| 29 مارس 2024 م

التراث الأزهري: ماضيه وحاضره(12)

  • | الثلاثاء, 6 سبتمبر, 2016
التراث الأزهري: ماضيه وحاضره(12)

أ.د/ إبراهيم صلاح الهدهد

رئيس جامعة الأزهر

علماء الأزهر درر الكواكب في سماء اللغة العربية:

علماء اللغة الأزهريون في العصرين الفاطمي (361هـ - 567 هـ) والأيوبي (567 هـ - 665هـ):

إن الأزهر الشريف منذ أن افتُتح عام 361هـ- / 972م وعُقدت أول حلقة للدرس فيه في صفر 365هـ- وهو منارة للعلم، وكعبة قاصديه، فهو من أقدم ديار العلم في العالم كله، وهو الذائد عن الإسلام وشريعته، وهو حامي حمى القرآن والسنة المطهرة، وحافظ لسان العرب يحمل أمانة كل ذلك، حفظًا وأداءً، وتحملًا وبلاغًا للعالم أجمع، جامعًا في بلاغ رسالته تلك بين الإقناع والإمتاع، الوسطيةُ في كل ذلك لحمتُه وسداه، مؤمنًا بما وصف الله به الأمة.

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)

(البقرة: 143)

وجاء الفكر اللغوي فيه كذلك وسطًا يصطفي من المذاهب اللغوية أقيسها وأكثرها شيوعًا، ويصطفي من وجوه الأداء اللغوي أصفاها، فكان علماء اللغة من الأزهريين نجومًا في سماء العربية ساطعة، وكواكب لامعة، في علوم العربية كلها نحوًا وصرفًا وبلاغةً وعروضًا وقافيةً، ومعاجم، وأدبًا، وشعرًا ونثرًا، وسطَّر التاريخُ ذلك على صفحة من الزمن امتدت لأكثر من ألف عام، كلها كانت إنتاجًا علميًّا في الفنون والمعارف اللغوية، وليس لنا إلا أن نعرض في هذه العجالة ما يدل على سواه.

وأزهرنا الشريف إلى يومنا هذا - بفضل الله- تتميز مناهجه في تدريس اللغة العربية بدءًا من المرحلة الإعدادية بالعمق والسعة، نرى النحو والصرف والمطالعة والنصوص والإملاء، وفنون الكتابة العربية من إنشاء وإملاء وخط في عرض جديد وثوب قشيب يفي بحق العربية، وفي المرحلة الثانوية نرى المواد اللغوية الآتية: النحو - الصرف - المطالعة - تاريخ الأدب والنصوص – البلاغة، فهي ست مقررات لغوية، ويدرس شرح ابن عقيل، ويقابلها كل ذلك في التربية والتعليم (اللغة العربية) مادة واحدة تزن في مجموع ما يتخرج به الطالب في الثانوية ثلاثين درجة.

والحق ما شهدت به الأعداء؛ فقد استعرض المبشرون موضوع الأزهر في مؤتمر عقد بالقاهرة 1906م بزعامة القس زويمر (يراجع كتاب المبشر فيلمنج وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين) وقد تحدث المؤتمرون في هذا المؤتمر عن أهمية الأزهر وما له من النفوذ وإقبال الألوف من الشباب المسلمين عليه من أقطار العالم، وتساءلوا عن سر نفوذ هذا الجامع منذ ألف سنة حتى الآن ثم كانت الإجابة:

1- أن المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم اللغة العربية في الجامع الأزهر مُتقَنٌ ومتينٌ أكثر من غيره.

2- أن المتخرجين في الأزهر معروفون بسعة الاطلاع.

3- أن أوقاف الأزهر كثيرة تساعد على التعليم فيه مجانًا.

هذا وقد اخترتُ في كل عصر عددًا من علماء اللغة الذين درسوا في الأزهر، أو درَّسوا فيه، وذكرنا مصنفاتهم في اللغة والبلاغة والأدب بدءًا من العصر الفاطمي وانتهاء بالعصر الحديث، ترجمنا فيه لعلماء أزهريين برزوا في علوم اللغة، وذكرنا طرفًا من مؤلفاتهم، ووثقنا علاقتهم بالأزهر الشريف، بما يشكل إضاءة لعلماء اللغة الأزهريين في كل عصر.

أولًا: من أعلام اللغة الأزهريين في عهد الدولة الفاطمية (361هـ - 567هـ):

اشتهر في هذا العصر كثير من أعلام اللغة الأزهريين، وهم - وإن لم تذكر كتب التراجم والتاريخ لهذه المرحلة أنهم درسوا بالأزهر- درسوا في جوامع مصر ومدارسها، ويرجح أنهم تلقوا العلم بالأزهر؛ لأنه كان قبلة العلماء بعد جامع عمرو بن العاص، والجامع الطولوني. من هؤلاء العلماء على سبيل المثال:

- أبو العباس أحمد بن هاشم المصري (ت 445هـ)  كان من كبار المحدثين والمقرئين واشتهر بتدريس علم القراءات.

- ابن القطاع  النحوي (ت 515هـ)  وهو صاحب كتاب (الأفعال).

