| 23 أبريل 2024 م

تيسير معاني القرآن الكريم في أجزائه الثلاثين (الجزء الحادي عشر من سورة التوبة)

أ.د/ محمد المختار المهدي عضو هيئة العلماء

  • | الأحد, 30 أكتوبر, 2016
تيسير معاني القرآن الكريم في أجزائه الثلاثين (الجزء الحادي عشر من سورة التوبة)

علم الله عز وجل بقلوب عباده:

يبدأ هذا الجزء برفع اللوم عمن أتوا رسول الله ﷺ ليساعدهم على الجهاد ولم يجد ما يحملهم عليه، إذ ( تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)

(التوبة: 92)

أما أولئك الذين يختلقون الأعذار وهم أغنياء، ويرضون أن يتخلفوا مع النساء، فقد طبع الله على قلوبهم، وفضحهم، ووصفهم بالرجس

    (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

(التوبة: 73)

وهناك الأعراب الذين يبخلون عن النفقة في سبيل الله، ويعدونها مغرمًا، ويتربصون بالمسلمين الدوائر، وهم

(أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفاقًا)

(التوبة: 97)

ومع ذلك من هؤلاء الأعراب قوم صالحون يتخذون ما ينفقون مغنمًا

(قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ)

(سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ)

(التوبة: 99)

وهناك السابقون:

(الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُﭩ) 

(التوبة: 100)

وهناك من:

( خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ)

(التوبة: 102)

وسيطهرهم ربهم بالزكاة وبالتوبة والعمل الصالح، وسيرى الله ذلك والمؤمنون:

(هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

(التوبة: 104)

مسجد الضرار:

وهناك من اتخذ  (مَسْجِدًا ضِرَارًا)

 (التوبة : 107)

 يناوئ فيه الدعوة الإسلامية ويجمع فيه أعداء الإسلام باسم الإسلام، فسيظل بنيانهم ريبة في صدورهم، وسينهار بهم فى جهنم وبئس المصير، إن الجهاد في سبيل الله شرف، ومن نال فيه الشهادة استبشر بجنة عرضها السماوات والأرض، وليس هناك محاباة لقرابة من رسول الله، فقد مُنع رسول الله ﷺ أن يستغفر لعمه المشرك:

(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )

(التوبة : 114)

العلاقة إذن هي الإيمان، ومن استجاب لرسول الله في غزوة العسرة في تبوك مع ما كان فيها من شدة وأذى تاب الله عليه ووعده بالجــزاء العظيم.

الثلاثة الذين خلفوا:

كما تاب على

(الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)

(التوبة : 118)،

صبروا على مقاطعة المسلمين لهم فتاب الله عليهم، وما كان لأحد أن يتخلف عن الجهاد بعد أن يعلم أن أي أذى يلحقه وأي ظمأ أو جوع يحدث له، سيكتب له الله به عملاً صالحًا ويجزيه بأحسن ما كان يعمل.

التفقه في الدين من الجهاد:

ومن الجهاد في سبيل الله أن ينفر

(مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)

(التوبة : 122)

وليتعمقوا في فهمه ويبذلوا في ذلك المشقات ليحصلوا على العلم النافع

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)

(التوبة : 122)،

وتلك فريضة من فرائض الكفاية عن الأمة كلها، ومن مقتضيات الجهاد أن يُري المسلمون أعداءهم في كل عام ما عندهم من قوة حتى لا يجترئوا على حماهم، وحتى يظلوا أعزة كرامًا بعيدين عن العنف الذي يعز على رسول الله ﷺ أن تقع فيه الأمة:

(قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

(التوبة : 128)

سورة يونس

تبدأ بالإشارة والإشادة بـ

(آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)

(يونس : 1)

التي أوحاها الله إلى خاتم المرسلين، وتهتم بتقديم الأدلة والبراهين من الآيات الكونية والنعم الإلهية على صدق هذا الرسول العظيم، وتتعرض لطبيعة النفس البشرية التي تتعجل الخير وتتضرر من وقوع الشر، وإذا كشف الله الضر عنها نسيت فضله، وإذا تُليت عليها آيات الله تكلفهم بما يستصعبونه، تطلب قرآنًا آخر غير هذا، وما كان لمحمد أن يغير فيما أنزله الله، وما جاء القرآن الكريم إلا ليبين للناس ما اختلفوا فيه، وليبين لهم خداع الحياة الدنيا وزخرفها

(حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَاحَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)

(يونس : 24)

هكذا الله - عز وجل - يدعو الناس إلى دار السلام، ومن أحسن فله

(الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)

(يونس : 26).

