| 26 أبريل 2024 م

من تراث الأزهر (الطرق الصوفية في المجتمع المصري)

أ/ عاطف مصطفي

  • | الإثنين, 31 أكتوبر, 2016
من تراث الأزهر (الطرق الصوفية في المجتمع المصري)

تحرص (الهلال) دائمًا على الاستفادة من الطاقات العلمية لدى مصرنا العزيزة والعلماء الذين أثروا حياتنا الثقافية على مر الزمان ومن بينهم الدكتور سيد عويس، عميد علماء الاجتماع في الوطن العربي في زمانه، والذي قضى حياته في البحث عن الظواهر الاجتماعية والعادات السلوكية والموروثات القديمة، والذي يعد ضميرًا حيًا للمجتمع في همومه الذاتية.

شارك الدكتور سيد عويس في الجزء الخاص عن (التصوف) والذي أصدره الهلال في أول يونيو 5891م بمقال عنوانه (الطرق الصوفية في المجتمع المصري).

الطرق الصوفية لها شأن كبير في مصر

حيث يبدأ مقاله قائلاً: في ضوء بعض الدراسات والبحوث التي قمت بإجرائها تبين أن للطرق الصوفية في مصر شأنًا وأي شأن، فهي من أقوى جماعات الضغط في المجتمع المصري المعاصر.

فالأرقام تقول إن في مصر 67 طريقة صوفية مسجلة طبقًا للجدول الرسمي المعتمد، وإن عدد أبناء الطرق الصوفية المنتظمين ستة ملايين، وإن هناك ثماني طرق صوفية غير  مسجلة، وإن مشايخ هذه الطرق الأخيرة ومريديها كلهم من حملة المؤهلات العليا، وإن لدينا 2850 مولدًا للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة.. وأن بين مشايخ الطرق الحاليين (2 لواء و3 دكتوراه وسفير سابق ومدير عام).. ويرى البعض أن عدد أبناء الطرق الصوفية المنتظمين في مصر ثلاثة ملايين فحسب.

وتأكد من نتائج الدراسات والبحوث المشار إليها ولاء المصريين لأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) وأن له عندهم مكانة رفيعة في قلوبهم، ونجدهم يحتفلون بمولده -رضي الله عنه- في كل عام، احتفالاً تشترك فيه مختلف الطوائف الصوفية في الساحة الحسينية بالقاهرة، ويسهر في هذا الاحتفال الذي يستمر أيامًا المجلس الصوفي الأعلى و(جمعية أهل البيت).

ولعل من المناسب للتأكيد على الدور الذي تؤديه الطرق الصوفية في تكريم (الإمام علي بن أبي طالب) أن أسجل في هذا المقال الحالى (نص إجازة لأحد خلفاء الطريقة الخلوتية الجنيدية) وهي تبدأ أول ما تبدأ بالآية الكريمة:

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا  (البقرة : 257)

ثم تسجل الإجازة نص وصية الإجازة للسالكين في طريق السادة الخلوتية الجنيدية، وتبدأ بعد البسملة والحمد لله القول (بأنها إجازة عن شيخنا وقدوتنا العارف بالله وشيخ عموم السادة الخلوتية الجنيدية بجمهورية مصر العربية، حفيد الإمام الجنيدي -رضي الله عنه وأرضاه-، صاحب الفضيلة سيدي الشيخ حسين إبراهيم الدسوقي الجنيدي المقيم بنزلة الجنيدي مركز الواسطي محافظة بني سويف.. ثم تؤكد الوصية أن الطريق طريق غيب غير محسوس، وسلوكه للقلوب لأنه من الغيوب، فيجب على المريد التصديق بآثاره والإذعان لسطوع أنواره مع الجهد والاجتهاد والتوجيه الكلي والاستعداد لأن سلوكه يصعب على النفوس، لكنه علم ذوق لا ينظر في الطروس، ومثال السالك فيه كمثال السالك في طريق الحج لابد من ترك وطنه.. وهنا كذلك، ثم يترك الأهل والأوطان رغبة في رضاء الملك الديان.. وكذلك هنا لا بد أن لا يلتفت إلى أهل ولا أوطان ولا إلى أصحاب ولا إخوان، بل لابد من تغير الأنفاس والجلاس ليصير من الأكياس.. ثم لابد له من زاد وهو هنا التقوى لقوله عز من قال:

"وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ" (البقرة : 197)

