| 28 مارس 2024 م

تيسير معاني القرآن في أجزائه الثلاثين

  • | الأحد, 26 يونيو, 2016
تيسير معاني القرآن في أجزائه الثلاثين

أ.د.محمد المختار المهدي

 

من سورة المائدة

كذب اليهود وتدليسهم:

ينبهنا القرآن الكريم في بدء هذا الجزء إلى العداوة المتأصلة في قلوب اليهود والمشركين لهذا الدين، ويعبر عن ذلك بصيغة المستقبل، وكلما قرأنا ذلك في كتاب الله علمنا أنهم يتآمرون علينا، وأنهم يتخذون من المنافقين وسيلة لتنفيذ مخططاتهم. (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)

(المائدة: 82، 83)

أما المنافقون فقد دأبوا على مناصرة أعداء الإسلام، وقالوا: (نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)

(المائدة: 52)

وفي هذا الإطار يفضح كذب اليهود وتدليسهم حين أنكروا حد الرجم للزاني المحصن الذي باشر العلاقة الجنسية في زواج صحيح، مع أن ذلك موثق في توراتهم، فقد جاءوا إلى رسول الله ﷺ ليحكم بغير ما أنزل الله، ولكن الله عز وجل أخزاهم وبين أن حكم الله في التوراة وفي القرآن، وأن ما جاء في القرآن مصدق لما كان في التوراة والإنجيل من هدى ونور، وأنه مهيمن على كل ما نزل من كتب السماء السابقة، وأن الحكم بما أنزل الله في هذا القرآن واجب، بحيث من

(تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)

(المائدة: 44)

(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)

(المائدة: 45)

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)            (المائدة: 47)

- حكم يمين اللغو:

ثم جاءت الآيات الكريمة تبين للمؤمنين رحمة الله بهم حيث لا يؤاخذهم باللغو في أيمانهم، وهذا اللغو هو الذي لم يقصده الحالف أساسًا ولم يعزم عليه، فإذا عقد اليمين ثم خالف ما حلف عليه فعليه أن يكفر عن يمينه

بـ(إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)

(المائدة: 89)

فإذا عجز

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)

 (المائدة: 89)

فتلك

(كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

 (المائدة: 89)

ولم تفوا بما وعدتم به.. ثم جاء الأمر للمؤمنين أن يجتنبوا الخبائث. وأم الخبائث هي الخمر التي تُغيِّب العقل وتعتدي على أهم ما ميز الله به الإنسان. وأضاف إلى هذه الجريمة الميسر والأنصاب والأزلام، وجعلها رجسًا من عمل الشيطان، وأن الشيطان يستغلها في إحداث العداوة والبغضاء بين المسلمين، وإلهاء الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، وطلب من المؤمنين أن ينتهوا عن هذه الخبائث وأن يكونوا من العقلاء المتدبرين.. ثم حرم عليهم إذا كانوا محرمين بالحج والعمرة أن يصطادوا من صيد البر، تأمينا لهذا الحرم، واكتفاء بأن أباح لهم صيد البحر ماداموا محرمين، وعليهم حينما يكونون في هذه الأراضي المقدسة أن يحترموا شعائر الله وأن يعظموا الكعبة والهدي المقدم إلى فقراء الحرم، وأن يكونوا مثلا ونماذج لأخلاق الإسلام، ثم نبههم إلى أن سؤالهم عما لم يبينه الله عز وجل في كتابه الكريم أو سنة نبيه العظيم تجاوز منهم، حيث إن الله عز وجل لم يكن ناسيًا، ولكنه ترك ذلك رحمة بهم، وبناء على ذلك لا ينبغى للإنسان أن يسأل عما لم يجده فى كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله، والحلال هو ما أحله الله، والحرام ما حرمه، أما المشركون الذين حرموا بعض الأنعام مما أحله الله من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فكل ذلك افتراء على الله عز وجل، وليس على المسلم إلا أن يقوم بما أوجبه الله عليه من مسئوليات وإذا اهتدى فلن يضره أحد ممن خالفه،

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

(المائدة: 105)

ثم إذا مات الإنسان في مكان مجهول ووصى ببعض أمواله وهناك من شهد على هذه الوصية فعلينا أن نستوثق من هذه الوصية بالإشهاد عليها وبمواجهة الشهداء بعضهم مع بعض حتى نستوثق مما وصى به الميت، حيث لا بينة على ذلك إلا بالشهود، ونبه القرآن الكريم عن أن الله سيجمع الجميع ومنهم الرسل يوم القيامة ليسألهم عما بلغوه إلى أقوامهم

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)

(المائدة: 109)

وسيسأل سيدنا عيسى ويذكره بنعمته عليه وبما آتاه من معجزات في نفخه في صور الحيوان والطير فإذا به يحيا بإذن الله، وفي إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، وبهدايته للحواريين أن يؤمنوا به، ومع ذلك فإن الحواريين قد طلبوا من سيدنا عيسى أن يُنزِل الله -عز وجل- عليهم مائدة من السماء يأكلون منها وتطمئن بها قلوبهم، وتكون آية يشهدون بها ويجعلونها معجزة باقية، ومع استغراب الطلب لجأ سيدنا عيسى إلى ربه

