعرف الجيلُ عنه شيئًا وأعني بها قوله "سبك أبي تمام" وعلم البلاغة كله علم سبك البيان.
No content
A problem occurred while loading content.