ولابد من سلاح يرهب به عدوه وهو هنا الذكر، ولابد له من راحلة حتى يهون عليه الطريق وهنا المقصود منه الهمة، لأنها بها ترقي المريد إلى أعلى المقامات، ولابد له من دليل يسير أمامه وهو هنا الأستاذ المربي، فإن من سلك طريقًا بغير دليل تاه وضل، وربما هلك مع الهالكين، ولا بد له من رفقة يستأنس بهم إذا سار وأراد أن يشتعل مصباح الحكمة في بيت قلبه المظلم من آثار السهر والعمل بالحظ والهوى ليرى ما فيه من الرذائل فيطهره منها ويخرج بكليته عنها لابد له من سبعة أشياء، لأن من أراد أن يوقد المصباح فلابد له منها ... ثم تذكر الوصية أن هذه الأشياء السبعة هي: الزناد، والحجر، والحراق، والكبريت، والمسرجة، والفتيلة، والدهن.. وكلها كما يرى القارئ رموز الأفعال.

يقول الدكتور سيد عويس مواصلاً: فالزناد هو زناد الجهد والجهاد والحجر هو حجر التضرع إلى الله، والحراق هو احتراق النفس بالمخافة.. قال تعالى:

 

"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ"    (النازعات: 40 ، 41)

والكبريت هو كبريت الإنابة إلى الله تعالى، والمسرجة هي مسرجة الصبر، والفتيلة تعني الشكر لله على نعمه، ثم لابد بعد كل ذلك من دهن الرضا بالقضا (القضاء)، فإذا تخلق المريد بهذه الأوصاف السبعة، فحينئذ يمكنه أن يشعل مصباح الحكمة في قلبه، وهذه كرامة يكرم الله بها المريد أن يوقد في قلبه مصباحًا ملكوتيًا يحميه من الدسائس النفسية.. فالقلب يشبه البيت فيه خمس نوافذ يدخل فيها الهوى إذا فتحت، وإذا أغلقت امتنع دخول الريح إلى ذلك البيت.

وعند غلقها يقوى نور ذلك المصباح ويشرق البيت به.. وإذا فتحت هذه النوافذ أو الكوات أو إحداها ضعف إشراق ذلك النور وربما انطفأ.

والمقصود من الكوات الخمس هو الحواس الخمس، وعلى المريد أن لا يشغل حواسه الخمس لغير الحق ومن ثم يشغل قلبه بمراقبة جلال الحق تعالى وعظمته وكبريائه التي هي كناية عن المصباح.

كل من خالف الشريعة المحمدية تاه

وتذكر الوصية بعد ذلك أنه يجب على أهل الطريق أن لا يخطوا خطوة ينكرها الشرع عليهم.. فإن كل من خالف الشريعة المحمدية تاه وضل عن الطريقة المرضية.. فالشريعة أصل والحقيقة فرع، فكل من لم يحكم الأصل لا ينفع به الفرع، ولهذا كان سيد رؤساء هذه الطريقة سيدي أبو سليمان الداراني -رضي الله عنه وقدس سره- يقول: ما حرموا الوصول إلا بتضييعهم الأصول، فشريعة بلا حقيقة باطلة، وحقيقة بلا شريعة عاطلة.. ثم تحض الوصية على قيام أهل الطريق بأوراد الطريق جميعها من غير إخلال بشيء منها، وأن يوبخوا أنفسهم إذا تخلفوا عن مجلس ذكر ووعظ وغير ذلك.. وذلك لأن سيدي إبراهيم الدسوقي -رضي الله عنه- كان يقول ما قطع مريد أوراده يومًا إلا قطع الله عنه الإمداد في ذلك اليوم.

وشروط الطريقة كما تذكرها الوصية ثمانية وهي:

الصمت، والجوع، والسهر، والاعتزال، ودوام الطهارة ظاهرًا وباطنًا، ومداومة الذكر بالاسم الذي يلقنه الشيخ لمريديه، ونفي الخواطر من القلب، وربط قلب المريد بالأستاذ، ومعناه أنه يداوم على مشاهدة صورة الشيخ.. وشرحت الوصية كل شرط من هذه الشروط شرحًا وافيًا وتهتم الوصية بآداب أصول الطريق وهي عشرون، خمسة سابقة على الذكر، واثنا عشر في حالة الذكر، ثم ثلاثة بعد الانتهاء من الذكر، وفصلت الوصية هذه الأسباب وشرحتها.