- ابن بابشاذ النحوي (ت 469هـــ): هو طاهر بن أحمد بن بابشاذ (ومعناه الفرح والسرور) بن داود بن سليمان بن إبراهيم، أبو الحسن النحوي المصري، أحد الأئمة في هذا الشأن، والأعلام في فنون العربية، وفصاحة اللسان، ورد العراق تاجرًا في اللؤلؤ، وأخذ عن علمائها ورجع إلى مصر، واستُخدم في ديوان الرسائل متأملًا يتأمل ما يخرج من ديوان الإنشاء، ويصلح ما يراه من الخطأ في الهجاء أو في النحو، أو في اللغة، وكان له حلقة اشتغال بجامع مصر.

 من مصنفاته: المقدمة - وكتاب شرح جمل الزجاجي - المحتسب في النحو - شرح النخبة - تعليق في النحو يقارب خمسة عشر مجلدًا سماه تلامذته من بعده تعليق الغرفة(1).

- الحوفي النحوي اللغوي (ت430هـ) أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد، من أئمة اللغة في زمانه، صاحب المؤلفات الكثيرة في النحو والأدب، من أشهرها (إعراب القرآن).

- أبو عبد الله محمد بن بركات النحوي (520هـ)، تلميذ القضاعي، كان من أئمة اللغة والنحو.

- أبو عبد الله محمد بن بري المصري (520هـ) إمام اللغة في عصره.

- أبو القاسم الرعيني الشاطبي (590هـ): هو أبو القاسم بن فيرُّه بن خلف بن محمد الرعيني الشاطبي المقرئ الضرير، أحد الأعلام، ولد سنة 538هـ، وارتحل للحج، ثم استوطن مصر، واشتهر اسمه، وكان موصوفًا بالزهد والعبادة، وكان رأسًا في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، واسع العلم، وقد سارت الركبان بقصيدته (حرز الأماني)(2)، ولقد اعتُبرت مصنفات هؤلاء الأعلام متونًا ومراجع، وظلت مصنفاتهم تدرس في الأزهر من بعدهم.

ثانيًا: من أعلام اللغة الأزهريين في عهد الدولة الأيوبية (567هـ - 665هـ):

ربما يلتبس على بعض الناس أن الجامع الأزهر عندما أُغلِق في العصر الأيوبي كان الإغلاق إغلاقًا تامًّا، وليس الأمر كذلك، وإنما توقفت فيه صلاة الجمعة، لكنه ظل دار علم، وقبلة علماء، ولا أدل على ذلك مما سنذكره من العلماء.

- أبو المفاخر الواسطي المقرئ النحوي (ت594هـ): هو عبد الله بن أبي الفتح بن أحمد بن علي بن أمامة بن السَّند، أبو المفاخر الواسطي المقرئ النحوي، كان إمام الجامع الأزهر بالقاهرة، وكان يقرأ به، وكان من أعيان القراء عارفًا بالنحو، روى عن أبي العباس أحمد بن سعيد، وأبي بكر الباقلاني، وأبي الحسن الواسطي.(3)

- عبد اللطيف البغدادي: وفد على مصر في سنة 589هـ أيام الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين، وتولى التدريس بالأزهر بضعة أعوام حتى وفاة الملك العزيز في سنة 595هـ وكان يلقي دروسه في الكلام والبيان والمنطق، وبعض الدروس الطبية.(4)

- نصر الدين بن أبي الفنون (ت630هـ): هو نصر الدين محمد بن المظفر بن عبد الله بن محمد بن أبي الفنون، المتوفى بمصر، سمع من ابن البطي، وقرأ الأدب على ابن الخشاب، وابن العصّار، والكمال الأنباري، وسمع بمصر من البوصيري، وتصدر بجامع الأزهر مدة، وله رسالة في الضاد والظاء بديعة، روى عنه الزكي المنذري.(5)

وعلى الرغم من أن الأزهر الشريف أُغلِق مئة عام، وأقيمت مدارس أخرى بمصر لصرف الناس عنه، إلا أن العلماء الذين درسوا في مدارس الأيوبيين تتلمذوا على علماء الأزهر الشريف، على الراجح، ومن أشهرهم: - ابن الحاجب النحوي (ت665هـ) - ابن المنير (ت683هـ) - ابن مالك الأندلسي (672هـ) - ابن أبي الأصبع (ت654هـ) - ابن معطٍ (ت628هـ)(6).

والجامع الأزهر، قد توقفت فيه خطبة الجمعة والصلاة، ولم تتوقف الدروس فيه، لكن الدولة لم تكن داعمةً له.

 

(1) بغية الوعاة للسيوطي 2/ 17.

(2) حسن المحاضرة للسيوطي 104.

(3) بغية الوعاة للسيوطي 1/208، 2/53.

(4) تاريخ الجامع الأزهر محمد عبد الله عنان 111، 112.

(5) بغية الوعاة 2/ 315.

(6) نقلا عن الأزهر في ألف عام، د/ محمد خفاجي، ود/ علي علي صبح، لكني لم أصل إلى ما يؤيد ذلك في كتب التراجم والتاريخ الواصفة لهذه الحقبة، فيما اطلعت عليه.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
1.7

الأكثر اطلاعا خلال شهر

بحث حسب التاريخ

العدد الحالي

فهرس العدد

من أغلفة المجلة

حقوق الملكية 2024 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg