لم أصدق (توم لاندو) عندما قرأت كتابه منذ لا أدري كم من عشرات السنين، وكان كتابه ذاك عن فن التعامل بين الناس، وقد كنت استعرته من صديق أوصاني بقراءته، لم أصدقه حين وجدته لا يكف ــ صفحة من كتابه بعد صفحة ــ لم يكف عن التحذير من صعوبة التعامل مع الآخرين، وأن الأمر في ذلك ليس من البساطة واليسر الذي يظنه الناس، فهؤلاء الناس كثيرًا ما يعيشون مع غيرهم، وهم على وهم بأن معاملة الآخرين يجيء مع الفطرة في سهولة وكأنها شربة ماء، إنها لو جاءت مع الفطرة لهان خطبها، فهي مع الحيوان تجيء مع فطرته، وذلك قلما يعترك حيوان مع حيوان من نوعه، وحتى إن فعل جاء اعتراكه أقرب إلى ممازحة اللعب، فيها إلى جد القتال، كما نرى أحيانًا بين القطط والكلاب، وأما أفراد الناس فشأنهم في التعامل بعضهم مع بعض عجب من عجب، إن النمر لا يضمر الشر بالنمر ثم يبدي له الصداقة ليلهيه، ولا الضبع يتودد إلى الضبع وفي نفسه ما في نفسه من كيد، وأما الإنسان فقد أفسد غرائزه الطبيعية ــ التي هي غرائز حيوانية في أساسها ــ أفسدها بما أضافه من (ثقافات).
No content
A problem occurred while loading content.