وتتضمن الآداب التي قبل الذكر: التوبة، والغسل للذكر، والسكون أن يستمد المريد بقلبه عند شروعه في الذكر من همة شيخه.

وتتضمن الآداب في حالة الذكر جلوس المريد على مكان طاهر، وأن يضع راحتيه على ركبتيه، وأن يطيب المجلس بالرائحة الطيبة، وكذلك ثيابه، وأن يلبس المريد اللباس الحلال الطيب، وأن يكون المكان مظلمًا، وأن يغمض المريد العينين، لكي تنشط الحواس الظاهرة، وأن يتخيل المريد شخص شيخه بين عينيه، والصدق في الذكر، والإخلاص فيه، وأن يختار من صيغ الذكر (لا إله إلا الله) لأنها لها تأثيرًا لا يوجد في غيرها، وأن يستحضر المريد معاني الذكر، وأن ينفي كل شيء موجود حال الذكر من القلب سوى الله سبحانه وتعالى، فالله غيور أن يرى في قلب عبده المؤمن غيره!

أما الآداب التي تعقب الذكر فأولها يسكن إذا سكت ويخشع، وثانيها أن يزم (يحبس) نفسه مرارًا من ثلاثة أنفاس إلى سبعة، وثالثها منع شراب الماء عقب الذكر!

ثم تختم الوصية بأصول الطريق وهي خمسة أشياء.. تقوى الله في السر والعلانية، واتباع السنن في الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق والإقبال والإدبار والرضا عن الله في القليل والكثير، والرجوع إلى الله في السراء والضراء.

وتنتهى الوصية ثم يبدأ الإذن للخليفة الجديد بأن يدعو الخلق إلى طريق الحق، فقد قال العارفون ليس الرجل من كمل في نفسه، بل من كمل به غيره، ولا من زال عنه الخوف من نفسه، ولكن من زال به الخوف عن غيره.

ويعتبر هذا الإذن تصريحًا للخليفة بالتجول في أنحاء الجمهورية (جمهورية مصر العربية) لإقامة الأذكار والصلح بين الناس، وهو إذ يفعل ذلك يكون نائبًا عن شيخنا وقدوتنا العارف بالله تعالى وشيخ عموم الطريقة الخلوتية الدسوقي الجنيدي المقيم بنزلة الجنيدي مركز الواسطي.

محبة المصريين لأهل البيت

نواصل رحلتنا مع الطرق الصوفية في المجتمع المصري مع الدكتور العالم سيد عويس حيث يقول: ومثل الطريقة الخلوتية الجنيدية، نجد الطريقة البرهمية ومؤسسها سيدي إبراهيم الدسوقي وهو من مواليد مصر، ومدينة دسوق بالذات.

وتروي إحدي الروايات عن هذا الصوفي الكبير، أنه جوهرة من جواهر آل بيت الرسول  الذين عاشوا في مصر ودفنوا في ثراها.

يقولون إن سيدي إبراهيم الدسوقي يلتقي مع (سيدي أحمد البدوي) في الجد العاشر، وهو ينتمي إلى الدوحة المباركة التي ينتمي إليها (سيدي أحمد البدوي) و(سيدي حسين أبو علي أو السلطان أبو العلا).

ويؤكد مؤرخو إبراهيم الدسوقي أنه قرشي الأصل، ويقولون إنه ينتمي إلى الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.

واحتفال المجلس الأعلى الصوفي وجمعية أهل البيت بالإمام علي بن أبي طالب بخاصة وبأهل البيت بعامة، والاهتمام الواضح للطرق الصوفية بهم يعنيان بالضرورة نشر الروايات عنهم ومحاولة غرس محبتهم في قلوب الملايين من المصريين المسلمين.

وفي ضوء الواقع نجد أن المصريين المسلمين قد استجابوا أو تعاطفوا لذلك، واستجابة المصريين المسلمين لهذا الاهتمام أو تعاطفهم أو محبتهم لأهل البيت، لا يمكن أن ترجع بعضها أو كلها بالضرورة إلى قبولهم لدعوة بعينها، أو التزامهم بمذهب معين.