(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ)

(المائدة: 114)

ونزلت تلك المائدة، ولكن ترتب على ذلك أن من

(فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ)

(المائدة: 115)

ثم ينبه القرآن الكريم أنه سيسأل عيسى بن مريم يوم القيامة عما ادعاه أتباعه من أنه أمرهم بأن يعبدوه وأمه، فسيقول سيدنا عيسى:

(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

(المائدة: 117، 118)

سورة الأنعام

تبدأ بحمد الله خالق السماوات والأرض، وجاعل الظلمات والنور، خالق الإنسان من طين، محدد له أجلا في الدنيا يتركها إلى الآخرة، ومحدد له أيضا أجلًا آخر للحساب والجزاء في يوم الدين، ولقد طلب المكذبون بهذا أن ينزل القرآن الكريم في كتاب مسجل من السماء، مع أنهم حاقدون رافضون، ولو نزل هذا الكتاب كما أرادوا ولمسوه بأيديهم لقالوا:

(إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)

(الأنعام: 7)

طلبوا كذلك أن يكون مع الرسول ملك، ولو نزل الملك مع محمد ﷺ لجاء فى صورة بشر ولجاء الشك في أنه ملك أو بشر، لأن الملك لا ينزل بصورته الحقيقية، ولقد أوحى الله -عز وجل- إلى محمد بهذه الرسالة لينذر بها قومه ومن بلغته الرسالة إلى يوم القيامة وسيحشر الجميع ويسألهم عن كل ما كلفوا به، ولقد كان الأولى بهم أن يسألوا أنفسهم عمن يرزقهم ويطعمهم وهو لا يُطْعَم، ألا يخافون عذاب الله

(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)

(الأنعام: 18)

لا غرابة فليس محمد ﷺ أول من كُذِّب، وليس في مقدوره أن يأتي بمعجزات ولو خرق الأرض ولو صنع سلمًا في السماء، لأن ذلك كله بإرادة الله وحده، من هنا كان على الجميع أن يؤمن، وأن تكون الرسالة مبلغة إلى الجميع بالرغم من أن المترفين لا يريدون الضعفاء في مجلسهم، مع أن الله عز وجل سيجعل من هؤلاء الضعفاء جنودا للحق، فأمر نبيه ألا يطرد هؤلاء الضعفاء المؤمنين بالله لا بالأصنام ولا بالكواكب.

إبراهيم عليه السلام والعبودية الخالصة:

وهنا تأتي قصة سيدنا إبراهيم مع الكواكب، ذلك أنه وجد أناسًا يؤمنون بالكواكب، فوقف أمام النجم واتفق معهم على أن الإله لا ينبغى أن يغيب عن الخلق، فلما ذهب هذا النجم وأفل قال:

(هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)

(الأنعام: 76)

ثم جاء القمر وأفل، وجاءت الشمس وأفلت فإذا به يتوجه إلى الله عز وجل

(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)

(الأنعام: 79)

وألزمهم الحجة، وآتاه الله عز وجل الفن والرشد في مخاطبة وجدال المخالفين لمن فلق الحَب والنوى، ومن فلق الإصباح، وأنزل من السماء ماء أنبت به ما يطعم به الإنسان ويعيشه، فعلينا جميعًا أن نعود إلى رب العزة الذي خَلَقَ ورزق وهيمن وأنزل ما يهدينا إلى طريقه المستقيم.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
2.0

الأكثر اطلاعا خلال شهر

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء

 الإمام/ محمد عبده

الإخــاء

الإخــاء

 فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي

دور التكنولوجيا الحديثة في الدراسات الشرعية

دور التكنولوجيا الحديثة في الدراسات الشرعية

 أ. د. محمد عبد الرحمن الضويني

من مجالس شرح كتاب سيبويه

من مجالس شرح كتاب سيبويه

 أ.د. عبد الفتاح محمد حبيب

الأسوة في القرآن الكريم

الأسوة في القرآن الكريم

 ا.د. عبد المنعم عبد الله حسن

شعبان شهر العطاءات والنفحات

شعبان شهر العطاءات والنفحات

 ا.د. غانم السعيد

الإسراء وتحويل القبلة

الإسراء وتحويل القبلة

 د. محروس رمضان

معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم

معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم

 أ.د. حسن عبد الرحمن سليم

المحبة المحمدية

المحبة المحمدية

 أ.د. محمد عبد الفضيل القوصي

حادث تحويل القبلة بين الحكم والدروس والعبر

حادث تحويل القبلة بين الحكم والدروس والعبر

 أ.د. السيد أحمد سحلول

شبهة حول عقوبة السرقة وبيان بطلانها

شبهة حول عقوبة السرقة وبيان بطلانها

 أ.د. عبد الفتاح العواري

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

 أ. د. نادي محمود حسن

الأزهر يشارك بجناح خاص في الدورة الـ (55 ) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

الأزهر يشارك بجناح خاص في الدورة الـ (55 ) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

 إشراف: د. حسن خليل / تغطية خالد عبادة

من فضائل شعبان الممهد لشهر رمضان

من فضائل شعبان الممهد لشهر رمضان

 أ.د. محمد فتحي فرج

123

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg