ذكرت في المقالة السابقة قول الرازي: إننا لو قلنا في السور القصار إن الإعجاز فيها هو البلاغة التي تقطع الأطماع وتقهر القوى والقُدَر لَلَج الخصم وتماحك، فلا علينا إذا قلنا إن الإعجاز فيها راجع إلى الصرفة والرازي لا يشك في أن الإعجاز فيها راجع إلى البلاغة التي هي فوق طاقة البشر كل البشر، وأن المعجز يستوي فيه القليل والكثير، وأن العجز عن خلق أصغر طائر يطير بجناحيه كالعجز عن خلق السماوات والأرض وما بينهما، ولكن الرازي يعلم أنه يخاطب المعاندين والمثيرين للفتنة والتابعين لما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وأن هؤلاء إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلًا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ومثل هؤلاء خطر على المجتمع وليسوا خطرًا على الدين؛ لأن الدين تكفل ربنا بحفظه وأنه لا يستطيع سفيه أن يُطفئ نور الله، وأن هذا الدين ظاهر على الدين كله والمطلوب حماية المجتمعات من أمثال هؤلاء؛ لأن إثارة الفتنة في الدين بين الجماعة الوطنية شرٌّ لا يحاط به.
No content
A problem occurred while loading content.