والملاحظ أن دولة الفاطميين قد حكمت مصر في خلال المدة من 362 - 567هـ الموافق 972 - 1171م، أي لمدة حوالي 199 عامًا ميلاديًا، وقد حاولت هذه الدولة في خلال فترة حكمها أن تنشر الدعوة الشيعية في مصر، وحين أصبحت على وشك الانهيار عاد أهل مصر إلى المذهب السني، وفشلت بذلك المجهودات الهائلة التى بذلها الفاطميون في سبيل نشر هذه الدعوة في مصر.

وإذا كان الفاطميون قد فشلوا في نشر الدعوة الشيعية فإن آثار حكمهم المادية مازالت قائمة منها وأهمها مدينة القاهرة ثم جامع الأزهر وجامع الحاكم وجامع الجيوشي وجامع الأقمر وجامع طلائع بن رزيك، ومن الأماكن التي خلفها الفاطميون، ومازالت قائمة في مدينة القاهرة نجد قصر الشوق والجمالية والحسينية وباب زويلة وبرجوان.

القدوة الحسنة

والطرق الصوفية الموجودة في مصر في الوقت الراهن عديدة، وعدد مريديها لا يمكن أن يستهان به، وهم منتشرون في قرية مصرية وأغلبهم من الفقراء والأميين البسطاء، ومن ثم لا يمكن إغفال فاعلية الطرق الصوفية ومن يقومون عليها على هؤلاء المريدين، ومع ذلك فإنني أرى أنه لولا أن تكون الدعوة التي تدعو إليها كل طريقة من هذه الطرق، قد صادفت هوى في نفوس مريديها لما التفوا حولها، هذا الهوى لا يأتي من لا شيء، فهو بالضرورة نتاج ثقافة المجتمع.

إن سيرة مثل سيرة (الإمام الحسين) في ضوء التراث الثقافي المصري، لابد أن تجد صدى في وجدان كل مصري ما في ذلك من شك فالمصري القديم قد عرف (أوزيريس) ووعى قصة استشهاده وعاشت في نسيج كيانه على مر الزمان.

والتراث الثقافي المصري - كما يعلم القارئ - منذ الماضي السحيق، مملوء بالشهداء الذين واجهوا الموت دفاعًا عن الحق، وضربوا الأمثلة الرائعة، وكانوا القدوة الحسنة.

ويعود الدكتور سيد عويس في مقاله للهلال عن الطرق الصوفية في المجتمع المصري ليؤكد أن مقاله هذا: يهتم أول ما يهتم بعلاقة الطرق الصوفية بالدعوة إلى الأولياء والاهتمام الأكيد بآل البيت.. فالطريقة الصوفية هي المدرسة الأكيدة لهذه الدعوة، ويؤكد ذلك ما ضمه كتاب (جامع السعود من عوالم الشهود المقرب إلى علام الغيوب)، فهو يتضمن فضلاً عن أحكام الطهارة وأركان الصلاة على مذهب (الإمام الشافعي) خطبًا منبرية وأحاديث نبوية وكلام السادة الصوفية، والأسرار الربانية في الحضرة النورانية وأحزاب وأوراد ومدح في الرسول وآل البيت، وشرح المملكة الإنسانية (يقصد شخصية الإنسان فهي مدينة في ولاية القلب، وكل من في هذه المدينة من سمع وبصر ويد وقدم وجميع الجوارح رعايا وخدم للقلب، فهم مسخرون له بالقهر مستخدمون له تحت الأمر والنهي) وآداب المريد، وكلام المؤلف في طريق القوم والسادة الصوفية.

من موالد الطرق الصوفية

وارتباط الطرق الصوفية بالموالد كما سبق أن ذكرنا، ارتباط أكيد، ونجد ذلك واضحًا في موالد النبي  والإمام على بن أبي طالب والإمام الحسين، والسيدة زينب والإمام الشافعي.

ونجد ذلك واضحًا أيضًا في الموالد التي يرتبط أصحابها بالطرق الصوفية ارتباطًا أصبح عند الرأي العام عامًا، ومن هؤلاء (السيد أحمد البدوي) بطنطا و(السيد إبراهيم الدسوقي) بدسوق.