القرآن الكريم المعجزة الكبرى:

(وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ)

(يونس : 37)

ومن يدعي ذلك فليأت بسورة واحدة منه، وليدع من استطاع من البشر أجمعين أن يساعدوه على أن يأتي بتلك السورة، ولن يفعل، إن من يكذب بالقرآن جاهل لما حواه، وسيأتيه العذاب بياتًا أو نهارًا، فلا داعي للاستعجال بهذا العذاب، لقد نزل القرآن فيه:

(مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)

(يونس : 57)

وكان الأولى للبشر أن يفرحوا بفضل الله ورحمته فـ (هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)

(يونس : 58)

لقد بين الحلال والحرام، وكان فضل الله به على الناس عظيمًا، ومن يتلوه ويعمل به فسيرى الجزاء العظيم ممن لا يعزب عنه

(ثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ)

(يونس : 61)

إنه بذلك سيكون من  (أَوْلِياءَ اللَّهِ)

الذين (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

(يونس : 62)

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)

(يونس : 64)

وما جاء في القرآن متفق مع رسل الله -عز وجل- ، مع ما أرسل نوح به وكذب به قومه فنجاه الله وأغرقهم، وجاء بعده رسل كثيرون، ثم جاء (مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا )

(يونس : 75)

واتهموهما بسلب ملكهم، وجاءوا بالحسرة، وأبطل الله سحرهم، ونصح موسى قومه بالصبر والتوكل وإقامة الصلاة، ودعا على فرعون، فاستجاب الله دعاءه وجاوز (بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ)

(يونس : 90)

ودخل فرعون في الغرق، وأراد أن يؤمن، ولم يستجب الله له، فقد كان ذلك وقت الغرغرة، ونجَّى الله بدنه ليكون آية لمن بعده، كل هذا يعلمه من أرسل قبل محمد وجاء في كتب الله، وما آمن من أقوام الرسل إلا قوم يونس، ولما آمنوا كشف الله عنهم الخزي في الحياة الدنيا، ومتعهم الله -عز وجل- بالعز إلى حين، وهكذا وعد الله - عز وجل -  وأنجز وعده، وكان حقّا عليه أن ينجي المؤمنين، (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) 

(يونس : 108)

(وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)

(يونس : 109)

فعليكم أن تكونوا مع الحق، والحق قد جاء مع محمد ﷺ ولا حق سواه،

(فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)

(يونس : 32)

أمامكم سبل النجاة، وأمامكم الطريق فلا تضلوا الطريق، وكونوا مع الله يكن الله معكم وينصركم على أعدائكم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

الأكثر اطلاعا خلال شهر

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

 أ. د. نادي محمود حسن

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

 أ.د. محمد أبو موسى

الإخــاء ( 2 )

الإخــاء ( 2 )

 فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي

من الأدب النبوي أدب الطعام

من الأدب النبوي أدب الطعام

 أ.د. محمد عبد الفضيل القوصي

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء

 الإمام/ محمد عبده

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

 أ.د. أحمد أحمد غلوش

رمضان والنفس البشرية

رمضان والنفس البشرية

 أ.د. محمد رمضان

بين الصيام والإحرام

بين الصيام والإحرام

 إعداد : د. أسماء عبد العزيز

من الفتوحات الربانية في رمضان

من الفتوحات الربانية في رمضان

 أ. د. محمد عبد الرحمن الضويني

رمضان في فلسطين

رمضان في فلسطين

  د. شيماء زيدان

تشريع الصيام

تشريع الصيام

 ا.د. خالد البسيوني

مواقع التواصل الاجتماعي وتحدي الروحية في رمضان

مواقع التواصل الاجتماعي وتحدي الروحية في رمضان

 أ.د. محمد الجندي الجعفري

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

 أ.د. عزيزة الصيفي

العشر الأواخر من رمضان

العشر الأواخر من رمضان

 أ.د. أحمد عمر هاشم

من وجوه التيسير في الصوم

من وجوه التيسير في الصوم

  أ.د. أمان محمد

12

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg