من أسرار الله في العلم وأهله أنك كلما زدت بابًا من أبواب العلم نظرًا زادك هذا الباب عطاءً، وكأن العطاء لا ينبع من الباب ولا يأتيك منه، وإنما ينبع من النظر والتدبر ويأتيك منه، ولما قال امرؤ القيس "أَصَاحِ تَرَى بَرْقًا أُرِيكَ وَمِيضَهُ".
فأشار إلى أن عينه وعين صاحبه سواء في رؤية البرق، وأنَّ لهذا البرق وميضًا تراه عين امرئ القيس ولا تراه عين صاحبه كذلك الحال في التدبر، ترى عين المتدبر؛ في المعرفة وميضًا لا تراه عيون غير المتدبرين، وربما كان هذا الوميض وهمًا ولكن العقل المشغوف بحب المعرفة لا يزال يراوغه وينفث فيه حتى يُصيّره علمًا، ولهذا كان العلماء يقولون: إنّ كلام العلماء علم حاضر ومَنْبَهة لعلم غائب، والعلم الغائب لا يلقاك على الطريق وإنما هو ومض كالبرق الذي أكثره خُلَّب، وربما سكن وراء باب العلم. وباب العلم هذا الذي يسكن وراءه الوميض لا يفتح إلا بعد إدمان قرعه كما قال الجاحظ، وإدمان القرع الذي قاله الجاحظ هو طول التدبر في الباب الذي كلما زدته نظرًا زادك عطاء.
No content
A problem occurred while loading content.