ونجد ذلك واضحًا كذلك في الموالد التي يعتبر أصحابها من مؤسسي الطرق الصوفية، ومن هؤلاء المولد الذي تشرف عليه (الطريقة الحامدية الشاذلية) إحياء لذكرى (الشيخ سلامة حسن الراضي) مؤسس هذه الطريقة وتشترك الطرق الصوفية في المناسبات الدينية المختلفة مثل موكب الهجرة وموكب رؤية هلال رمضان، وفي هذه المواكب يجتمع أهل الطريقة في صفوف منتظمة، وقد لبس كل واحد منهم وسامًا مصنوعًا من القماش بلون معين يكتب عليه اسم الطريقة بلون آخر، ويتقدم الموكب حملة الأعلام واللافتات والبيارق، وقد كتب عليها (لا إله إلا الله .. محمد رسول الله) وأيضًا اسم الطريقة.

والملاحظ أن ترتيب الطرق إذا اجتمعت في أي موكب يكون بحسب نظام معين تحدده اللائحة الداخلية للطرق الصوفية.

وفي ضوء استخدامي لأسلوب (الملاحظة) أحيانًا وأسلوب (الملاحظة بالمشاركة) أحيانًا أخرى، تبين أن اجتماع أهل الطريقة (الصوفية) للذكر والإنشاد أو ما يسمى بالحضرة يكون بحضور شيخ الطريقة أو من ينوب عنه.

ويقال إن الحضرة (اجتماع)، (فاتباع) أي أنها اجتماع لأهل الطريقة يتبعون فيها أداء شيخ الطريقة للذكر والإنشاد، ولا تقام الحضرة في مكان واحد.. فهي تقام في بيت أحد أبناء الطريقة، وقد تقام داخل (الزوايا) في القرى.. وقد تقام في أحد المساجد مثل مسجد (الإمام الحسين) بالقاهرة.

وقد تناولت الدراسات التي اهتمت بموضوع (الإنشاد في الحضرة وفقًا للطريقة الحامدية الشاذلية) الحضرة التي تقام بمسجد (الإمام الحسين) بالذات، وهي تقام مساء الثلاثاء أسبوعيًا بعد صلاة العشاء وتضم من الذاكرين من أهل الطريقة ومن غيرهم بشرط أن يحترم الأخيرون النظام والتقاليد الروحية للحضرة حوالي ألفين.

وفي الحضرة الكبرى يشترط أن تقام تحت إشراف (شيخ مشايخ الطريقة) ويلقب أيضًا بـ(شيخ السجادة) أو (صاحب السجادة) بمعني شيخ الطريقة والحضرة كشكل لتجمع أهل الطريقة بقصد الذكر تخضع لنظام معين في ترتيب أماكن جلوس الحاضرين داخل المسجد (إذا أقيمت في المسجد).

وشكل الحضرة على هذا الأساس يأخذ (شكلاً مستطيلاً) بداخله صفوف الذاكرين من أهل الطريقة، وفي أول صف للمنشدين على شمال موقع يوجد موقع رئيس فرقة المنشدين بالقرب منه، ثم صفان من المنشدين وخلفهما صفوف الذاكرين.

وما وصفناه من صفوف المنشدين والذاكرين على شمال موقع الشيخ يوجد ما يطابقه تمامًا في عدد الصفوف على يمين موقع الشيخ، وفي منتصف الصف الأول للمنشدين على يمين موقع الشيخ يوجد موقع رئيس فرقة المنشدين، وبين صفي المنشدين على يمين موقع الشيخ، يوجد موقع خليفة خلفاء السجادة، أي (خليفة الشيخ)، وحول صفوف الحضرة يوجد عشرة نقباء للإشراف على نظام الحضرة، ويساعدهم في مهمتهم ستة عشر منظمًا يقف كل اثنين منهم عند طرفي كل صف من صفوف الذاكرين.

ومن وظائف النقباء في الحضرة، عدا إشرافهم على النظام، توصيل إشارات الشيخ إلى الذاكرين من قيام وقعود وسكوت وذكر، وانتقال من درجة سرعة إلى درجة أخرى في أثناء أداء الذكر والإنشاد.

ويلاحظ أنه في الحالة الأخيرة نجد أن الشيخ هو الذي يضبط إيقاع الذكر والإنشاد من أول الحضرة إلى آخرها ووسيلته في ذلك (التصفيق) والشيخ في العادة هو أول من يبدأ بصوته افتتاح الحضرة.

أهم التقاليد الروحية ممارسة

وتعتبر الحضرة في ضوء ما سبق (النظام الجماعي للذكر) أو (حلقة الذكر) ومن ثم فهي أهم التقاليد الروحية ممارسة في الطريقة الصوفية.

ومن الملاحظ أنه على الرغم من أن الذكر على المستوى النظري هو رأس الأعمال الصالحة، وذلك لأن المقصود منه تزكية الأنفس وتطهير القلوب وإيقاظ الضمائر.

والذاكـر حـين ينفتح لربه جنـانه ويلهـج بذكره لسـانه، يمـده الله بنـوره فيزداد إيمـانه إيمـانًا ويقـينه يقـينًا، فيسكن قلبه للحق ويطمئن به:

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

 (الرعد: 28)

على الرغم من ذلك فإننا نجد في الواقع الحي في المجتمع المصري المعاصر في هذا المجال أن ما يقال نظريًا لا يمارس في الكثير من الأحيان عمليًا، وبخاصة في محيط العديد من الطرق الصوفية، نجد أن الذاكرين منهم إذا ذكروا لا يذكرون (ذكر الله تعالى الوارد في فضله في الكتاب العزيز والسنة المقدسة، المتلقى من رسول الله  بالطرق المتواترة والآحاد الصحيحة، فإنه -عليه الصلاة والسلام- أفصح العرب وأبلغهم وأصحابه الآخذون عنه هم  من الفصاحة والبلاغة بالمكان الأعلى واللسان الأغلى والقرآن العزيز والسنة المطهرة، إنما أخذا عنهم على الحال الواصل إلينا بطريق التواتر أو الآحاد الصحيحة من المد أو القصر والتضخيم أو الترقيق والإدغام أو الفك ونحو ذلك.

وظائف اجتماعية

وحلقة الذكر أصبحت في الوقت الحاضر ظاهرة اجتماعية قد تعددت وظائفها وأصبحت هذه الوظائف في الواقع المصري الحي غيرها كما أمر الله -جل ذكره وعلا شأنه-، والذي وصف أولى الألباب الذين ينتفعون بالنظر في آياته أنهم

"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ"       (آل عمران: 191)

والذي أرشد سبحانه وتعالى إلى الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المرء في أثناء الذكر فقال:

" وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ"        (الأعراف: 205)

ويختم الدكتور سيد عويس مقاله قائلاً: "وإذا كانت لحلقة الذكر وظائف اجتماعية معينة في المجتمع المصري، فإنها هي نفسها إحدى وظائف الطريقة الصوفية، بمعني إتاحة الفرصة للعضو، لكي يجد نموذجًا فريدًا من المنافذ الاجتماعية الذي ينفس أعضاء الطريقة عن طريقه عن الشعور بالنقص أو الشعور بالذنب الفردي أو الجماعي، إذا وجدت هذه الألوان من الشعور كلها أو بعضها".

والانتماء إلى إحدى الطرق الصوفية أيضًا ييسر للعضو الشعور بالحماية، فعمليات التضامن بين الأعضاء وتماسكهم في ظل مناخ ثقافي معين، فضلاً عن إحساسهم بنوع من الامتياز.

 

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
3.6

الأكثر اطلاعا خلال شهر

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

الإعجاز البلاغي عند الرافعي

 أ.د. محمد أبو موسى

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

وقفات تدبرية مع آية قرآنية

 أ. د. نادي محمود حسن

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

معالم الشخصية المسلمة من تشريعات رمضان

 أ.د. أحمد أحمد غلوش

رمضان في فلسطين

رمضان في فلسطين

  د. شيماء زيدان

من الأدب النبوي أدب الطعام

من الأدب النبوي أدب الطعام

 أ.د. محمد عبد الفضيل القوصي

الإخــاء ( 2 )

الإخــاء ( 2 )

 فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي

رمضان والنفس البشرية

رمضان والنفس البشرية

 أ.د. محمد رمضان

بين الصيام والإحرام

بين الصيام والإحرام

 إعداد : د. أسماء عبد العزيز

من وجوه التيسير في الصوم

من وجوه التيسير في الصوم

  أ.د. أمان محمد

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء

 الإمام/ محمد عبده

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

رمضان رحلة الإيمان ومكارم الأخلاق

 أ.د. عزيزة الصيفي

تشريع الصيام

تشريع الصيام

 ا.د. خالد البسيوني

وقفات مع آيتي الرضاعة

وقفات مع آيتي الرضاعة

 أ. د. عباس شومان

من الفتوحات الربانية في رمضان

من الفتوحات الربانية في رمضان

 أ. د. محمد عبد الرحمن الضويني

رمضان في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

رمضان في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

 د. سليمان جادو شعيب

12

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg